ما هو مرتكز السعادة؟



السعادة.


موضوع كبير جدا ومتوسع. الكل يسعى في معظم تصرفاته ليبحث عن السعادة. الجامعات والمعاهد والباحثيين يقومون بعمل دراسات وأبحاث جديدة عن السعادة. بعض الدراسات تسمعها ولا تحتاج أن ترجع وتتأكد أنها دراسة؛ لماذا؟ لأنها واقعية جدا وضميرك يخبرك أنها صحيحة. مع العلم أن كلمة دراسة قد تكون قوية ولها ثقل سمعي في حين أن تلك الدراسة قد تكون على عدد قليل من الناس في دولة أو منطقة نائية لها ظروفها الخاصة. فليس كل دراسة تصدق، ولا تأخذ الدراسات أنها صحيحة لا مجال للخطأ فيها، المهم ما يخبرك ضميرك وما ترغب في التحقق من معرفته. كما قلت، بعض الدراسات لا تحتاج أن تسأل عن صحتها لأنها تصرخ بالواقع.


من هذه الدراسات التي سمعت كاتب يقول عنها، أن في هذه الفترة وجدوا أن “التعاطف” و “الاحساس والشعور بالآخر” قد قل بشكل ملحوظ، والسبب؟ هو قلة التواصل الحقيقي بين الناس.






الكل مشغول بجهازه النقال. بالعالم الافتراضي. بانستقرام. بتويتر. فيس بوك. يوتيوب. و… واتس أب !!




الكل أصبح يشعر ويحزن ويفرح ويغضب على أشخاص لا يعرفهم في الحياة !! ولم ير وجهوههم في أغلب الأحيان، ولا يعرف عنهم شيئاً، لا يعرف حتى مدى صدقهم. كيف هي قلوبهم في الحقيقة. ما هي أوضاع حياتهم. لا توجد أي صلة أو قرابة “واقعية” بينهم سوى عبر شاشة الجهاز الذكي أو النقال أو سمّه ما تشاء.


التكنولوجيا مذهلة. جدا مذهلة. هي نعمة من ربّ العالمين فتح بها على البشر ووصلوا إلى ما وصلوا بالعلم، فسبحان العليم. في نفس الوقت، التكنولوجيا أصبحت سارقة للقلوب وللعقول فتعبت الأرواح وباتت تشتكي وتشتكي دون أن ترضى أن تأخذ الدواء.


نعم أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا، لكن كلنا نعلم أن الأمر يرجع للشخص نفسه. متى ما كان جادا وحريصا على نفسه وعلى حياة مفعمة بالودّ والحبّ مع أهله وأصحابه، سيعرف كيف يتصرف. فالأمر ليس صعبا.


ليست هناك مشكلة في التعاطف أو التعارف عبر الانترنت مع الآخرين ومشاركتهم حياتهم، لكن منطقيا كيف ستكون النهاية؟ لو كنت في آخر يوم في حياتي وجلست أقارن، ووجدت أني أعطيت كل طاقتي ووقتي واهتمامي للشاشة، وتركت الذين أعيش معهم وأحبهم وأعرفهم على أرض الواقع! لقد فاتتني شخصياتهم فلم أعطها حقها ولم أعرفها. فاتتني نقاط قوتهم ومهاراتهم. فاتني الضحك من كل قلبي معهم. القرب منهم. والمهم من هذا كله؛ قضاء وقت عالي الجودة معهم، نحلق بأرواحنا ونفرح حقا مع بعضنا البعض.


قضاء ساعات وساعات طوال اليوم في عالم افتراضي والتقصير بشكل واضح جدا بعلاقاتنا الحقيقية هو لا شك خسارة عاطفية شديدة، وخسارة حبّ أصلي أبدي مع من نحب. أكبر مثال هو عدم قدرة بعض الأشخاص على ترك أجهزتهم النقالة وقت التجمع الأسري أو مع الأصدقاء. الانسان يحاول ويبذل ويترك جهازه ليشعر بالقرب مع من يحب، والنقال لن يطير.


أحد أهم أسباب وركائز السعادة هو التواصل والاتصال البشري مع الأشخاص المهمين في حياة الانسان. المهمين هم الأهل والأصدقاء. هذا التواصل كيف يكون؟ يكون وقتا ذو جودة عالية، تقطع فيه الاتصال بالانترنت لتتمكن من الاتصال مع البشر، القلوب، الأرواح، والعقول أمامك.


ابدأ وطبق واجعل هذا العام وبدايته بركة لك باذن الله. عندما نكون مع أهلك اترك جهازك النقال. الأمر الآن أصبح اعتيادا أكثر من رغبتك أو حاجتك لتدخل انستقرام أو تويتر أو غيره. منذ كم سنة تستعمل هذه البرامج؟ العقل اعتاد. هذا كل ما في الأمر. مما يعني أنك تستطيع أن تعوده أيضا على عدم استخدام هذه البرامج في كل وقت وفي كل حين !!!! تذكر، قد تخسر حياتك مع أقرب الناس لك بسبب انشغالك ببرامج الكترونية. تحكم أنت بها ولا تجعلها أو تجعل عادات اعتاد عقلك عليها تسيرك يمين وشمال. أنت احكم وعوّد نفسك، وقت قليل وستعتاد أن تستخدم هذه البرامج بمنطق، وتحصل على أهم ما تحتاج له في هذه الحياة، علاقاتك مع من حولك.


التواصل بوقت رائع ودون انقطاع مؤذ وسارق للحظات الجميلة، كفيل أن يشعرك بالسعادة. يعطيك حاجاتك كبشر. تشعر بالحب، بالأمن والأمان، بالانتماء، تشعر أنك إنسان وشخص مهم، لديك من يحب أن يسمع منك، وتحب أن تسمع منه. وأظنك تعرف الشعور عندما تتكلم، وفجأة من أمامك مشغول بجهازه ولا يراك أو يسمعك، شعور كريه.


عندما تتواصل مع من تحب، ذكرهم بترك التكنولوجيا. ذكرهم بأهمية تواصلكم. تذكروا ذكريات الطفولة. تحدثوا عن أحلامكم وقتها. أحلامكم الآن. تحديات حياتكم. ليكن المجلس مليء بالانصات والتقبل. كلكم تعرفون كيف يكون هذا، كلنا نعرف، فقط علينا أن نفعله. اسمع لهم سيسمعون لك، الانصات بحد ذاته كفيل أن يشعرك بالدفء وأن لحظات فرحك أو حزنك مقدّرة ومهمة لأنك أنت مهم ويملك أقرباؤك تقدير لك ولشخصك.


التكنولوجيا سريعة جدا جدا. أكبر مثال انستقرام. سريعة. وهذه السرعة عندما يعتاد عليها العقل، يكون قد اعتاد على أن يكون كل شيء سريع جدا. فلو حصل أي أمر بطيء، يغضب الانسان ويفور جدا، السبب؟ لأن قدراته على الصبر أو التحمل أو تقبل الأمر البطيء قد ضعفت كثيرا وتقوّت عضلات أو قدرات السرعة! لاحظ نفسك الآن كيف تتقبل الازدحام المروري، أو كيف تتقبل تأخر أحدهم بالرد عليك، أو أسئلة طفلك أو بطأه في القيام بمهمة معينة، أو أحد أصدقائك يرغب في أن يخبرك موضوع طويل نوعا ما! ستجد أنك تشعر أنك مستعجل، وفي الحقيقة هذا غير صحيح.


ريلاكس


البطء هو أحد عوامل السعادة، لأن العقل لا يتقبل الأمر السريع. أقرب مثال الأكل. عندما تأكل ببطء يتمكن العقل من تسجيل هذه التجربة السعيدة في ملفات الاستمتاع بالحياة. أما في حال السرعة لا يصدق أنه قام بها أصلا. فدع لحظات سعادتك بطيئة وتأخذ وقتها لكي تسجلها، وكثرة تسجيلها في عقلك تجعلك تشعر بالسعادة بشكل عام في حياتك.


وأخيرا وليس آخرا، بعد أهمية التواصل مع من تحب في حياتك، وأهمية استمتاعك وبطء انغماسك في لحظات السعادة وتجاربها، أقول أن المرتكز الهام في حياة كل منا هو وجود معنى في حياتك. معنى مهم بالنسبة لك يجعل لحياتك قيمة. سواء كان مشروعا تطوعيا. اهتمامك وتربيتك لأبنائك. مشروع تجاري. أيا كان الأمر، المهم هو وجود أمر هام له معنى وقيمة تقوم به في حياتك.


استعن بالله. فالله هو المعين والله يحب أن تستعين به في دقائق الأمور، لقد كان الصحابة يسألونه في ملح الطعام وفي نعلهم! وما أجمل شعور قلبك وحال يومك عندما تستعن به في كل شيء، تشعر أنك ملك وأنك قوي أن أمورك كلها ميسرة مسهلة، لأن ملك الملوك سبحانه معك. يا الله، يا معين أعنا. ويا ودود اجمع شملنا مع من نحب. ويا مالك لقلوبنا أعنا على حبك وحب من يحبك.