نبذل قصارى جهدنا كي نبقى إيجابيين . لكن من حين إلى اخر قد ننزلق في أنماط التفكير السلبي الذي من الممكن أن يدمرنا و أحلامنا . قد نقلق بشأن أخطاء إرتكبناها في الماضي أو نقلق لضغوطات سواء في الدراسة أو في البيت أو في العمل دون أن نعي أن مثل هذه الأفكار يمكن أن ينتج عنها نتائج سلبية على مستقبلنا .

قد تستحوذنا تجارب عادية ممرنا بها نشغل وقتنا كله في تحليلها بجوار كم من التفاعلات التي جاورتها في كل لحظة و نحن نحاول ربطها بتلك الاشياء السيئة الأخرى التي حدثت في حياتنا , إذ ندخل في دوامة البؤس و القلق المفرط .


غالبا ما ينتابنا التوتر في مثل هذه المناسبات نفكر في أن وجود مثل هذه الصعوبات هو شيء سيء و من الصعب الخروج منه , خاصة عندما نتوجس حول أشياء تكون من أصلها خاطئة .


هذا ما يسميه علماء النفس ” روميناطور ” أو الإفراط في التفكير و هذه الطريقة في التفكير يمكن أن تكون مضرة للصحة . إذ وجد علماء النفس أن الافراط في التفكير يمكن أن يأثر على الأداء البشري بشكل سلبي كما أنه يؤدي إلى القلق و الاكتئاب , خاصة عند النساء اللواتي يكن أكثر عرضة من الرجال في مواجهة التوتر و خيبات الأمل .


لدي الكثير من التعاطف مع الناس الذي ينتهي بهم الأمر في هذه الأنماط التفكيرية السلبية . في الحقيقة , كثرة التفكير هو شيء جميل , و ذكي خصوصا حين يكون الأمر متعلق برعاية الناس الذين يقدرون العلاقات و يهتمون إهتماما عميقا بشعبهم أو تخصص ما . لكن للأسف غالبا جدا هذا ما يدفع الناس إلى القلق و إلى طلب المساعة و الدعم و الطمأنينة . إن مثل هذه الأوضاع ليست نتاج نشاط أو تحول في الدماغ كما يعتقد البعض بل هو نمط يتطلب التفاني و العمل للتعافي منه . و بناء على أبحاث في علم النفس و استنادا على تجربتي الشخصية , هناك 8 نصائح لكيفية الحد من الافراط في التفكير و البحث عن السلام في الوقت الحاضر :
-
تقبل أن الإفراط في التفكير صار مشكلة :


الخطوة الأولى إلى الشفاء هو الإعتراف بالمشكل .


بينما إذا كنت تشعر و كأن هناك أفكار غزيرة لا يمكنك إخراجها من رأسك , فاعلم أن لديك مشكلة .


إذا كنت تعاني من فرط في التفكير الذي يمنعك من العيش حياة سعيدة هنيئة , من إتخاد القرارات و من تشكيل علاقات مع الناس , فاعلم أن لديك مشكلة .


إذا كنت تجد نفسك في دوامة من السلبية و الإكتئاب فاعلم أن لديك مشكلة .


إذا كان قلقك على مستقبلك يمنعك من التمتع بالحاضر , فاعلم أن لديك مشكلة .


على كل حال , إذا كان الوضع يسير إلى ما هو أسوأ فالحل ليس دفن الرأس في الرمال كالنعامة و تجاهل الوضع . إن لم تكن متأكدا مما إذا كانت لديك مشكلة أم لا , إسأل أصدقاءك و أحباءك بكل صدق و اطلب إجابة صادقة منهم لأنهم عادة يلحظون و يرونك أكثر مما تلحظ أنت نفسك .


إغفر لنفسك.


هناك من يحتاج التحفيز على التفكير لأن التفكير يوفر لهم مساحة لتأمل من يحولون بهم ليشعروا بلذة الحياة . هذا النوع من التفكير يعتبر ظاهرة صحية مادام الشخص يسوده جو مليء بالتفاؤل و الإيجابية إذ بمجرد المبالغة في التفكير : التفكير في اليوم بصباحه و مسائه , التفكير بالأمس , بالسنة الفائتة , بالغذ و بالمستقبل …

يصبح الإنسان في هذه الحالة مفعما بنوع من التشاؤم مما يفقد العقل قدرته على ممارسة ما تعود عليه بشكل سليم , فيسير به في طريق يعمه الفشل بدل الإبداع و النظرة المتفائلة عن الحياة و العمل و .. و ..و ..


وفقا لعالمة النفس سوزان نولين و هي خبيرة بارزة في هذا المجال , تقول : ” تنظيم أدمغتنا تحد من إمكانية الإفراط في التفكير ” .


لأفكارنا و الذكريات جوهرها الخاص , إذ عندما يتم تشغيل الضغوطات يتغير المزاج من مزاج جيد إلى سيء فيبدأ شلال الإفكار السلبية التي قد لا يكون لها علاقة بالموضوع الذي نفكر به بالصب .


تعطي سوزان نولين مثالا ” عندما تمر بضغط ما في عملك فإنك تتذكر حتى عمتك التي توفيت العام الماضي ” .


و علاوة على ذلك , فبجرد الإعتراف بالمشكل و الغفران للنفس يمكن لأي أحد أن يتمكن من بدء حل المشكل .



تنفس أكثر.


إن دماغ الإنسان كشبكة عنكبوتية فحدوث شيء سيء واحد يمكن أن يؤدي إلى تحرير موجات عارمة من الأفكار السلبية . إذن كيف يمكننا كسر هذا النمط ؟


أول و أسهل شيء يمكنك القيام به هو التنفس . فالتنفس يساهم في إسرخائك و تهدئتك . قد يبدو الأمر بسيطا للغاية و هو كذلك فعندما تذهب بنا أفكارنا إلى أماكن سيئة بعقلنا , نصبح مهووسين و محملين بشحنات سلبية . و لا يبقى كحل سوى تحقيق راحة هامة للجسم و العقل و ذاك بالإسترخاء .


قلل من الكلام .


عندما تعاني من الإفراط في التفكير فكثرة الكلام لن يساعدك في شيء غير أنه يفتح في طريقك فرصة الإستفسار و التحليل عن مواضيع أكثر , مما يزيدك قلقا و توترا .


حين نتكلم عن همومنا لأحد يمكن أن يساعدنا هذا في تجاوزها أو التخفيف عنا , لكن ليس دائما ففي الحالة التي يكون فيها الشخص شديد التفكير بفكرة ما فإن كثرة الكلام فيها يزيده سوء و تدهورا . مما قد يسبب له ضيقا و نوبة من السلبية بعد المحادثة .


التعاون على حل مثل هذه المشاكل بكثرة الحديث مع شخص اخر هو شيء ليس بالمفيد . فقد أجريت بحوث كشفت على أن تجمع شخصين لحل مثل هذه الأمور يزيد الطين بلة و يعمق السلبية و الإجهاد في كل واحد منهما إذ يزيد من إفراز هرمون التوثر الكروتيزول.


إذا كنت تشعر حقا بالحاجة إلى التعبير عن القضايا و المشاكل الخاصة بك يمكنك العمل على ذلك بإخراجها من عقلك , و إدراك أن مخاوفك قد تبدو سخيفة جدا بمجرد خروجك منها .
إعتني ببدنك و ابحث عن عمل تقوم به.


ماذا يجب أن تفعل بدلا من الحديث ؟ حسنا , أنت تعرف الان على أن التنفس الجيد و الصحيح يهدئ الجسم و العقل , لكن أحيانا تحتاج شيء اخر يسمح لك بتحرير طاقتك الخارحية و ذلك بخدمة بدنك كالذهاب في نزهة سريعة أو اللعب مع الحيوانات الأليفة أو الأطفال , القيام باليوغا , ممارسة الرياضية , السباحة أو الجري .

الأنشطة التي هي على حد السواء عقليا و جسديا أي تخدم الجسد و العقل في ان واحد هي الأفضل لأنها تمتص ما يكفي من السلبية و تضعك في حالة تدفق إيجابي .

بالإضافة إلى التدريبات البدنية , يمكن لأنشطة أخرى منها تلك التي تحفز الدماغ أن تكون فعالة لإعادة توجيه أنماط التفكير المفرط مثلا يمكنك لعب الورق , تعلم لغة ما , المشاركة في لعب أنواع مختلفة من الألعاب التي يمكنها أن تخرجك من هوس هذه الأفكار .

أو أيضا تعلم هواية جديدة , فن جديد , صناعة محلية : ملابس , الشعر .. أي شيء فهذا يساعد أيضا على إكتشاف المواهب الخفية التي لم تكن لتعرف أنك محترف فيها و متحمس لها لولا تجريبها , الشيء الذي قد يمهد لبدء مهمة جديدة أو التعرف على أشخاص جدد .


شغل ذهنك .


القدرة على عيش كل لحظة في وقتها .


القدرة على العيش في اللحظة الحاضرة دون تذكر أي من إخفاقات الماضي و لا المخاوف التي تداهمنا بشأن المستقبل .


أغلب الناس لا يقدمون للحظة التي يعيشونها لا رعاية و لا حب و لا حتى اهتمام تستحقه .. بل إنهم لا يقدرونها بالبتة .


قال لاو تزور : ” ستكون مكتئبا و أنت تعيش في الماضي و أيضا إذا كنت حريص على العيش في المستقبل .. لكنك ستكون في سلام و انت تعيش في الوقت الحاضر ” .


فكيف يمكننا أن نعيش في سلام في الوقت الحالي ؟


حسنا , نحن , و قد سبق لنا أن تحدثنا عما يمكن أن يساعد على تهدئة العقل و النفس بما في ذلك التنفس , تكلم أقل , القيام بأنشطة مغايرة تساعد على توجيه الانتباه إلى التدفق , و هناك كإضافة تشغيل الذهن و تنشيطه أو التحري الذي يعتبر أيضا من بين أفضل الأشياء التي يمكن القيام بها .

فهو كشكل من أشكال التأمل يساهم بشدة في التركيز على الحاضر ونفس الشيء ”

للتأمل التجاوزي الذي يسمح للعقل أن يستقر في الداخل متجاوزا التفكير ليختبر منبع الفكر

– الادراك الصافي و يعرف أيضا بالوعي التجاوزي ; هذا على المستوى الأكثر سكونا و الأكثر سلاما للوعي يعني الذات الأعمق في داخلنا في هذه الحالة من اليقظة المريحة يعمل الدماغ بتماسك أكبر و بشكل ملحوظ كما يكسب الجسم راحة عميقة . ” *


استسلم لهذا الكون .


و نحن قلقين , نتمنى أساسا أن نستطيع السيطرة على ما يتعلق بنتائج موقف ما . نريد أن يحدث شيء ما في طريقنا و نحن مرعوبين ; هل الأمور ستسوء أكثر , أم أنه لا يمكن أن يحصل شيء أسوء من كل ما نحن عليه ؟


في الواقع , مجرد القلق أو التوتر الذي يواجهنا و نحن نحاول حل مل يعيقنا يؤثر بشكل مباشر على النتيجة التي نتمنى أن نحققها . لذلك يبقى الخيار لنا إما أن نقلق و نستحوذ على الوضع و إما أن ننتظر النتائج و نتقبل الوضع . فالكون أكثر حكمة منا , و بدلا من القلق الشديد يمكننا أن نحب , نثق , نستسلم لهذا الكون فهو سيطاوعنا , إذن لن يكون إلا ما نريد أن يكون .


الإستسلام لا يعني التخلي . بل يعني فقط تجميع القوة للإستعداد لمواجهة التيار بدلا من محاولة السباحة ضده و التعرض للطمات مرارا و تكرارا دون جدوى. الأستسلام هو شكل من أشكال الإفراج و السلام لأن كون المرء مستعد للمواجهة يعني أنه على ثقة أن كل شيء سيكون على ما يرام , و أن كل شيء يحدث في وقته المناسب و المكان المناسب و بالضبط حيث من المفترض له أن يحدث . حتى أن مفهوم القلق حول النتائج هل هي ” جيدة ” أم ” سيئة ” معنية بهذا المنظور .


لذا يجب أن نعلم أن ” الجيدة ” و السيئة ” يمثلان ” الكل واحد ” أي هما وجهان لعملة واحدة , فنحن على كل حال ليس لدينا السيطرة الكاملة على سير الأحداث في حياتنا .

تذكر أن واقعك يكون بناء على أفكارك .


رغم أنني قلت أن ” ليس لدينا السيطرة الكاملة على سير الأحداث في حياتنا ” .


و هذا على الأقل صحيح بالنسبة لجزء العقل الواعي الذي يملي علينا الأحداث و كذا الأفكار التي تساهم في خلق واقعنا .. مثل القلق الذي يحاصرنا في بعض الأحيان . فبمجرد استحواذه لنا تعم حولنا أفكار عن القلق ثم يتكهرب الجو و يصبح كأن كل ما يحيط بنا في قلق !




يقول معالج الصوت جيمي : ” مدعاة للقلق هو سوء استخدام الطاقة الإبداعية ” .


إذا كنت من الذين يريدون خلق متعة و حياة سعيدة أو العيش في سلام فما عليك سوى الإنتباه لأفكارك الحاضرة , و تأكد أنك تتوفر على جميع الأدوات التي يمكنك أن تخلق منها حياة خالية من القلق و السلبية فقط ابتعد عن الإفراط في التفكير أو التشبت بالأفكار السلبية . و طبعا يبقى الخيار لك و آمل بمحبة أن تختار بحكمة .!