عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
حقوق الانسان 3
إذن فتطبيق الإسلام في هذا الأصل العظيم -أصل المساواة- تاريخه يشهد بهذا.
كذلك في جانب المساواة في الحقوق لا شك أن الشريعة جاءت بالمساواة في الحقوق وهنا شيئان في الشريعة:
الأول: المساواة.
والثاني: العدل.
والعدل واجب مطلقا.
وأما المساواة فتجب في أبوابها وليست مطلقة.
وتوضيح ذلك: أن العدل هو أداء الواجب، وإعطاء كل ذي حق حقه بلا تعد في ذلك، فهذا هو العدل الذي أمر الله جل وعلا به أمرا مطلقاً، فقال: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى﴾[النحل:90]، فالعدل أن يُعطى كل صاحب حق حقه، هذا هو العدل بين الناس، مَا يُحرم أحد من حقه، لأجل أنه كذا أو كذا!!، ويعطى حقه بما يناسب مقامه.
ولهذا جاءت الشريعة بعدم تساوي الناس في ارتكاب المخالفات التي هي دون الحدود. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود»، وهذا فيه ترك للمساواة في هذا الأمر، وذلك للمصالح الشرعية العظيمة المترتبة على ذلك، عمر رضي الله عنه لم يساوي في العطاء أهل بدر مع غيرهم، لم يساوي في العطاء من بيت المال بين السابقين إلى الإسلام مثل المتأخرين، بل أعطى كل احد ذي حق حقه، وأعطى كل واحد بحسب سابقته، وهذا هو العدل، لان التسوية بين الناس مع اختلافهم في نصرة الإسلام، واختلافهم في قدراتهم ليست مشروعة؛ بل المشروع هو العدل.
المساواة في الشرع فمأمور بها في الحقوق، وفي أمور كثيرة، مثل مثلا الحقوق القضائية في القضاء، وأخذ الحق واجب على الناس، واجب على الدولة، وعلى ولاة الأمر، وعلى القاضي أن يكون الناس عنده سواسية لا يفضل أحدا على أحد، حتى إذا أتى عند القاضي المسلم وغير المسلم، فإنه لا يميز المسلم على غير المسلم في مجلس القضاء؛ لأن هذا مجلس عدل وحكم، وهنا الناس سواسية فيه، وهذا حق مطلق للإنسان في أن يحكم بشريعة الإسلام بأن يحكم ويأخذ حقه بقوة القضاء، وقد قال جل وعلا: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً﴾ يعني في أهل الكتاب ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾[المائدة:42] الآيات.
هذا الحق، وهو حق أخذ أن يتساوى هو وغيره في أداء الحقوق، أعلنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعظم إعلان في مسائل كثيرة.
أولها: في بيان سبب هلاك اليهود، وأن اليهود هلكوا لما فرّقوا في الأحكام الشرعية، والحدود، والقضاء بين الشريف والوضيع وما بين عالي القوم وبين غيرهم، فقال عليه الصلاة والسلام: «وأيْم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، دماء المسلمين متكافئة، دماء المسلمين واحدة، وكذلك أموالهم وكذلك أعراضهم، فليس ثَم تفريق بين عرض وعرض، وليس ثم تفريق بين دم ودم، وليس ثم تفريق في القضاء وفي الشريعة بين حق مالي وحق مالي، بل الجميع مستوون أمام شرع الله جل وعلا المسلمون سواسية في هذا الحق.
فلهذا ربما مكّن النبي صلى الله عليه وسلم من أخطأ عليه من نفسه ليقتص منه، بل قال عليه الصلاة والسلام رحمة بأمته: «اللهم أيما عبد مؤمن سببته فاجعلها عليه رحمة»، تعرفون قصة الصحابي في بدر لما عرض النبي صلى الله عليه وسلم الصفوف ووجد صدره بادياً، فلكزه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقدني يا رسول الله، ففتح له النبي عليه الصلاة والسلام بطنه، فقبَّل بطنه ذلك الصحابي، وقال: أردت هذا، أو كما جاء في الحديث.
إذن في الحقوق القضائية حق الإنسان سواء أكان مسلما أم غير مسلم، حقه في القضاء وأخذ الحقوق له في شريعة الإسلام واحد، لا يختلف الناس في ذلك؛ لا نأخذ الحق لمسلم على النصراني، ولا نأخذ الحق لمسلم على اليهودي، بل بالبينات: «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك»: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ)، والله جل وعلا أمرنا أن نكون قوامين بالقسط شهداء لله، ولو على أنفسنا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسَكُمْ﴾[النساء:135] وقال جل وعلا: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾[المائدة:8]، ولهذا في عهد الصحابة رضوان الله عليهم كان يأتي اليهودي والمسلم إلى مجلس القضاء، فلا يميز المسلم على اليهودي في المجلس؛ بل هم من جهة الحكم الشرعي، ومن جهة القضاء هذا خصم وهذا خصم، فواجب أن يكونوا سواء، وألا يكون هناك حيف، لم؟ لأنه إذا وجد التمييز في هذه المسائل دب الفساد إلى الأرض، والله جل وعلا أمرنا بإصلاحها، ونهانا عن إفسادها، فقال سبحانه:﴿وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾[الأعراف:56] إصلاح الأرض يكون بالعلم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبأداء الحقوق الشرعية التي جاء بها نبينا عليه الصلاة والسلام، هذا إصلاح الأرض، وأعظمها التوحيد وترك الشرك.
وفسادها يكون بالتفريط في حق الله جل وعلا أولاً، أو بالتفريط في حقوق الخلق.
فيدب الفساد في الأرض شيئاً فشيئاً حتى يحل غضب الله جل وعلا: ﴿وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى(81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾[طه:81-82].
الناس في بلد الإسلام؛ بل الناس في الأرض في الشريعة أقسام:
الأول: المسلم.
والثاني: الكافر الذمي يعني اليهودي والنصراني أو أهل الكتاب الذين لهم ذِمّة، وهذه لها تعريفات عند الفقهاء.
والمعاهَدون هذا قسم ثالث.
والمستأمَنون هذا قسم رابع.
والحربيون قسم خامس.
إذا أردت تقول أقسام غير المسلمين في الأرض هذه الأربعة أقسام:
· أن يكون ذمياً.
· أن يكون معاهَداً.
· أن يكون مستأمَنا.
· أن يكون حربياًّ.
و النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأداء الحقوق لهؤلاء؛ بل أمر الله جل وعلا بأداء الحقوق لغير المسلمين في كتابه إذا لم يكونوا حربيين إذا لم يكونوا مظهرين العدواة، فقال جل وعلا: ﴿لاَ يَنْهَاكُمْ اللهُ عَنِ الذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ(8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللهُ عَنِ الذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلُّوهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ﴾[الممتحنة:8-9].
فإذن الحق الذي للذمي ثابت في الشريعة، فلا يعني كونه كافرا أن نهضمه حق الإنسانية، هو حق جعله الله جل وعلا له، قال عليه الصلاة والسلام: «من آذى ذمياً فقد آذاني» أو كما جاء في الحديث، وصحَّ عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، لماذا؟ لأن المسلمين يسعى بذمتهم أدناهم، هذا قد جاء بعهد، وجاء بأمان، وكان في بلاد الإسلام بأمان وعهد، فالواجب ألا يُعتدى عليه في نفسه، وألا يعتدى عليه في دمه، وألا يعتدى عليه في عرضه، وألا يعتدى عليه في ماله، فالحقوق واجبة له شرعاً.
والنصوص في أداء حق أهل الذمة وحق المعاهَدين وحق المستأمَنين متعددة، وكلام العلماء في ذلك كثير.
أما الحربيون فهم الذين بيننا وبينهم حرب، فهؤلاء بيننا وبينهم حرب، فيه أحكام كثيرة تتعلق بهم، وحتى لو تمكنا منهم، فإنهم إذا كانوا أسارى فإنهم يكرمون، وإذا تُمِكن منهم فإنه لا يقتل الوليد، ولا يقتل الطفل، ولا تقتل المرأة، ولا يتقل منهم الشيخ العجوز ونحو ذلك من الأمثلة.
مع أن في شرائع أخرى يقتل الجميع كما ذكر أن في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام أن الجميع يقتلون في حال الحرب.
أما شريعة الإسلام فالله جل وعلا حباها لما في ذلك من المصلحة لامتداد الشريعة إلى قيام الساعة بألا يقتل من المحاربين إلا المقاتلة فقط، وإذا أسر فإن للأسرى أحكاما كثيرة.
الذمي في دار الإسلام له حقوق، إذا كان في بيته فانه يمارس ما شاء، لكن ليس له أن يُعلن في شارع المسلمين أو أن يظهر شيئاً من المحرمات، إما أن يظهر دينه ليس له ذلك يعني في..... هذا في المعاهد والمستأمن.
أما الذمي ففيه تفصيل الكلام، كما إذا كان في أرض قد فتحت، وفيها الكنائس والبيع كما في بلاد الشام وفي مصر والعراق ونحو ذلك، هذا له تفصيل كلام؛ لكن في العموم مثل الحالة عندنا في هذه البلاد ليس له أن يظهر، وكذلك حتى في البلاد الأخرى ليس له أن يُظهر ناقوساً، وليس له أن يظهر صليباً، وليس له أن يُظهر خمرا ويشرب، وليس له أن يزني كما شاء، فهذه ليس له أن يظهرها في بلاد المسلمين، ولكن إن شاء إن يشرب الخمر في بيته فله حق أن يحفظ سره، وإن شاء أن يفعل في بيته ما شاء فهذا له، والشريعة تحفظ له هذا الحق، لكن الإعلان!!!، فلا يجوز له أن يظهر في بلاد المسلمين ما يخالف شريعة الإسلام، أما إذا استتر بذلك فإننا لا نبحث عنه، وأيضا في ممارستهم المالية كأن يأتي تجار يستأذنون عمر فيبقيهم في المدينة، ولا يمنحهم أن يمكثوا أكثر من ثلاث ليال، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبقى اليهود والنصارى في جزيرة العرب، ويتاجروا، وينتفعوا إلى غير ذلك من أداء الحقوق المالية.
إذن يتضح لك من هذا العرض السريع أن شريعة الإسلام أعطت الحقوق المالية والمساواة والعدل في أبواب كثيرة، وهذه في أروع صورها في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم في عهد خلفائه الراشدين، هذا قسم.
أما القسم الثاني الذي يتعلق بحقوق الإنسان، فهو المتصل بالحريات، والحريات –كما ذكرت لك- لا توجد إلا مقيدة، والحرية الشخصية تتنوع –يعني من حيث البحث-:
فمنها حرية المرء في تصرفاته المالية.
ومنها حرية الإنسان في تصرفاته في سفره وإقامته، وفي اختياره للبلد الذي يعيش فيه ونحو ذلك.
ومنها الحرية السياسية التي يعبر عنها بهذا التعبير.
ومنها الحرية الدينية بأن يختار أي دين شاء.
فهذه الحريات تطرقت إليها مواثيق حقوق الإنسان.
وأما في الشرع -كما ذكرت لك- الحرية لا توجد حرية مطلقة، لأن جعل الناس أحرارا مطلقا يتصرفون كيف يشاءون في أي مجال من المجالات هذا ضد لمصلحة الناس بأجمعهم، وأن مصلحة الناس، ومصلحة المجتمع، ومصلحة الأمة مقدمة على مصلحة الفرد بخصوصه باتفاق الشرائع وباتفاق المبادئ.
لهذا كفل الإسلام وكفلت شريعة الإسلام للإنسان الحرية العظيمة في أمور كثيرة، لكن بحيث تصب هذه الحرية في المصالح التي جاء الإسلام برعايتها، والمعلوم لديكم أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وبدرء المفاسد وتقليله.
وأيضا جاءت بالمحافظة على الضروريات الخمس التي لا تستقيم حياة الناس إلا بالمحافظة عليها، وهي:
· المحافظة على الدين.
· والمحافظة على النفس.
· والمحافظة على المال.
· والمحافظة على العقل.
· والمحافظة على النسب أو العرض.
المفضلات