استخدام الذكاء العاطفي في الرعاية الطبية للمريض:
لماذا يشعُر الإنسان بهذا الضعف العاطفي (الاجتماعي) عندما يرقُد مريضًا؟ ولماذا يشعُر الإنسان بالخوف الاجتماعي عندما يَشعُر ببعض الآلام؟
يعيش الإنسان في فتراتِ ما قبل المرض وهو لا يُفكِّر في المرض، بل يركز تفكيره في أشياء أخرى بعيدةٍ عن المرض، ويعتَقِد أنَّ صحَّته قويَّة، ومن الصعب أن يُصِيبَها مكروهٌ.
وعندما يُهاجِم المرض أيَّ فردٍ بصورة مفاجئة وشديدة، فإنَّ ذلك يعني أنَّه قد هاجَم أيضًا المعتقدات الخاطئة السابقة للفرد، أو هذا الوهم الذي كان يَفترض أنه سوف يعيش دائمًا في أمنٍ وسلام، وفي مثْل هذه الحال يتحوَّل الإنسان من موقفِ القوَّة إلى موقف الضعف، وتفشل الصحَّة العقليَّة في الاستمرار على حالتها السابقة، ويجعل تفكير الإنسان يتحوَّل إلى التفكير في حالة الضعف التي أصبح عليها، ويتخلَّى عن التفكير السابق.
وقد نجح الأطبَّاء المعالجون في عملهم عندما أدرَكُوا أو ربطوا بين المرض البدني للإنسان وبين العقل العاطفي للمريض، ما يمكن أنْ نطلق عليه المرض العقلي.
وقد لاحظ بعض الأطبَّاء الذين اهتمُّوا بهذا المجال أنَّ إهمال عواطف المريض أو تجاهُل انفعالاته يعني ازدياد حالة المريض سوءًا؛ حيث إنَّه يَشعُر بالآلام بدرجةٍ أكبر، ويعيش المعاناة بصورةٍ أقوَى؛ ممَّا يُؤثِّر على خطة علاجه.
ما هذا الشعور الذي ينتابُنا عند الذهاب لعيادة الطبيب أو المستشفى؟
إنَّه في بداية الأمر قد يكون شعورًا عاديًّا مع بعض الخوف أو القلق اليسير، إلاَّ أنَّ ارتفاع درجة حَرارة هذا الخوف ترتَبِط بانفِعالات هذا الطبيب أثناء قيامه بالكشف أو قراءة نتائج التحاليل.
ومنذ بداية لحظات التعامُل مع الطبيب المعالج، فإنَّ الانفِعالات سوف تكون في حالة طوارئ واستنفار لدى المريض.
وفي هذه الحالة العقليَّة الجديدة التي تُسَيطِر على المريض أو على الشخص عند زيارته للطبيب، سوف يكون هناك خوف؛ نتيجة التفكير في المرض، كما يبدأ الفرد بالشعور تدريجيًّا بأنَّ هناك شيئًا ما يتسلَّل إلى عَواطِفه ويُؤثِّر عليها ويجعلها ضعيفةً؛ حيث يبدأ إدراك المقولة الشهيرة التي كان يُردِّدها دائمًا: "لا حول ولا قوَّة إلا بالله".
إنَّ الحالة العاطفيَّة أو العقل العاطفي عند زيارة الطبيب أو الشُّعور بألم المرض - تَبدَأ في التأثُّر قبل أنْ يعرف الإنسان حقيقة المرض الذي أصابَه.
إنَّنا جميعًا نعيش حياتنا في وهم الصحَّة والقوَّة، ونشعُر أنَّ ذلك يعني أنَّنا دائمًا في أمانٍ من المرض ونُبعِده عن تفكيرنا وتوقُّعنا، وعندما تأتي إلينا الآلام الجسديَّة ونعيش اللحظات الأوليَّة للمرض، يتسلَّل هذا الخوفُ اللعين إلينا تدريجيًّا، حتى نصل إلى مرحلة الشعور بالضَّعف الجسدي، والذي يُصاحِبه بصورةٍ موازية حالةُ الضعف العاطفي.
والأطبَّاء أو المعالجون المتميزون هم الذين أدرَكُوا الحقيقة السابقة مبكرًا، ولم يقتَصِر دورهم على التخفيف من آلام المريض البدنيَّة والفسيولوجيَّة فقط، بل كانوا أكثر اهتمامًا في البداية بالتخفيف ممَّا أصاب العقلَ العاطفي من وهَن وألم أيضًا.
إنَّ الأطبَّاء أو المسؤولين عن الرِّعاية الصحيَّة والطبيَّة للمَرضَى الذين يتجاهَلُون الانفِعالات والمشاعر العاطفيَّة لهم، ويُقصِرون عملَهم على الاهتِمام بالمرض البدني أو الفسيولوجي - يتجاهَلُون تلك الحقيقة المهمَّة التي تُؤكِّد إمكانيَّة أنْ تلعب المشاعر العاطفيَّة دورًا مهمًّا في تأثُّر الأفراد المرضى سلبيًّا بمرضهم، وشعورهم بألم المرض بصورةٍ أكبر، وتُؤثِّر سلبيًّا أيضًا على برامج عِلاجهم، وهذا يعني أنَّ الأطبَّاء والفريق المعالِج ينقصه الذكاء العاطفي والاجتماعي.
هل من ضِمن مهارات الذكاء العاطفي أنْ يُصارِح الطبيب المعالِجُ المريضَ في بداية مرضه بحقيقة مرضه مهما كانت خطورته؟
يعتَقِد الكثيرُ من الأطبَّاء الذين لديهم درجة عالية من الذكاء العاطفي أو الاجتماعي أنَّه يجب أنْ يكونوا رُحَماء بالمريض، ولا يتعجَّلوا إخبارَه بحقيقة المرض الذي أصابَه - إلاَّ بعد مرحلةٍ زمنيَّة محدَّدة - في بداية الشعور بالآلام أو اللُّجوء للطبيب، حتى يتمَّ الانتِهاء من جميع الإجراءات الأوَّليَّة والأساسيَّة لتحديد طبيعة المرض، والمرحلة التي وصَل إليها، وإمكانيَّات العلاج وأسلوبه.
العلاقة بين الطبيب والمريض:
أظهَرت الأبحاث أنَّ المرضى الذين لدَيْهم علاقات جيِّدة مع أطبَّائهم أكثر اقتناعًا بالرعاية الطبيَّة التي يتلقَّونها والحصول على نتائج مُرضية.
بعض النصائح لتوطيد العلاقة مع طبيبك:
• قُم بإعطاء المعلومات دون انتِظار طلبها.
• أخبِر طبيبَك عن الأعراض التي تُعانِيها وملفك الصحي.
• من الضروري إخبارُ الطبيب بالمعلومات الشخصيَّة، حتى إذا سبَّب ذلك لك شيئًا من الإحراج.
• أحضر معك قائمةً بتاريخك المَرضي، مع إضافة أحدث البيانات إليه، فليكن معك دائمًا قائمة بأسماء العقاقير التي كنتَ قد تناوَلتها من قبل، وكذلك أخبِر الطبيب عن أيِّ نوعٍ من أنواع الحساسية قد نجم عن تناوُلك لأيٍّ من تلك العقاقير.
• أخبِر طبيبك عن أيِّ أدوية وموادَّ طبيعيَّةٍ أو علاجات بديلة كنتَ قد تناوَلتها من قبل.
• قُم بإحضار أيِّ معلومات طبيَّة أخرى مثل أشعة x-ray ونتائج التحاليل والسجلات الطبيَّة.
وما يريد المؤلف أنْ يقدمه في هذا الكتاب هو أهميَّة استخدام الذكاء العاطفي الاجتماعي للقائمين بالرعاية الطبيَّة للمريض؛ حيث إنَّ هناك قواعد ومهارات مهمَّة يجب أنْ تتوفَّر ليس لدى الأطبَّاء المعالجين فقط، ولكن لدى الفريق المشارك في الرعاية الطبية، أو كل مَن يتعامَل مع المريض أثناء مرضه.
وأعتَقِد أنَّ هذا الكُتيِّب ضمن سلسلة كتيبات الذكاء العاطفي الاجتماعي جاء لخدمة العاملين في مجالات الرعاية الطبية والنفسية للمريض، وكذلك لكلِّ مَن يتعاملون مع المريض في المستشفى أو المنزل؛ حتى تكون لدية المهارات الإيجابية التي تنعَكِس على الحالة النفسيَّة للمريض، والتي يمكن أنْ تلعب دورًا مهمًّا في سعادته أو تخفيف الآلام عنه.
وأعتقد أيضًا أنَّ هذا الكتيب سوف يكون ذا أثرٍ جيد وطيِّب وذا فائدة للباحثين والعاملين في مجالات الرعاية الطبية والاجتماعية.
محتويات الكتاب:
الذكاء العاطفي والصحة النفسية للإنسان
أولاً: العلاقة بين الضعف المرضى والعاطفي.
ثانيًا: هل يُصارِح الفريق المعالج المريض بمرضه؟
ثالثًا: مراعاة الواقع الاجتماعي والعاطفي للمريض؟
رابعًا: العلاقة بين العقل وجهاز المناعة في الإنسان؟
خامسًا: تأثير الانفعال على صحة القلب.
سادسًا: الوقاية من الاكتئاب.
سابعًا: العزلة الاجتماعية وأثرها على صحَّة الإنسان.
ثامنًا: استخدام الدعم العاطفي في علاج المريض والشفاء.
تاسعًا: أهميَّة استخدام الذكاء العاطفي للعاملين بالرعاية الصحيَّة
المفضلات