لا بد وأن تنظر إلى موضع قدميك، أين تقف الآن؟


ربما تكون مُوحلاً في الطين وأنت لا تدري، ولا تدري أنك لا تدري!.


في كثير من الأوقات نغرق في بحرٍ من الأعمال التي ربما نعتقد أنها لن تنتهي أبداً، ونأخذ في الجري خلفها على أمل إنجازها، لكننا في الحقيقة لا نستطيع فعل ذلك!.


نحن عاجزون عن فعل كلِّ شيء وأيِّ شيء، الوقت ليس كما نظنه طويلاً مُملاً لا يريد أن يتزحزح، فالموظف في شركته يبدأ الغليان بداخله في أول أيام الأسبوع على أمل أن يأتي آخره، يرى أنّ وقت الراحة قد حان وهو لم يبدأ بعد!.


هذا الشعور لا نراه بالعين المجردة لكنه في أعماقنا يتعاظم كلما مرت بنا الأيام، من خلال ممارساتنا التي تظهر في إضاعتنا للوقت ولامبالاتنا تجاه المسئوليات المناطة على عاتقنا، فنحن في الحقيقة لا نرغب في أن نقوم بأعمال لا نحبها، ولا نريد أن نتركها في ذات الوقت حتى لا نفقد الإمتيازات المالية التي نحصل عليها من خلاله!.


ربُّ الأسرة لا يُكلف نفسه احتضان أطفاله الصغار أو حتى تقبيلهم ليُظهر لهم حبّه، يكتفي فقط بأن يُصدر أوامره الصارمة للتنفيذ، ولا مجال للمساومة، فإذا عُصي أمره واستفحل الخطر لجأ إلى تدمير ما تبقى من أركان الأسرة إشباعاً لغريزة الكبر في داخله!.


الطالب لا يشعر بأنه سيؤدي في يومٍ من الأيام أيّ دورٍ هام في حياته، فهو يحرص على أن يتفنن في إضاعة وقته والإستفادة من مرحلة الشباب وعنفوانها لصالح الأشياء التي يُريدها هو، سواء كانت مفيدة أو غير ذلك، الوقت والصحة في مهب الريح، لا رقيب ولا مسئولية!.


هناك فوضى عارمة تعمّ مُعظمنا، ولا أقول بأنّ الجميع واقع فيها، لكننا في مشكلة كبيرة، فالمجتمع تتفسخ أركانه، وتضمحل القيم فيه، ويضيع الحق في غمرة كثرة الغثاء والطين!.


فلماذا هذه الفوضى؟


لماذا لا يجد الموظف متعته في عمله، وإتقانه له؟ وإذا كان غير راغبٍ فيه، فلماذا يخدع نفسه والآخرين؟


وهذا الأب الكريم، لماذا تأخذه العصبية الجاهلية ويُصرُّ على أن يُطاع على كلِّ الأحوال خيرها وشرها؟


وهذا الطالب المسكين، الذي لم يلقى رعاية منذ الصغر حتى أصبح عالة على المجتمع، هو يُبشر بالحصاد المرّ القادم بسوء تربيته ورعايته من أبوين ربما لم يُبالوا بما يفعله إبنهم الصغير أو من يُصاحب، ولم يقوموا بتقديم التوجيه اللازم بالحب والحرص عليه، فيغدو يأكل في الشارع كما يلعب مع رفقاء السوء، ويتعلم كلُّ ما كان الوالدين يحذرونه، وتعمُّ الطامة الكبرى!.


ربما يُدرك معظمنا الأفعال السيئة، يُدرك بأن السيجارة التي يلفُّ بها شفتيه، ستحصد له أمراضاً مزمنة، كما أنه سيكون مُعلماً سيئاً لأبنائه، سيُعلمهم أقبح العادات وهم سيُقلدونه مع الوقت، شاء أم أبى، ويقول لك بلغة فصيحة : “نعم، إنها مُضرة وستجلب لي الويلات، لكنني لا أُطيق لها فراقاً!”.


يمكننا أن نُسمي ذلك بالإدراك السيء، هو يعلم حقيقة ما يفعله، ولا يرتدع تحت أيِّ ضغط من الضغوط، حتى أنّ أحد الذين لا ينقصه المال، وتأتيه الأعمال من كلِّ حدبٍ وصوب – وكلها نعمٌ من الله الكريم يتفضل بها على من يشاء من عباده – يقع ضحية ما جنت يداه على سرير في مستشفى مُصاباً بذبحة صدرية، فيندم أشدّ الندم، فهو يُدخن أربعة باكيتات في اليوم، ويعمل إلى ما يصل الأربعة عشرة ساعة، وبعد كلِّ ذلك يتخيّل أنه سيُعمّر طويلاً!.


علينا أن نتخلى عن كلِّ ما يمكنه أن يُسبّب لنا الإيذاء، كما علينا أن نقوم بالمسئوليات الملقاة على عاتقنا، فنحن جزء من هذا المجتمع، فلا يجب أن نكون أداة هدم وتنكيل وتشريد وضياع لكلِّ القيم الراقية التي علينا أن نحرسها ونُحافظ بها على حياتنا.


إدراكنا لكلِّ ما نفعله، وتحمّل تبعات مسئولية قراراتنا وأسلوب الحياة الذي ننتهجه، سينعكس علينا سلباً او إيجاباً، ما نفعله سيعود علينا من نفس النوع، إذا غرست نبتة وقمت برعايتها باستمرار فستحصد مع الوقت ثمرة طيبة، وظلاً تستظلُّ به، ستنعم بحياة رغيدة وهانئة، لكنك في المقابل لو أهملتها فلن يكون أحد مسئول عن الفوضى التي ستلحق بك غيرك أنت وحدك.


تمنياتي لك بحياة سعيدة وعالم يشّعُ بالجمال.