أنت واحد ممن يريدون لبلده أن تنهض، وتنفض عن نفسها غبار التخلف. أليس كذلك؟ وأنت واحد ممن يحلم أن تكون مدينته ودولته مثل كثير من الدول المتقدمة التي تجد فيها الجميع مثقفين وحاصلين على الحد الأدنى من العلم. لا شك في ذلك! ولا بد أنك راغب في دعوة صالحة من شخص يحتاج منك خدمة نفض الغبار عن حياته، خدمة إنارة فكره، خدمة محو أمّيته.



هل تعلم أنك حين تساعده فإنك تساعد في القضاء ليس على الأمية فحسب، بل إنك تساعد في القضاء على ثلاثية تخلف الأمم. هذا الثلاثي الذي ما فتأ يلازم العالم العربي، وهو الذي سنعمل على تحطيمه بإرادتنا، يتكون من الفقر والمرض وبالطبع محور حديثنا "الأمية".


أهمية القضاء على الأمّية





لماذا التركيز على الأمية؟ لأن القضاء على الأمية يعني القضاء على البطالة، والفقر، والمرض، وكل مسببات التخلف في المجتمع. ولأننا نريد لأوطاننا أن تصبح في المقدمة، لابد أن نعمل معاً للقضاء على الأمية. علماً أن كل الدول المتقدمة لم تصل إلى هذه المكانة إلا بعد أن نشر العلم بين أبنائها صغاراً، وكباراً.


ولأن الجهود الرسمية مهما كانت قوية لن تستطيع التأثير وحدها دون مشاركة بقية أفراد المجتمع. ولأن الأمية تعني فقدان الشخص احترامه لذاته، فهو يرى نفسه أقل من الآخرين، هذا الشخص هو -بلا شك- أحد المحيطين بك، ويمكنك أن تساعده في أن يصبح أفضل.


ولأن الأمية تعني حرمان المجتمع من إسهامات وإضافات الكثير من المبدعين، والقضاء عليها، ومحو الأمية يعني إعادة دور هؤلاء، وعدم تهميشهم.


نماذج ناجحة


ماليزيا، نجحت في تحقيق هدفها ومحت الأمية


بالتأكيد تتمنى أن تعيش في دولة متقدمة حضارياً، واقتصادياً مثل ماليزيا، ولكن هل تعرف لماذا تقدمت ماليزيا؟ وكيف وصلت لهذه المكانة؟ إن هذا الأمر حتماً مرتبط بالتعليم. ولم يكن شعب ماليزيا متعلماً بالكامل منذ البداية، إذ أن ماليزيا كانت تحتوي على نسبة كبيرة جداً من الأمية، ولكنها حرصت على الوصول بهذه النسبة إلى أقل من 10%، ومن ثم أصبحت واحدة من أضخم الدول الآسيوية. وقد تم ذلك منذ انصب اهتمام الجميع هناك بالتعليم. لقد عملت الحكومة والشعب يداً بيد على تحويل الشعب الماليزي إلى شعب متعلم لكي يستطيع بناء وطنه.


والجدير بالذكر أن هناك اعتقاداً لدى الكثير من الناس أن ماليزيا استطاعت القضاء على الأمية بفضل الجهود الرسمية فيها، وخاصة في عهد مهاتير محمد، وإن هذا الاعتقاد ولو كان صحيحاً إلى حد ما إلا أن تلك الجهود الرسمية لم يكن ممكناً لها أن تكلل بالنجاح ما لم تصاحبها جهود شعبية. إذ كان على كل طالب جامعة، مهمة محو أمية شخص واحد على الأقل أسبوعياً. وهذا ما مكنهم من خفض نسبة الأمية إلى 6% في عام 2000 بعد أن كانت نسبة الأمية 47% في عام 1970م.





كوبا قدوة أخرى لمن يريد أن ينجح


نموذج آخر استطاع القضاء على الأمية في عام واحد فقط، هو نموذج كوبا. فقد أعلن فيدل كاسترو رئيس وزراء كوبا أمام الأمم المتحدة أنه سيقضي على الأمية في عام واحد، وذلك عام 1961. وعلينا هنا أن نلتفت للجهود الشعبية بقدر ما نلتفت للجهود الحكومية، إذ أن الجهود الشعبية هي التي ساهمت في تحويل هذا الهدف إلى واقع ملموس.


ولقد واجهت هذه الحملة في بدايتها صعوبات شديدة، ولكنها استطاعت النجاح بفضل جهودفيدل كاسترو رئيس وزراء كوبا
فيدل كاسترو رئيس وزراء كوبا قد أعلن أمام الأمم المتحدة أنه سيقضي على الأمية في عام واحد
الرجال والنساء المتطوعين، علماً أن عدد المتطوعين في هذه الحملة قد بلغ عدد 120,232 متطوعاً (مئة وعشرين ألفاً ومئتين واثنين وثلاثين متطوعاً). هذا بالإضافة إلى طلاب المدارس الذين شاركوا في هذه الحملة، وقد كان عددهم 100,000 طالب متطوع. هذا وقد ظهرت شعارات رائعة لهذه الحملة يمكنك إذا شئت استغلالها في تحفيز المحيطين بك، منها:


"إذا كنت متعلماً فعلم غيرك، وإذا لم تكن متعلماً، فتعلّم"


وإذا أردنا أن نقارن بين كوبا وبين العالم العربي الحالي فسندرك أن كوبا في ذلك الوقت كانت تشبه العالم العربي الحالي في كثير من ظروفه الاجتماعية والاقتصادية، ولكنها مع ذلك استطاعت القضاء على الأمية في عام واحد. وهنا في العالم العربي، يوجد الكثير من المنظمات والفعاليات التي تهدف إلى القضاء على الأمية، ولكن في المقابل لا يوجد جهد شعبي مماثل للجهد الذي تم بذله في كوبا، وماليزيا!


تريد أن نصبح مثلهم؟ نريد أن نكون أفضل منهم ومن كل الدول المتقدمة؟ علينا أن نبدأ في رسم صورة أخرى لمجتمعنا، صورة له وهو خال من الأمية والفقر والمرض. صورة لمجتمع متقدم في كافة المجالات. علينا أن نبدأ في تعليم من حولنا أساسيات العلوم. إذ أنه من العيب أن تكون طبيباً، أو مهندساً، أو طالباً جامعياً متفوقاً، وهناك من لا يستطيع أن يقرأ ويكتب بجوارك! ولذا عليك بالخطوات التالية:


انظر حولك


لا أشك أنك تعرف القراءة والكتابة، وقد يكون أفراد أسرتك جميعاً يعرفون القراءة والكتابة. وستقول ساعتها: أمحو أمية من؟ وسنخبرك ستمحو أمية من، بعد أن تجرب معنا تجربة توسيع الرؤيا.


ابحث ملياً في كل من حولك، وسنبدأ بالتدريج، انظر في جيرانك الذين يسكنون بجوارك، ثم وسع نظرك لتشمل برؤيتك جيرانك الذين لا يسكنون بجوارك تماماً، ولكنهم يسكنون في نفس الحي أو الشارع ، و الآن وسّع رؤيتك أكثر واسأل نفسك ماذا عن أقارب جيراني، الذين يسكنون في حي آخر تماماً، ولكنهم يعيشون في مجتمعك.


دعنا نأخذ شرائح أخرى. ماذا عن حراس العمارات الذين يحرسون ويقدمون الخدمات لقاطني البناء؟ الكثير من هؤلاء لم يتمكنوا من الدخول إلى المدرسة وطلب العلم. ماذا عن الشباب الذي يعمل في ورشات تصليح السيارات؟ وهو الذي اضطرته الظروف المعيشية يوماً ما لترك المدرسة. ماذا عن العاملين الصبيان الذي يعملون في تنظيف الشركات الخاصة أو يعملون في الكافتريا الخاصة بمكتبك؟ ماذا عن عامل النظافة الذي يدق بابك كثيراً، أو الذي تقابله في الشارع؟


والآن انظر وابحث في مجتمع ابنك: "مدرسته". ستجد فيها بالتأكيد عمال النظافة، وحراس أمن، وعمال كافتريا، وحتماً يوجد بينهم أو بين أقاربهم من لم ينل حقه في التعليم. هناك الكثير منهم في كل مكان، ولكن ابحث حولك جيداً ودقق النظر، وابدأ في سعيك نحو التقدم، نحو رفعة مجتمعك ونهضته، نحو محو أمية من حولك.. كل من حولك!


قم بعمل إعلان لمن حولك أنك ستبدأ في تعليم الكبار، ومحو أميتهم، أو ابحث عن جمعيات أهليه خاصة بهذا الأمر، وابدأ معهم، ولا تتأخر فالتقدم، لا ينتظر أحد.


و عندما تقرر بدء المساهمة بعملية تعليم المجتمع عليك أن تدرك أن هناك فرقاً أكيداً بين تعليم الكبار، و تعليم الصغار.