فتح جديد في الأبحاث يبين أن الأنف يكتشف الحب
نتائج البحث والتجارب الجديدة تزيد من فهم الأساس البيولوجي للحب والجاذبية





واشنطن،- كانت الأبحاث الأخيرة حول دور حاسة الشم في الحب والجاذبية، بما في ذلك التجاوب الفكري المتماثل بين الأشخاص المتحابين بشدة، والاختلاف الجيني (الوراثي) الذي يقرر ما إذا كان الناس يميزون أن رائحة ما طيبة أو كريهة، والفأرة الأنثى التي تظهر سلوكا جنسيا ذكوريا بسبب شعور شاذ أو رائحة، موضع نقاش متقد في الاجتماع السنوي للعام 2008 لجمعية علم الأعصاب.

إذ يعكف العلماء في جميع أنحاء العالم على العمل لفهم آليات عمل الخلايا في السلوك والتصرفات المعقدة كالتودد (المغازلة) إضافة إلى مجمل الأبحاث الخاصة بكيفية تأثير العواطف على وظيفة العقل. ويدل جزء كبير من العمل على أن حاسة الشم لها دور كبير في التسبب في الانفعالات العاطفية الإيجابية والسلبية.

تقول لزلي غريفيث، المختصة في علم الأعصاب بجامعة برانديز في ولاية مساتشوستس، "إن العقل يعي العالم ويجعل له معنى باستعمال كل المعلومات المتوفرة، بما في ذلك الحواس والتجارب التي تعيها الذاكرة." وتضيف قائلة إن "العقل بتقييمه هذه المعلومات، يتخذ أحكاما قيمية تظهر كانفعالات عاطفية مثل الحب والغضب."

وقد اجتذب الاجتماع السنوي لجمعية علم الأعصاب إلى واشنطن أكثرمن 31,000 شخص من مختلف أنحاء العالم لمناقشة أحدث الكشوفات في الأبحاث الخاصة بالعقل. (طالع مقالة "الولايات المتحدة تستضيف مؤتمراً دولياً لخبراء الأعصاب،" حول الموضوع).

الحب الشامل

يقسم الباحثون الحب إلى مراحل كالشهوة الشديدة والجاذبية التي غالبا ما تكون مشاعر زائلة، والتي يشعر بها الشخص في بداية العلاقة، والتعلق الذي يعزز علاقات المدى الطويل. فكيف يتصرف العقل ويعمل بشكل مختلف في هذه المراحل، وهل يدوم هذا الحب الرومانسي المشبوب؟

"الجواب المختصر هو نعم." هذا ما تقوله هيلين فيشر العالمة في جامعة روتغر بولاية نيوجيرسي التي عرضت نتيجة عملها في اجتماع علم الأعصاب.

واستخدمت فيشر وزملاؤها التصوير العملي بالرنين المغناطيسي (mri) للكشف الدماغي على 10 نساء وسبعة رجال قالوا إنهم ما زالوا يشعرون "بالحب الشديد" تجاه أزواجهم بعد معدل 21 سنة من الزواج. وقد عرضت على المشاركين في التجربة صور زوجاتهم أو أزواجهن وصور غرباء وأصدقاء مقربين وإخوة أو أخوات، فيما سجل العلماء مناطق العقل التي أصبحت ناشطة.

وقالت فيشر إن الأشخاص الذين كانوا يشعرون بالحب الشديد بعد سنوات طويلة من العيش معا أظهروا ردود فعل عقلية تجاه شركائهم كانت مماثلة لتلك التي أبداها أشخاص كانوا في فترة حب تراوحت بين شهر واحد و17 شهراً وقت إجراء الدراسة.

وقد أظهرت النتائج أن الحب على المدى الطويل عند بعض الأشخاص مماثل للحب المشبوب بالعاطفة عند المحبين في المراحل المبكرة.

أما بالنسبة للحيوانات، قالت فيشر إن 3 بالمئة فقط من الأزواج تكوّن روابط على المدى الطويل. وقالت فيشر إن "الرباط بين زوجين علامة مميزة للحيوان البشري. ويحل في الحب على المدى الطويل الهدوء والصفاء محل الاستحواذ والهوس والقلق."

وتبين أن عوامل اجتماعية وثقافية تؤثر في الحب. إلا أن فيشر ترى أن الحب المشبوب قابل للدوام أطول في كثير من المجتمعات. وقد أدت دراسة في الصين في وقت سابق إلى نفس النتائج.

وقالت فيشر "إن الحب ليس من ابتكار التروبادور (الشعراء الغنائيين)."

وسيخصص العمل في المستقبل لدراسة ما إذا كانت مناطق مختلفة في عقل الذكر والأنثى تنشط أثناء الحب.

رائحة الجنس

الفيرمونات مواد كيميائية يفرزها جسم الحيوان ويميزها كائن حيواني آخر وتؤثر على سلوكه عن طريق حاسة الشم في أغلب الأحيان.

أما بالنسبة للإنسان، فالأدلة على نشاط الفيرمونات في جسم الإنسان متفرقة ومختلفة.

وفي حالة الأندروستينون، وهي فيرمونات تستخدم للتزاوج والتلاقح بين الخنازير، فهي موجودة أيضا في لعاب الإنسان وعرقه وبوله. ويصف بعض الأشخاص رائحة مادة الأندروستينون بأنها حلوة بينما يجدها البعض مثيرة للغثيان.

واكتشف العالم الياباني هيرواكي ماتسونامي وزملاؤه في جامعة ديوك بولاية نورث كارولينا اختلافا جينيا وراثيا يسبب هذا التناقض الحاد في الرائحة.

فقد اكتشف ماتسونامي مادة بروتينية في الأنف، وسمي هذا البروتين or7d4، ويؤدي الأندروستينون إلى تنشيط هذا البروتين وتفاعله بشكل اختياري. وهناك نوع معين من بروتين or7d4 هو نوع rt يتصرف بشكل عادي. ثمة نوع ثان هو wm لا يلتصق أو يتماسك مع الأندروستينون جيدا. وفي كل شخص نسختان من بروتين or7d4 الجيني الوراثي. وقد وجد الأشخاص الذين يملكون نوعين من rt الرائحة مزعجة وشبهوها برائحة البول. أما الأشخاص الذين يملكون نوعين من wm أو نوعا واحدا منwm ونوعا واحدا من rt فقد وجدوا الرائحة تشبه رائحة الفانيلا (ذات النكهة العطرة).

وهذه الصلة بين التنوعات الجينية الوراثية المتغيرة والإدراك الحسي للرائحة، ستمكّن العلماء من التوصل إلى فهم أفضل للكيفية التي تنشط بها والوظيفة التي تؤديها الفيرمونات في الإنسان.

وقد أظهر العمل الذي قامت به العالمة الفرنسية كاثرين دولاك والعالمة الإسرائيلية تالي كيمشي في جامعة هارفرد واستخدمتا فيه الفئران لتجاربهما، أن استشعار (الإدراك الحسي بالشم) للفيرمونات أساسي بالنسبة للسلوك الجنسي العادي الطبيعي.

فالفئران تملك حاسة شم قوية أقوى بكثير منها عند الإنسان، ويعود السبب في جزء منه إلى وجود منطقة ثانية لحاسة الشم عند الفئران مخصصة للتعرف على الفيرمونات والاستجابة لها. وهذه المنطقة مختلفة بشكل متميز من ناحية تشريحية عن منطقة حاسة الشم الرئيسية.

وقد استخدمت العالمتان دولاك وكيمشي خدعا جينية وراثية للتعديل الجيني في الفئران بحيث سدتا المنطقة الثانية الحساسة للفيرمون. وقالت دولاك إن إغلاق تلك المنطقة لدى الفئران الإناث أدى إلى ظهور سلوك جنسي ذكوري من الإناث تجاه الذكور والإناث على السواء، ولا يختلف أو يتميز ذلك السلوك في الشكل والمدّة الزمنية عن السلوك العادي عند الذكور.

ومن الناحية الأخرى، فإن الذكور الذين تعرضوا لعملية تعديل وسد تلك المنطقة، أظهروا سلوكا يشبه سلوك الإناث العادي في احتضان وتغذية الفئران حديثي الولادة، علما بأن الفئران الذكور الذين ليست لهم خبرة جنسية يقتلون الفئران حديثي الولادة. غير أن الفئران الذكور الذين جرى تحويلهم بنوا عشا للفئران الصغار ونقلوهم إلي داخله.

ويركز كثير من العلماء اهتمامهم بفهم كيفية تأثير الستيرويدات (مركبات عضوية يفرزها الجسم) الجنسية كمادة الإستروجين (عند الأنثى) ومادة التستوستيرون (هرمون ذكوري تفرزه الخصية) في السلوك الجنسي. وتوحي آخر النتائج التي توصلت إليها دولاك وكيمشي بأن جهاز حاسة الشم يلعب دورا أكبر في السلوك الجنسي مما كان معتقدا في السابق. وتقول دولاك "إن الستيرويدات مجرد جزء من المفتاح" الذي يتحكم في السلوك الجنسي.

من دانييل غورليك، المراسل الخاص لموقع أميركا دوت غوف

02 كانون الأول/ديسمبر 2008