إن الرضى بقضاء الله يقوم مقام كثير من التعبدات التي تشق على البدن فيكون رضاه أسهل عليه وألذ له وأرفع في درجته ويحكى: أن عابدا عبد الله دهرا طويلا فرأى في المنام: أن فلانة الراعية رفيقتك في الجنة فسأل عنها إلى أن وجدها فاستضافها ثلاثا لينظر إلى عملها فكان يبيت قائما وتبيت نائمة ويظل صائما وتظل مفطرة فقال لها: أما لك عمل غير ما رأيت قالت: ما هو والله غير ما رأيت أو قالت: إلا ما رأيت لا أعرف غيره فلم يزل يقول لها: تذكري حتى قالت: خصيلة واحدة هي في وذلك: أني إن كنت في شدة لم أتمن أني في رخاء وإن كنت في مرض لم أتمن أنى في صحة وإن كنت في الشمس لم أتمن أنى فى الظل قال: فوضع العابد يده على رأسه وقال:
أهذه خصيلة هذه والله خصلة عظيمة يعجز عنها العباد.

وقال بعض العارفين: أعرف في الموتى عالما ينظرون إلى منازلهم في الجنان في قبورهم يغدى عليهم ويراح برزقهم من الجنة بكرة وعشيا وهم في غموم وكروب في البرزخ لو قسمت على أهل بلد لماتوا أجمعين قيل: وما كانت أعمالهم قال: كانوا مسلمين مؤمنين إلا أنهم لم يكن لهم من التوكل ولا من الرضى نصيب وفي وصية لقمان لابنه: أوصيك بخصال تقربك من الله وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئا وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت. وقال بعض العارفين: من يتوكل على الله ويرض بقدر الله فقد أقام الإيمان وفرغ يديه ورجليه لكسب الخير وأقام الأخلاق الصالحة التي تصلح للعبد أمره.









المرجع: مدارج السالكين
اسم الكاتب: ابن القيم الجوزية
دار النشر: دار البيان
سنة النشر: 2003
كلمات مفتاحية: المعتقدات – البرامج العليا - المرونة – تغيير الصورة الذهنية – تغيير إطار الإدراك – القيم
أرسل بواسطة: محمد طه
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=191