خطة " تظاهر بالزحف من طريق ولكن التقدم الحقيقي من طريق آخر" يبدو من ظاهر العبارة انها تعني التظاهر بتنفيذ خطة علنا مع تطبيق خطة أخرى مختلفة من أجل خداع العدو وتشويش تفكيره لإكمال استعداد الهجوم عليه خفيةً. وهذه الخدعة تشابه مع خدعة " يناور في الشرق للهجوم على الغرب." لكن الاختلاف بينهما أن خدعة " يناور في الشرق للهجوم على الغرب " تهدف الى اخفاء مكان الهجوم أما الأخرى فتُطبّق لإخفاء خريطة الطريق الذي يزحف منه الجيش للهجوم على العدو.

شهد التاريخ استخدام هذه الخدعة في بداية الأمر خلال معركة حدثت قبل أكثر من ألفين وثلاثمائة سنة حيث كانت الصين في عهد أسرة تشين الملكية. وكان ملك المملكة يعيش في غاية الاسراف والتبذير غير مهتم بمصالح أبناء الشعب. الأمر الذي دفع بعض المزارعين الى القيام بانتفاضات ضده. ومن بين أكبر قوات المتمردين جيش ليو بانغ وجيش شيآنغ يو اللذين تحالفا وتعاونا في معارك عديدة ضد الملك تشين وفي النهاية أسقطا حكمه. لكنهما قاتلا بعضهما البعض من أجل انتزاع السلطة. وإنهزم ليو بانغ في البداية خلال المعركة فتراجع الى منطقة بعيدة عن منطقة شيآنغ يو. وأثناء أنسحابه أمر جنوده بتدمير طريق الانسحاب وما فيه من الجسور والأنفاق والمعالم وغيرها تعبيرا عن عدم عودته من هذا الطريق ووقف قتاله ضد الملك شيآنغ يو. وبعد عودته الى موطنه قام باعادة بناء قاعدته العسكرية وتجنيد مقاتلين جدد وتدريبهم استعدادا لشن هجوم جديد على شيآنغ يو. وبعد مرور سنوات ازدادت قواته فأرسل جنوده ليخوضوا حربا ضد شيآنغ يو. وقبل بدء العملية فكر في حيلة بحيث أمر جنوده باصلاح الطريق القديم الذي انسحب منه متظاهرا بأنه سيعود من هذا الطريق الى ميدان القتال. وفي الوقت نفسه ارسل قواته الرئيسية لتزحف خفية من طريق آخر للهجوم على معسكر شيآنغ يو. فانطلت الحيلة على الملك شيآنغ يو حيث كان معتقدا بان ليو بانغ سيعود من الطريق القديم الى ميدان القتال، فأمر بنشر جنوده حول هذا الطريق استعدادا لصد زحف جيش ليو بانغ.

نجحت الحيلة حيث جذبت فعلا عددا كبيرا من جنود جيش شيآنغ يو الى الطريق القديم، وبعد ذلك أمر ليو بانغ جنوده بشن هجوم قوي على قاعدته واحتلوها. فحققوا انتصارا نهائيا. وأصبح ليو بانغ بعد ذلك أمبراطورا وحّد البلاد وأسّس مملكة جديدة تُعرف بمملكة هان.

هناك دليل لاستخدام هذه الخدعة في المعارك الحديثة وهو أن الامبراطور الفرنسي نابليون بونابرت كان في عام 1800 يقود جيشه لعبور ممر سانت بيرنارد الجبلي بجبال الألب في محاولة لشن الهجوم على الجيش النمساوي من خلفه. وقبل العملية نشر نابليون جيشا بالقرب من المنفذ معظم أفراده مسنون وجرحى. ونشر في نفس الوقت خبرا قال أن فريقا جديدا قد تم نشره بالقرب من الممر، كما قام نابليون بزيارة تفقدية لهذا الفريق فعلا. وعندما عرف قائد الجيش المنساوي الخبر شكّ في صحته، واعتقد أنه مجرد خدعة صنعها نابليون الذي سيشن هجوما حقيقيا علي مدينة جنوه جنوبي إيطاليا فلم يقم القائد النمساوي بتعزيز الدفاع والحراسة في الممر الجبلي. ولم يمض وقت طويل حتى حشد نابليون عشرات الآلاف من الجنود الفرنسيين على الحدود الفرنسية الايطالية ثم قادهم لعبور الممر الجبلي، وواصلوا الزحف حتى وصلوا الى خلف قاعدة الجيش النمساوي. وشنوا بعد ذلك هجوما انتصروا فيه على الجيش النمساوي. وقد استخدم نابليون خلال هذه العملية هذه الخدعة بشكل رائع حيث وضع في البداية خطة مزيفة لتشويش تفكير العدو ثم حوّلها الى عملية حقيقية إنطلت على العدو في النهاية.

تستخدم هذه الخدعة أيضا في التجارة. مثلا دائما ما يقدم التجار الهدايا للزبائن بلا مقابل. ذلك لجذبهم الى شراء بضائع أخرى بأسعار عالية. وكان هناك تاجر ياباني يبيع يوميا بعض البضائع بأسعار رخيصة جدا. وفي نظر الزبائن إنه يخسر كثيرا إلا أنه يستخدم هذا الأسلوب لجذب المزيد من الزبائن الى دكانه لشراء المزيد من البضائع وبأسعار عالية نسبيا. فيحقق بذلك أرباحا كثيرة فعلا.


منقول..