مقدمة (كالعادة)
منطقة الراحة…هل سمعت عنها؟ اسمها Comfort Zone إذا كانت ثقافتك إنجليزية.. عموما من اللائق ونحن نتحدث عن تطوير الذات اليوم أن نسهب قليلا عن منطقة الراحة.. قليلا قلت!
منطقة الراحة هي المنطقة التي يمكنك، لو تخيلت نفسك سمكة أو بطة، أن تعوم فيها بكل أريحية. إنها الأريكة أمام التلفزيون التي تضطجع عليها وأنت تأكل الفيشار وتجعب لترات المياه الغازية الضارة (والتي أنصحك بالابتعاد عنها فورا) وتتجشأ بلا كلل أو ملل دون أن ينغص عليك أحد هذه الجلسة الأسطورية. دعنا ندخل الآن في علم النفس قليلا.








يقول علماء النفس عن منطقة الراحة أنها تعبر عن حالة سلوكية يمكن للمرء أن يمارس فيها أفعال وأقوال دون توتر أو خجل أو ضيق. وهي المنطقة التي تكون فيها كفاءة الإنسان ومهاراته كافية له وتغنيه عن بذل أي جهد إضافي. وهي المنطقة التي يكون فيها الضغط النفسي أقل مما سواها.


مثلا أنت إنسان ثرثار، لا تكل ولا تمل من الحديث أمام أهلك وأصدقائك وتعتقد أنك تملك مهارة الحديث المستمر، جيدا كان أو سيئا. لكن تخيل يوما ما أن يُطلب منك التحدث إلى جمع غفير من الجمهور أو إلقاء خطبة الجمعة مثلا! أها… هنا، منطقة الخطر.. لأنك ستخرج من منطقة الراحة.. ساعتئذ، ستشعر بالتوتر إذا كان ذلك أول مرة ستخطب فيها أمام جمهور، وسيبدأ عقلك الباطن في خلق حجج واهية لعدم تأدية ذلك العمل، وربما يتجاوز عقلك الباطن ذلك إلى اختلاق حجج جسمانية فتشعر بمغص أو دوار قبيل الخطبة طمعا في أن تعتذر أو يعذرك الذين طلبوا منك القيام بالخطبة.

في هذه الحالة أنت أمام خيارين. الخيار الأول أن تعتذر، والخيار الثاني ما هو؟ طبعا أن لا تعتذر! الأمر ليس معضلة. ماذا سيحدث في الحالتين؟ هذا هو لبّ الموضوع… ركزوا قليلا معي…


الخيار الأول: الاعتذار


يواجه الإنسان شعورا قاسيا من التردد. تزول عنه كل أسباب الراحة وتركبه شياطين القلق والتوتر إلى أن يقذف بتلك الكلمة ويقول “أعتذر” أو “آسف لن أتمكن من إلقاء الكلمة، أنا مريض”. ما أن يأتيه الجواب من الطرف الآخر بأنه لا مشكلة في ذلك حتى يشعر الإنسان بالراحة (وفي رواية أخرى، بالراااااااااااااااااااحة ) وتزول الأعراض المرضية ويبدأ الجسد في التحسن خلال فترة قياسية. لماذا؟ لأنه عاد إلى الحظيرة الرؤوم… عاد إلى الحضن الدافئ… أو كما يقول علماء النفس الصارمون عاد إلى منطقة الراحة! عاد ليسرح ويمرح في منطقته.. شعور بالظفر.. يمكنك أن تتخيل شعور لص حقائب النساء الذي يعتبر المنطقة منطقته ولا يجرؤ أي لص آخر (يحترم نفسه) أن يدخل المنطقة.





سجن منطقة الراحة

وا حسرتاه،،، لكن ذلك يعني أن يظل الإنسان في منطقة الراحة، لا يتقدم قيد أنملة. لا يتطور شروى نقير. ثم يعقب ذلك الشعور بالراحة شعورُ بالندم بعد فترة وجيزة. وتبدأ نفسه عملية الحساب القاسية. لماذا اعتذرت؟ ليتك قبلت، ماذا كان سيحدث لو كذا وكذا؟؟ إلخ…
إن النفس عجيبة… ستستمر في جلدك بسياط الأسئلة اللاهبة… ماذا سيحدث لو قلت نعم وقبلت بترك منطقة الراحة؟ ألم تكن ستطور من نفسك أو تحسن أداءك أو تزيد راتبك أو مرتبك بين الناس؟ إلخ… وهؤلاء هم فريق العجز.. العجز الذي تعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منه إن كنتم تذكرون.

الخيار الثاني: القبول


في البداية يشعر بنفس أعراض الخيار الأول من التردد والإعياء ويفكر عقله ألف مرة ويتراجع ألف مرة. يبدو الأمر كأنه يدفع صخرة إلى الأعلى، حتى إذا ما وصلت الصخرة إلى أعلى المنحدر، شعر براحة ممزوجة بتعب وإرهاق. يتشابه الإنسان في هذا الخيار مع أسطورة سيزيف في الميثولوجيا اليونانية حيث عاقبته آلهة الألب بأن يدفع صخرة إلى قمة الجبل، ما أن يصلها حتى تتدحرج إلى الوادي ثم يعود من جديد وهكذا إلى الأبد في عذاب أبدي كما تقول الأسطورة. لكن الفرق هنا كبير جدا. إذا ضغطت على مشاعرك، واجتزت الحاجز النفسي الكبير وقررت خوض التجربة، لن تتدحرج منك الصخرة بإذن الله. ستنجح في محاولتك، وبعد أن تقف أمام الجمهور وتتحدث ثم تعود إلى البيت ستشعر بفرحة غامرة.. فرحة الظفر.. فرحة النجاح في الخروج من منطقة الراحة.


الهروب من منطقة الراحة


السؤال الذي سيطرحه معظم القراء هو: كيف أترك منطقة الراحة؟ الجواب ليس في كلمة واحدة ولا وصفة دواء.. ليت الأمور النفسية هكذا. لكن هناك بعض الطرق التي تساعدك على ذلك مثل:
ثق في نفسك، وكرر أمام نفسك الأشياء التي يمكن أن تجنيها إذا خرجت من منطقة الراحة
افعل الأشياء التي اعتدت على فعلها كل يوم بطريقة مختلفة. هذا يساعدك على سهولة الخروج من المنطقة
اتخذ قراراتك بحكمة وروية، فالتفكير السليم هو الذي يجعلك لا تندم على القرار بإذن الله
التدرج مطلوب… لا تخرج إلى مناطق بعيدة جدا من المرة الأولى. تذكر أن قليل متصل خير من كثير منفصل.



ضمانة


لا أحد يضمن شيئا في هذه الأيام خصوصا مع الأزمات المالية المتعاقبة، لكن دعني أقول إنك إذا خرجت من منطقة الراحة وكررت ذلك بين الفينة والأخرى ستتغير حياتك إلى الأبد بإذن الله. الخروج من منطقة الراحة هو الذي جعل العظماء عظماء! لأنهم اجتازوا الحواجز النفسية وأحيانا المادية الصعبة فوصلوا إلى الطريق. لو تخيلت سِيَر العظماء واحدا واحدا ستجد أنهم مروا بهذا التحدي الكبير كثيرا حتى أصبح مغادرة منطقة الراحة أمرا يسيرا.


جرب الخروج من منطقة الراحة اليوم أو غدا أو أي يوم وستبدأ حياتك في الغير. وهناك لفتة جميلة في هذا السياق. الخروج المستمر من منطقة الراحة يضمن لك (توسيع) منطقة الراحة. تتسع عليك الدائرة فتصبح أكثر ارتياحا مع أشياء أكثر.









تحذير


لا تخرج إلى مناطق بعيدة جدا عن منطقة الراحة، فقد يسبب فشلك في الوصول انتكاسة نفسية كبيرة تعزز الشعور السلبي لديك.
لا تبقى طيلة الوقت خارج المنطقة. ارجع إلى منطقتك بين الفينة والأخرى كي تستريح النفسية قليلا.