لماذا يموت الرجال قبل نساءهم







محمد حامد – إيلاف :







الرجولة لا تعني الإصرار على تحمل الألم وعدم الإعتراف بالمرض، فقد كشفت أبحاث علمية عن أن فئة معينة من البشر أصيبوا بأمراض خطيرة معروفة وماتوا في سن مبكرة بالقياس للفئة الأخرى، ومع ذلك لم نحرك ساكنًا لمواجهة تلك الحقيقة المفزعة، فلم يتجاوز رد الفعل الصمت المطبق والحيرة تجاه تلك الظاهرة، بهذه الكلمات افتتح الدكتور ميشيل موراي مقاله العلمي الذي يرصد ظاهرة الموت المبكر للرجال بالمقارنة بالنساء، فالسؤال أصبح يتردد منذ سنوات على المستويات الطبية والإجتماعية، لماذا يموت الرجال مبكرًا عن النساء؟ وهو السؤال الذي يتصدى للاجابة عليه بشكل علمي الباحث الأميركي في مقال له نشرته مجلة “توتال هيلث – Total Health Magazine”



يقول “موراي” … وفيات الرجال فاقت وفيات النساء في الولايات المتحدة الأميركية وفي دول العالم بشكل ملحوظ، فيما عدا المصابون بالجلطة أو أمراض الكلى، حيث الجنسين يتساويان في نسبة الوفيات الناتجة عن هذين المرضين. هذا ناهيك عن الزهايمر الذي يصيب النساء أكثر من الرجال في الغالب لأنهن يعشن عمرا أطول. ويموت الرجال الآن بمتوسط 5.4 من السنوات مبكرا عن النساء. وفي عام 1920، عندما بدأ تسجيل حالات الوفيات لأول مرة، كان الفارق بين الجنسين عامين فقط. إن الفارق الكبير بين الجنسين في سن الوفاة ربما يرجع إلى الاختلافات البيولوجية. ولكن معظم تلك الهوة، كما يقول معظم الخبراء، يعود إلى عدم الانتباه إلى تلك المشكلة سواء من المجتمع أو من الرجال أنفسهم.



الهوة المتزايدة

إن كلا من الرجال والنساء يعيشون الآن عمرا أطول مما كانوا يعيشون في السنوات الأولى من القرن العشرين. ولكن النساء يعشن عمرا أطول من الرجال بشكل أصبح ملحوظًا ، و يزداد الفارق بينهما في سن الوفاة من عامين في عام 1920 إلى 5.4 سنة في الوقت الحالي، وهذا يرجع بصفة أساسية إلى أن الرجال لا يهتمون بإتباع خطوات الحماية الصحية الضرورية. فإذا اتخذ الرجال والنساء تلك الخطوات بالتساوي، فمن المحتمل أن تختفي تلك الهوة، ومن المتوقع أن يعيش كلا الجنسين حتى سن 100 عام.



فعلى الرغم من أن الجهات الطبية والحكومة الفيدرالية قد أولت عناية خاصة بصحة النساء خلال العقدين الماضيين (وهو ما يحدث في مختلف دول العالم، حيث يبرز الإهتمام بصحة النساء بشكل أكبر وهي ظاهرة تحتاج إلى تفسير مقنع)، وفي الوقت ذاته فإن العناية بصحة الرجال لم تلق نفس الإهتمام، مع وجود هوة واضحة في استيعاب القضايا الصحية الذكورية الرئيسية. فعلى سبيل المثال، بينما تتساوى عدد حالات الإصابة بسرطان البروستاتا بين الرجال مع عدد حالات الإصابة بسرطان الثدي لدى النساء، فإن الحكومة الأميركية تنفق الضعف مرتين على أبحاث سرطان الثدي لدى النساء. ولا يوجد هناك مكتب حكومي يهتم بصحة الرجال يماثل المكتب المختص بالحفاظ على صحة النساء، ولا يوجد هناك تخصص طبي خاص بالرجال كما يوجد تخصص طبي خاص بالنساء وأمراضهن. ( فمتخصص أمراض النساء هو في العادة طبيب متخصص ، ولكن الطبيب المتخصص في المسالك البولية – وهو أقرب تخصص للرجال – ليس مختصا فقط بأمراض مسالك الرجال.)



فالنساء يتلقين رعاية طبية دائمة أكثر من الرجال، وقد يرجع هذا إلى أن قضايا طبية معينة تجعل النساء في مركز نظام الرعاية الصحية. كما أن النساء يبادرن بالذهاب إلى الطبيب بصفة دورية من أجل التعامل مع أمور صحية مثل تتظيم النسل، والحمل وإجراء فحوصات الثدي. أما بالنسبة للرجال فالذهاب إلى عيادة الطبيب لا ينظر إليه على أنه شيء ضروري. فالكثير من المرضى الرجال هم مرضى مزعجون، حيث أنهم لا يفكرون في صحتهم. فقد وجد مسح قومي حديث أن الرجال يهتمون بالصحة أقل كثيرًا مما تهتم النساء.



لماذا لا يهتم الرجل بصحته مثل المرأة؟

وطرح الدكتور “موراي” سؤال مباشر بقوله “لماذا لا يهتم الرجل بصحته مثلما تهتم المرأة بكل ما يخص حالتها الصحية؟” ويجيب قائلا بأن الرجال في سن العشرين يكونون أكثر رغبة في الذهاب إلى الطبيب. ولكن في سن الثلاثين يصبحون أكثر انشغالا، وعندما يبلغون سن الأربعين فإنهم يكونون أكثر خوفا من الأطباء. وعندما يذهب الرجال إلى الأطباء فإنهم سريعا ما يتركون الالتزام بخطة العلاج ويتركون تعاطي الدواء أسرع من النساء. فقليلا ما يلتزم الرجال بالنصائح الصحية اللازمة. كما أن الرجال يشربون الكحوليات ويدخنون أكثر من النساء، ولا يلبسون أحزمة الأمان ولا يقللون من تعرضهم لأشعة الشمس.



وبينما أصبحنا نطالب الجهات المختصة والمؤسسات المختلفة بالتركيز على صحة الرجال، فهناك خطوات ينبغي على الرجال أن يقوموا بها أيضا. ويصنف البحث في جدول الفحوصات والتعليمات التي من الممكن أن تقلل من خطورة الوفاة على الرجال. ( وجميع تلك الخطوات تقريبا من الممكن أن تحمي النساء أيضا). والإستراتيجيات الموضحة فيما يلي ربما تساعد بعض الرجال على التغلب على العقبات التي يصنعها المجتمع أو تجاه الرجال أنفسهم في طريق الرعاية الصحية.



جدية الرجل تجعله أكثر عرضة للمرض .!

يقول “موراي” إن صور الأبطال الرجال في الأفلام السينمائية تمثل مشكلة. فعلى شاشة السينما، لا يمكن قهر أولئك الرجال حيث أنهم يقهروا الكثير من المشكلات الخطيرة دون أن يصابوا بأذى. ولكن في الحياة الواقعية، نجد أن الرجال يصابون بأمراض مثل سرطان الرئة، والمعدة وأمراض القلب وهي تلك الأمراض التي قد تنتج عن التدخين. فمبدع شخصية جيمس بوند توفي من مضاعفات ناتجة عن نزلة برد في صدره، بعد أن أهمل تعليمات طبيبه بضرورة الراحة. ويميل الرجال عادة إلى النظر إلى أنفسهم على أنهم أقوياء ومحصنين ضد الألم. ولكن هذه النظرة تزيد من الخطورة، حيث أن الرجل في حاجة إلى أن يعترف أولا بأنه يوجد لديه نقاط ضعف قبل أن يسعى للوقاية من المرض. وهذا يعد صعبا على أي شخص، وبخاصة على الرجال، الذين تربوا على أنه يجب مقاومة فكرة الضعف.



وقد يؤدي اتجاه الرجال إلى التحمل دون إظهار الألم إلى إلحاق الضرر بأنفسهم بتضخيم أضرار الشد والتوتر. حيث وجدت دراسة حديثة أن الرجال أكثر عرضة من النساء لخطورة المرض بعد المرور بأحداث توتر مثل العنف أو الطلاق أو حدوث وفاة في محيط العائلة أو الإفلاس. وأحد الأسباب التي تجعل الرجال أكثر عرضة لخطورة المرض في مثل تلك الحالات هو أنهم لا يتحدثون عما يصيبهم من فواجع أو أحداث مؤلمة.



كيف تتحكم في صحتك بشكل أفضل ؟

إضافة إلى تشجيع الرجال على إظهار ضعفهم، فهناك اتجاهات أخرى تطلب منهم أن يكونوا أكثر تحكما في صحتهم كما يلي:

•تعزيز الأداء. فمن أجل العمل بفاعلية، يجب عليك أن تلعب دورك جيدا، وتحافظ على ممارسة حياة جنسية سليمة، فالرجل ( أو المرأة) في حاجة إلى جسم يعمل بكفاءة.



•صيانة الجسد. إن العقلاء من الناس لا يتركون سياراتهم تسير دون أن يقوموا بتغيير الزيت لها بانتظام أو التأكد من سلامتها شكل عام وخاصة عوامل الأمان. وهكذا يحتاج الجسد أيضا إلى صيانة دورية. ويجب التعامل مع المشكلات الصغيرة قبل أن تصبح خطيرة.



•كن خبيرا بجسدك. يجب أن تتعلم كيف يعمل جسدك، وبخاصة القلب والدورة الدموية، والجهاز البولي والجهاز التناسلي والجهاز الهضمي. حيث أن هذا يعزز من قدرتك على التحكم في الأمر عند التحدث إلى طبيبك. فالمعرفة والثقة يشجعان المرضى على تحقيق الرعاية الصحية لأنفسهم. ويظهر البحث العلمي أن أولئك الذين يعرفون جيدا ما يخص صحتهم ورعايتها يحققون في الغالب نتائج جيدة أكثر من أولئك المرضى الذين لا يعلمون شيئا عن أنفسهم وعن صحتهم.



•تول المسؤولية. يمكن لبعض الرجال أن يقوموا بتولي إدارة شؤونهم الخاصة بدلا من ترك زوجاتهم يحددن مواعيدهم، من خلال المشاركة على الأقل في صنع القرار. ولكن إذا ترك الرجل الأمر لزوجته كي تعد الترتيبات الخاصة بعمله، فهذا قد لا يؤدي به إلى النجاح غالبًا .



•كن قدوة في أداء دورك. فيجب عليك أن تذهب إلى الطبيب بشكل دوري من أجل إجراء فحص حتى تشجع أبناءك على عمل ذلك أيضا.



•اتخذ لك مدربا رياضيا أو اشترك في أحد الأندية أو الجيمانزيوم. فالتدريب الرياضي يساعد كثيرًا ويدفعك إلى تحسين صحتك.







نصائح ذهبية للرجال للحفاظ على صحتهم

لقد أجري بحث في مارس 2000، تحت رعاية رابطة الكومنولث، شارك فيه 1500 رجل و 2850 سيدة، وكشف عن أن الرجال لا يهتمون بنظام الرعاية الصحية مثلما تهتم النساء به. وها هي بعض النصائح التي قد تساعدك على سد معظم أوجه النقص:



•ابحث عن طبيب يمكنك التحدث معه بسهولة… فحوالي ثلث الرجال ليس لهم طبيب يذهبون إليه بانتظام مثلما تفعل الغالبية من النساء. وعندما تبحث عن طبيب جديد، اسأل نفسك إذا كان سهل التحدث معه بسهولة من أول زيارة له، و إلا فابحث لك عن طبيب آخر.

•لا تكن خجولا… إن النساء أكثر صراحة من الرجال مع أطبائهن، بخاصة فيما يتعلق بالمتاعب البولية والجنسية والعاطفية. إن إخفاء المشكلات العاطفية من الممكن أن يكون ذا خطورة شديدة على الرجال، فبينما تعاني النساء من الإكتئاب قليلا، فإن الرجال يعانين منه أكثر من النساء أربع مرات والذي قد يؤدي بهم إلى الانتحار. ومن أجل تحسين قدرتك على التواصل والتعبير، فيجب أن تتدرب على ما تريد قوله أولا، أو قم بكتابة قائمة بالمشكلات التي تعاني منها وسلمها للطبيب. كما يمكن للرجال أيضا أن يطلبوا من شخص ما أن يصاحبهم إلى الطبيب من أجل مساعدتهم على التعبير بشكل جيد عما يهتمون به وعن مشكلاتهم الصحية.

•قم بعمل فحص طبي بشكل دوري… إن الرجال أقل من النساء في إجراء الفحوصات الطبية الدورية. ولكن مثل تلك الفحوصات تعد هامة على الأقل للرجال في منتصف العمر، وهو السن الذي تبدأ فيه الأمراض المزمنة في الظهور عادة وتكون قابلة للعلاج.

•تعرف على العلامات التحذيرية… عادة يتجاهل الرجال العلامات التحذيرية للمرض والتي تظهر لديهم، كما أنهم يؤجلون الذهاب إلى الطبيب حتى تتفاقم المشكلة. إن أول خطوة للتغلب على هذا الاتجاه هو التعرف على العلامات المبكرة للحالات المرضية الخطيرة الشائعة وذلك بالرجوع إلى المصادر الدالة على ذلك.



الخلاصة

يموت الرجال عادة قبل النساء في سن مبكرة وذلك بسبب عدم فهم الرجال للقضايا الصحية الخاصة بهم، ولكن السبب الأساسي في ذلك هو عدم تلقي الرجال للرعاية الصحية اللازمة التي يجب أن تقدم لهم. ومن أجل إيجاد الدافعية لدى الرجال للحصول على تلك الرعاية، فإن الرجال في حاجة إلى التخلي عن فلسفة تحمل الألم دون شكوى والتخلي عن فكرة عدم التعرض للإصابة. كما يمكن أن يساعدهم إذا نظروا إلى الصحة من خلال التعليمات السابق ذكرها وهي: تعزيز الأداء، والقيام بعمل صيانة دورية لأجسامهم، وقيام الرجال بدور فيما يتعلق بصحته بشكل نموذجي للآخرين، واعتبار الأطباء مدربين رياضيين. حيث أن ذلك قد يساعد الرجال على اتخاذ خطوات ضرورية مثل: البحث عن طبيب يسهل التحدث معه، زيارة الطبيب بانتظام، وإتباع نصيحة الطبيب التي تقدم لهم.






ايلاف