عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 29
حقوق الانسان 2
أصل الحقوق -حقوق الإنسان- يرجع إلى فهم معنى قول الله جل وعلا ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾[الإسراء:70]، وتكريم الله جل وعلا لبني آدم -كما قال العلماء- يرجع إلى شيئين:
الأول: تكريم الله جل وعلا لبني آدم في خِلقته وخَلْقه، وفيما سخر له مما في السماء ومما في الأرض، والله جل وعلا بيّن ذلك في الآية.
والثاني من التكريم أن الله جل وعلا رفع ابن آدم عن الحيوان وعن غيره، وفضَّله على كثير ممن خلق تفضيلا في كل ما يتصل بسعادته، والمصالح التي تُتوخى في عيشه وعلاقته بنوع الإنسان، وهذا من أجله جاءت الشرائع لبيان حق الله جل وعلا، وحق العباد.
قول الله جل وعلا في أول الآية: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ وقوله في آخر الآية ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾[الإسراء:70] هذا يرجع إلى الخلق، ويرجع أيضا إلى التشريع والتنظيم، وما أمروا به من عبادة الله وحده، ومن اتباع المرسلين والأنبياء.
فالحقوق التي تدخل تحت هذه الكلمة حقوق الإنسان كما ذكرت لك، ترجع إلى نوعين عند المستغربين؛ بل عند الغربيين:
· إلى الحرية.
· وإلى المساواة.
[الحرية]
وكلمة الحرية هذه التي نادوا بها لا توجد مطلقة حتى في بلادهم؛ الحرية المطلقة من دون قيد في أن يفعل الإنسان ما شاء دون أن يحاسب على ما فعل، هذه لا وجود لها في أي مكان من الأرض؛ بل توجد الحريات حيث وجدت لكن تنتهي إلى حدٍّ بعده يقال للناس ما بعده ممنوع لست حراًّ في ذلك.
وهذا يعطيك تصوراً عن أن كلمة الحرية لا توجد على الأرض إلا نسبية، أما الحرية المطلقة في كل شيء -في المال، وفي السياسة، وفي القضاء، وفي التصرف في النفس، وفي الدماء، ومع الأولاد-، فإنها لا توجد كاملة بلا قيد في أي مكان من الأرض، وإنما توجد حرية تختلف البلاد فيها سَعَة وضعفاً، بحسب قوة إعطاء الحريات.
فإذن كلمة الحرية التي هي جزء من حقوق الإنسان التي يدعون هذه لا توجد مطلقة عندهم.
وإذا كان كذلك، وإذا وضعوا لها القيود البشرية بمحض آرائهم، فنقول: إن هذا الأصل يدل على أن وضع القيد على الحرية مَحا كلمة الحرية من أن تكون مقبولة لكل إنسان، فإذا كانت الحرية يمكن أن تُقبل، ويركن إليها فينبغي أن تعطي الإنسان حريته فيما شاء، فتكون منادياً بالحرية المطلقة، وأما إذا قيدته في حرية دون حرية ظاهراً يعني قانوناً قيده، وباطناً أيضا قيدته باستعمال خفي، وبتسلط على ماله، وعلى قدراته بأمور خفية، فإنه لا يُسَلَّم أن تكون تلك الحرية مطلقة.
فإذن فأساس الحرية التي نودي بها في حقوق الإنسان يجب أن تنظر إليها من جهة أن الحرية لا توجد مطلقة؛ بل لابد أن تكون مقيدة، يعني أن الإنسان ليس حراً في أي مكان من الأرض، تام الحرية في التصرفات بما شاء، وإنما له حدود يصفونها ويفصلونها، ومن اجل ذلك جاء ما يسمى بالبرتوكولات، وجاء ما يسمى بالإيتيكيت، وجاء ما يسمى بأشياء تمنع من لم يلتزم بها في الأمور الرسمية في المراسم، وفي دخول الإنسان بلباسه في أي مكان، وفي حضوره وفي كلامه، فهناك نوع من عدم الحرية موجود في كل مكان، وهذا يرجع إلى ما رأوه انه لا يناسب أن يعطى الإنسان حريته فيه، لمنافاته للذوق تارة، ولمنافاته للعلاقات تارة أخرى، ولمنافاته لحقوق أخرى من جهة ثالثة.
إذن فهذا الأصل، وهو أن الحرية في حقوق الإنسان تكون مطلقة هذا منفي.
[المساواة]
الأمر الثاني المساواة، والمساواة التي نادوا بها تعني مساواة الرجل بالمرأة في كل شيء، وتعني مساواة الناس جميعاً، في أخذ الحقوق، وفي إعطاء حقوقهم، وأجرهم، وفي التعليم، وفي الصحة، والاستشفاء، وفي السفر، وفي تحديد المكان الذي يرغب أن يقيم فيه، في حدود دولته كما نصت عليه موادهم، وفي إلغاء الرق إلى آخر ذلك.
وهذه المساواة منها ما هو مقبول، ومنها ما ليس بمقبول، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
لسنا هنا بصدد نقد ذلك الإعلان الوثائقي، وما تبعه من تصحيحات وإضافات، لكننا بصدد بيان أن حقوق الإنسان الكاملة، وحقوق الإنسان العالية أعطاها رب الإنسان للإنسان، والبشر إذا أراد أن يُعطي الحق لغيره، فإنه لن يسلم من الهوى، فالذي يقنن القانون أياً كان، فانه سيدخل فيه هواه، ولهذا تجد أن القوانين الغربية، كالقانون الفرنسي والقانون الأمريكي وغيرهما من القوانين، تخضع للتغيير بين فترة وأخرى، إما لأن أول ما نشأ القانون كان لأجل مصلحة إما للدولة في إنشائه، أو لنفوذ من الكبراء في تلك الدولة في بعض المسائل، أو لتغير الزمان، تغير الزمان فتغيرت الأحوال، ولهذا بين الله جل وعلا أن حكم الجاهلية هو حكم الهوى، فقال سبحانه: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)، لأن كل حكم يخالف حكم الشريعة، فلابد أن يكون قد تسلط عليه، الهوى فمنع من الصواب، والهوى لاشك يحرف عن أداء الحقوق على ما هي عليه.
إذن فتلك المبادئ قامت على أساس نظر بشري، يدخله الهوى، تدخله مصالح الدول الكبرى، ورغبتها في السيطرة على الدول الضعيفة أو الدول التي فيها خيرات.
بعد هذا العرض، إذا رأيت ما كان الناس عليه قبل مبعث محمد عليه الصلاة والسلام سواء العرب، عرب مكة وما حولها، أو من في الجزيرة، أو من في الشام، والعراق، ومصر، وفارس، والروم، وجدتَ أن باب سلب الحريات مفتوح على مصراعيه، وأن المساواة منفية؛ بل ثَمّ شريعة الغاب، بأن القوي يأكل الضعيف يتسلط الناس بعضهم على بعض، ولهذا قال ربعي لقائد الفرس، لما قال له: ما الذي جاء بكم؟ يعني أنتم عرب، ما الذي جاء بكم إلى أرض فارس، قال: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
جاء النبي عليه الصلاة والسلام وأوحي إليه بشرعة الإسلام، وأمره الله جل وعلا بأن يصدع بالحق وأن ينذر عشيرته الأقربين، ثم ينذر الناس جميعاً وجعل رسالته رحمة للعالمين، فقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[الأنبياء:107]، لما جاء النبي عليه الصلاة والسلام لذلك المجتمع كان المجتمع مجتمعاً تنفّذ فيه الصراع الطبقي، والتميز الطبقي على أشده، فهذه القبيلة أفضل من هذه القبيلة، وهؤلاء أرفع، وهؤلاء متسلطون على غيرهم، ونحو ذلك من الأعراف القبلية التي فيها تباين وفيها تفضيل بعض الناس على بعض.
فجاءهم النبي عليه الصلاة والسلام بالأصل العظيم ، وهو قول الله جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾[الحجرات:13]، فجعل الكرم والفضل والتميز لمن كان أتقى، لا للجنس، ولا للون، ولا للقبيلة، ولا للبلد، وإنما جعل التفاضل بحسَب التقوى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)، وفي هذا المعنى قال نبينا عليه الصلاة والسلام «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى»، وجاء في الأثر أيضا: الناس سواسية كأسنان المِشْط. وهذا كما هو معروف في التكليف جعل الله جل وعلا الناس سواسية؛ يعني الخطاب للناس جميعا للذكر والأنثى، وللحر وللعبد، وللغني وللفقير على اختلاف طبقاتهم، الناس جميعاً مأمورون بتوحيد الله جل وعلا ومأمورون بامتثال أوامره وتقواه بحسب الاستطاعة، وهذا نوع من النظرة نظرة السواسية في التكليف.
كذلك لما جاء الإسلام ألغي التفرقة بين الناس؛ بل آل الأمر إلى المؤاخاة، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين المهاجرين والأنصار، بل ربما آخى بين حر وغيره في المدينة، بل جاء عن علي رضي الله عنه أنه جعل سلمان الفارسي من أهل البيت، فصح عن علي رضي الله عنه أنه قال: سلمان منا أهل البيت. ويروى مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح مرفوعا، وإنما يصح موقوفا على علي رضي الله عنه كما أخرجه الإمام أحمد وأبو نعيم وجماعة.
هذه النظرة إلى عدم التفريق لاشك أنه سبق في أداء حق الإنسان أو في إعطاء الإنسان من حيث إنه ابن لآدم بأن الجميع متساوون في حقوقهم أمام الله جل وعلا ومتساوون أيضا في أداء الحقوق والواجبات بينهم وبين الناس.
أمَّر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة على جمع غفير من المسلمين، وأمَّر بعده أسامة بن زيد، وأمضى ذلك اللواء أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
لما فتح المسلمون الأمصار، وانتشر الإسلام آل الأمر إلى أن يكون من الأعاجم، إلى أن يكون أبناء فارس وغيرهم والعجم وغير العرب إلى أن يكونوا هم العلماء وإلى أن يكونوا منهم أئمة المساجد، وإلى أن يستقي الناس منهم العلم؛ بل جاء في تاريخ الإسلام بأن كثيراً من الأعاجم قادوا المسلمين في العلم وقادوا المسلمين في الفتوى، وقادوا المسلمين في أمور كثيرة.
فخذ مثلا في قيادتهم في العلم: هذا أبو حنيفة رحمه الله تعالى وليس بعربي، وهذا الإمام البخاري رحمه الله تعالى كيف صار كتابه مقتدى، ولا أحد المسلمين إلا ويعرف الإمام أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.
وخذ إلى ذلك غير البخاري وغير أبي حنيفة من أئمة الإسلام.
إذن الإسلام لما جاء الناس بتطبيقه ألغى الفوارق، وصار هؤلاء الأعاجم قادة للعرب وأئمة للعرب، وصاروا مقدمين، لم؟ لأنهم حملوا الدين، ورفعوا راية التوحيد، وراية لا إله إلا الله محمد رسول الله ولا فرق بين أعجمي وعربي إلا بالتقوى، والمسلمون لما كانوا متأدبين بآداب الإسلام لم يكن بينهم ذلك النزاع الطبقي، وذلك النزاع والفروقات الجاهلية، لأنهم لم يقبلوا بإمامة هذا، ولم يقبلوا بتقدُّم هذا، بل سلموا للجميع، لأن الناس في هذا المقام سواء.
آل الأمر إلى ذهاب الدول القرشية، والدولة الأموية، والدولة العباسية، ونشأت دولة المماليك، ثم نشأت دولة بني عثمان -يعني في أولها حين كانت صالحة-، ودان المسلمون لهم، وصاروا هم القادة وهم الأمراء، لأنهم رأوا أن في ذلك المصلحة الشرعية، وتحقيقاً لمصالح العباد.
إذن فأول من ألغى التفريق الطبقي، ومارسه فعلاً، وأرشد الناس إليه، بل صار الجميع لا حرج في صدورهم من تطبيقه، هو الإسلام، وتاريخ الإسلام غنيٌّ بهذا.
إذن فتطبيق الإسلام في هذا الأصل العظيم -أصل المساواة- تاريخه يشهد بهذا.
المفضلات