صينية حول العالم في تسع عشرة سنة!
لي يا هونغ






ما لي، امرأة صينية تبدو عادية، زارت مائة وخمسة وعشرين دولة ومنطقة حول العالم خلال تسع عشرة سنة، وسجلت اسمها كأول صينية سبحت في نهر جليدي بالقطب الشمالي وأول مواطنة صينية عادية زارت القطب الجنوبي. تتحدث ما لي، ذات الشعر المُجعد والابتسامة التي تملأ وجهها، بعبارات لا تخلو من كلمات إنجليزية، رغم أن تعليمها لم يتجاوز المرحلة الابتدائية. تقول: "إذا بدأت الرحلة، لا أستطيع التوقف في مكان واحد، وتتبدل مشاعري كلما أصل إلى مكان بنفسي".

حلم بسيط
ولدت ما لي في ستينات القرن الماضي بمنطقة جبلية في مقاطعة يوننان، جنوب غربي الصين. قبل أن تبدأ رحلتها مع السفر والترحال، كانت عاملة تغليف في شركة صينية للاستيراد والتصدير. تقول: "كنت أريد أن أتخلص من أغلال المصير. لا أحب أن أكون مقيدة. أريد أن أكون محط أنظار الآخرين". تركت ما لي مسقط رأسها.

الحقيقة أن ضغوط الحياة كانت الدافع الأول الذي قذف بالسيدة ما إلى عالم السفر، فقد مرت بتجربة زواج قصيرة كانت خالية من أي سعادة. عن تلك الفترة تقول في كتابها الذي يحمل عنوان ((66 دولة في عشر سنوات)): "في ذلك الوقت تعاظمت رغبتي في السفر. أردت أن أهرب من الواقع لأحقق حلمي البسيط". في سنة 1989، قررت ما لي ترك عملها، وقصدت إلى المجر، حيث وجدت عملا هناك. تقول والسعادة تفيض من محياها: "كان أملي أن أجد خارج الصين عملا بدخل أكبر لأغير حياتي الجامدة".

عندما وصلت ما لي إلى المجر لم تكن تحمل أكثر من حقيبة صغيرة فيها جواز سفرها وخمسون دولارا أمريكيا. في المجر، اشتغلت ما لي في تجارة الشنطة... "كنت أشتري الملابس الجينز والشورتات من على حدود بولندا وأبيعها في المجر". ولكنها عملت أيضا مربية أطفال وساعية بريد وعاملة هاتف، وحاولت أن تجد عملا في الدول المجاورة للمجر. في سنة 1992، غادرت ما لي المجر إلى أستراليا ومنها إلى دول عديدة. تقول: "منذ ذلك الوقت، صار السفر متعتي، وشرعت أتجول حول العالم".

خلال رحلاتها كانت ما لي تقيم في خيمة تحملها وتتناول الأطعمة البسيطة، وإذا نفد ما معها من مال، لا تجد غضاضة من العمل في سوق أو مطعم أو متجر في المكان الذي تكون فيه. من حسن حظها أنها بارعة في طهي الأطعمة الصينية، فقد وفر لها ذلك طريقا ميسرا لكسب الرزق. تقول: "كنت أعمل طاهية في أي مطعم صيني فأحقق دخلا كبيرا، فإذا تجمع معي المال اللازم للسفر، واصلت الرحلة". زارت الغابات الاستوائية في منطقة نهر الأمازون وجبال الهمالايا وأكبر منطقة للزنوج في إفريقيا، "سويتو"، وجزيرة سانت بيير Saint-Pierre، التي لم تطأها قدم إنسان، ومنطقة الشرق الأوسط، التي تصل درجة الحرارة فيها أربعين درجة مئوية، والأنهار الجليدية في الأرجنتين، التي تبلغ درجة الحرارة فيها أربعين تحت الصفر والقطب الشمالي والقطب الجنوبي.

من أجل السفر، باعت ما لي شقتها وسيارتها واقترضت مائة ألف دولار أمريكي من البنك ولا تدري كيف يمكنها أن تعيش حياتها مثلما كانت قبل السفر.

تقول ما لي إن السفر مغامرة ولكن التجارب الخطيرة تكون دائما أكثر قيمة. وما لي تقول دائما لأصدقائها، "لديكم أشياء كثيرة تقلقكم، وأنتم في حاجة لتغييرها". إنها تتمتع بإحساسها بالتفوق عندما تقول مثل هذا الكلام. حظيت تجارب ما لي في السفر باهتمام كثير من مستخدمي موقع الإنترنت الصيني المشهور "تيانيا" (www.tianya.cn) وقد كتب كثير من مستخدمي الإنترنت تعليقات لها مثل "شقيقتي الكبرى، أنا معجب بك حقا!"

اليمن التي في خاطري
تقول ما لي: "من بين المائة والخمس والعشرين دولة التي زرتها، أحببت اليمن أكثر، فقد عاملني اليمنيون معاملة كبار الزوار".

قبل انطلاقها إلى اليمن، أخبرها صديق لها أن منطقة جنوبي اليمن شهدت قبل أيام مذبحة مروعة أثارت اهتمام العالم، وأنها قد تتعرض للخطف إذا ذهبت إلى اليمن. في مايو 2007 انطلقت ما لي من سلطة عُمان، وبعد ست ساعات من السفر في الصحراء كانت على الحدود العمانية اليمنية. بعد أن نزلت من السيارة مع الركاب الثلاثة الآخرين، توجهت نحو غرفة بسيطة، وقالت للشخص الموجود بها: "أنا قادمة من الصين وأرغب في زيارة بلادكم، فهل تسمح بإتمام إجراءات تأشيرة الدخول لي؟". أتم الموظف المسؤول الإجراءات بأدب جم، ثم أخرج من حافظة نقوده ألفي ريال يمني، وهي تساوي ستة دولارات أمريكية، وأعطاها إلى المرأة الصينية، مرحبا بها نيابة عن الشعب اليمني لزيارة اليمن.

خلال سفرها، كان يرافقها شرطي مسلح، يتغير عند كل مخفر شرطة. بعد تسع ساعات من السفر وصلت إلى بلدة سيئون. ما إن عرف أهل البلدة بقدوم المرأة الصينية حتى بادروا وتسابقوا لدعوتها للإقامة في بيوتهم وتناول طعامهم. لاحظت ما لي أن الفوضى تعم هذه البلدة وأن كثيرا من بنايتها غير مكتمل البناء، وأنها الغريبة الوحيدة بها.

في صنعاء، عاصمة اليمن، شاهدت صفوفا من بيوت الصفيح يشقها طريق ضيق إلى منطقتين. على طول الطريق تنتشر محلات البقالة والحلاقة والشقق المفروشة. هذه الأجواء أعطت ما لي إحساسا بأن كل شيء في هذه المدينة رخيص ومؤقت، ففي مقابل الفندق الذي أقامت فيه، نصبت خيمة تستخدم ككنيسة مؤقتة، تصدر منها كل صباح أصوات الصلاة عبر مكبر للصوت.

بالقرب من مدينة صنعاء القديمة توجد مقبرة الصينيين الذين ضحوا بحياتهم أثناء بناء طريق صنعاء- الحُديدة (على البحر الأحمر)، في سبعينات وثمانينات القرن العشرين. لقد بذل كثير من المهندسين والعمال والأطباء الصينيين دماءهم وعرقهم في سبيل تحسين ظروف معيشة أبناء اليمن. في اليمن، سمعت ما لي مرارا اليمنيين يرددون عبارة "الصينيون طيبون".

في أفريقيا، عامل الأفارقة ما لي كواحدة منهم. في سبعينات القرن الماضي، أرسلت الصين بعثات كثيرة من المهندسين والعمال إلى إفريقيا، انطلاقا من الروح الأممية لمساعدة الدول الإفريقية على بناء السكك الحديد والمستشفيات وغيرها. تقول ما لي مبتسمة: "لم أشعر بحاجة إلى معرفة لغاتهم، كنا قادرين أن نفهم بعضنا بعضا".

رحلة القطبين
في عام 2007، وصلت ما لي إلى القطب الشمالي.

تقول ما لي: "في منطقة القطب الشمالي، يلبس الإسكيمو مثلنا، وحياتهم لا تختلف كثيرا عن حياتنا. في شوارعهم مقاهي إنترنت ومحلات سوبر ماركت". في بلدة بشمالي روسيا رأت ما لي ناسا ينامون بجانب الطرق، وتقول إنهم عمال يأخذون أجورهم ويأتون إلى الشوارع يكرعون الخمر ويتحرشون بالنساء حتى تنفد نقودهم يرجعون إلى العمل.

في الثامن من يوليو 2007، انطلقت ما لي من ميناء مورمانسك بشمالي روسيا على متن السفينة يامال "YAMAL" إلى القطب الشمالي. عن هذه الرحلة تقول: "كان الجليد المتكسر يزلزل السفينة عندما يصطدم بها". في الرابع عشر من يوليو، صعدت ما لي قمة العالم -- القطب الشمالي -- في درجة حرارة خمس وعشرين تحت الصفر. لوحت ما لي بالعلم الأحمر ذي النجوم الخمس وأخذت تصرخ وتصرخ من شدة الانفعال. أما رفيقها في الرحلة، المستكشف لويس غوردون بوي Lewis Gordon Pew فسبح لمسافة كيلومتر في نهر جليدي درجة حرارته 8ر1 درجة تحت الصفر، مسجلا رقما قياسيا عالميا في السباحة بالمياه المنخفضة الحرارة. بعد ساعات من سباحة بوي قفزت ما لي إلى النهر الجليدي لتصبح أول صينية تسبح في نهر جليدي بالقطب الشمالي. عن هذه التجربة تقول: "، "كان البرد القارس مؤلما، كأنه سهام تخترق جسمي".

القطب الجنوبي منطقة لا تخوم فيها، ولا تتبع دولة بعينها، ومن ثم فإن زيارتها لا تحتاج تأشيرة دخول. في الخامس من ديسمبر 2007، وصلت ما لي إلى مدينة بونتا أريناس في شيلي، التي تنطلق منها سفينة سياحية إلى القطب الجنوبي كل ثلاثة أيام، ويكون سعر التذكرة قبل دقيقة من انطلاق السفينة رخيصا، فانتظرت الصينية الحصيفة حتى الدقيقة الأخيرة ودفعت ألفا وسبعمائة دولار أمريكي في تذكرة سعرها الأصلي عشرة آلاف دولار أمريكي.

في الساعة الرابعة صباح اليوم الثاني والعشرين من ديسمبر 2007، وصلت ما لي إلى القطب الجنوبي في القارة المتجمدة الجنوبية وأصبحت ما لي أول امرأة صينية عادية تصل القطب الجنوبي.

خلَّص السفر ما لي من أغلال الحياة، ولكنها اكتشفت أن كل سفر رحلة، ما إن تنتهي حتى يكون عليها أن تواجه الحياة. برغم أنها مدينة للبنك تقول: "أفعل ما أشاء لأسعد نفسي". تعكف السيدة ما لي حاليا على تأليف كتاب بعنوان ((رحلة حول العالم لتحقيق الحلم)).

السفر يعني الحركة، أما الآن وقد انتهى السفر وجاء الحديث عن المستقبل، تقول ما لي:"لا أعرف كيف سأعيش حياتي الباقية في المستقبل". ربما الشيء الأكثر أهمية للرحالة الحقيقي هو أن يواصل السفر.