يعتقد بعض الناس أنهم لا يملكون القدرة على التركيز. بل يذهبون إلى أبعد من ذلك، عندما يدعي أحدهم أنه غائب الذهن دوماً، أو أن يكاد ينسى رأسه لولا أنه مربوط في جسمه. إن هذه الفئة من الناس ضحية شكوكها. وقد وصف أحد المؤلفين المسرحيين الشكوك التي تنتابنا بأنها خائنة لنا لأنها تسرق منا الخير الذي قد نتمكن من تحقيقه بالمحاولة. ولربما تعرف أنت شخصياً بعض الناس الذين أوصلتهم شكوكهم إلى نتيجة، وهي أنهم لن يتمكنوا من التدرب على استخدام الحاسب الآلي. وهم باقتناعهم بهذه الشكوك، لا يبذلون أي جهد لمحاولة التدرب وينتهي بهم الأمر إلى تفويت أي فرصة تتاح لهم لاستخدام هذه الأداة القيمة.
يجب عليك أن تدرك أن باستطاعتك أن تركز. ولو نظرت إلى الماضي، لاستطعت أن تتذكر وقتاً ركزت فيه بشكل جيد، وهذا أكبر اعتراف منك بوجود هذه القدرة لديك. يجب عليك ألا تستسلم لهذه الشكوك.

إن التمرين الذي نحن بصدده يتكون من خمس خطوات. ويهدف إلى تدريب عقلك على الاستجابة للأوامر واتباعها، ويتطلب منك أن تستمر في التركيز على مشروع معين، كما أنه يوفر لك الفرصة لتوقف التفكير واستعادة التركيز بعد فقدانه نتيجة وجود عوامل التشيتت. ولا شك أن إتقان هذه المهارات الأساسية سيمكنك من التركيز بشكل أفضل في مواقف حقيقية في حياتك.

الخطوة الأولى:
اعزل نفسك وتخلص من مسببات التشتت. انتظر حتى نهاية اليوم بحيث تكون انتهيت من التزاماتك. أخلُ بنفسك في غرفة هادئة. وأوقف عمل أجهزة التلفاز والمذياع. اجلس على كرسي بحيث يكون اتجاه مسند الظهر في وضع رأسي.

الخطوةالثانية:
اختر لنفسك مهمة سهلة. إن المهمة التي أثبتت نجاحها لدى مئات من الناس، هي أن تقول بصوت مرتفع لمدة خمس دقائق جملة قصيرة وهي: (إنني جيد في التركيز)، مع التركيز على كلمة "جيد"، وأغمض عينيك حتى لا تتشتت بصرياً. كما أن تكرار الجملة السابقة مرات ومرات له قيمة مزدوجة لأنه يفيد في تأكيد المعنى. ويتخذ العقل الباطن هذا التأكيد كحقيقة إيجابية تحسن الصورة عن الذات، ويعتبر مجرد إعادة الجمل السابقة تدريبات على مهارة التركيز.

الخطوة الثالثة:
اضبط ساعة المنبه بحيث ينطلق جرسها في خمس دقائق. أوكل لعقلك المهمة المطلوبة منه وهي ترديد (إنني جيد في التركيز)، وركز عليها خلال الخمس دقائق إلى أن ينطلق جرس المنبه.

الخطوةالرابعة:
إذا شغلت بأمر آخر أثناء التركيز، تدرب على وقف التفكير فيه، ثم عد إلى مهمتك الأصلية بتركيز أعظم. تعتبر هذه الخطوة مهمة بشكل خاص. هل سألت نفسك من الذي يتحكم بعقلك في وقت من الأوقات؟ بالطبع، من المفروض أنك أنت. ولكن ألم تسمع أناساً يقولون: (لا أستطيع أن أتوقف عن التفكير في كذا...). لابد لك أن تدرك أنك قادر على التحكم في تفكيرك. لذلك يجب أن تتعلم وقف التفكير فيما لا تريد. وببساطة
كن صبورًا ومثابرًا. لا ترتبك ولا تنس نفسك بسبب انشغال عقلك بأمور أخرى، لأن هذا الفعل يعتبر في حد ذاته تشتتا. لا تترك الخواطر المختلفة تقتحم عليك عقلك ولا تستسلم للمشتتات، لا تفرض أمورا بل قل للخاطر الغريب (لا)، ثم ركز على مهمتك الأصلية.
كرر هذا التمرين كل ليلة. وعندما تصبح قادراً على الحفاظ على تركيزك لمدة خمس دقائق بدون تشتيت خارجي (وهو تدريب يحتاج إلى أسبوعين أو ثلاثة)، ابدأ بإدخال عناصر التشتيت، كتشغيل الراديو أو التلفاز أو الجلوس في غرفة فيها أناس غيرك. استمر على تمرين التركيز بوجود عناصر التشتيت كل ليلة إلى أن تتمكن من التركيز لمدة خمس دقائق. ويحتاج إتقان هذه المهارة لدى معظم الناس من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع (وهو الوقت اللازم لترك عادة قديمة واكتساب عادة جديدة)، وبمجرد أن تتمكن من إصدار الأوامر لعقلك وطاعته لها رغم وجود عناصر التشتيت، فإنك تكون مستعداً لنقل هذه المهارات إلى مواقف الحياة العملية.

الخطوة الخامسة:
طبّق تمرين التركيز على مشاريعك اليومية. تقدّم الآن خطوة أخرى إلى الأمام. فبدلاً من تكرار جملة (إنني جيّد في التركيز)، تدرّب على تقرير ستعرضه في اجتماع للموظفين، أو التركيز على قائمة بأمور ستقوم بها في اليوم التالي. ويهدف هذا التمرين بشكل رئيسي إلى إصدار أمر محدد لعقلك، مع الالتزام بموعد زمني معين لتنفيذ الأمر، ثم تركيز عقلك على هذه المهمة بدون السماح لعناصر التشتيت للتأثير عليك. ومن هذه المهام الاستعداد لمقابلة ستجرى معك غداً من أجل الحصول على وظيفة عن طريق توقع نوع الأسئلة التي ستوجه لك والإجابات التي ستقدمها للنجاح في المقابلة. وربما تنجز هذه المهمة مع التركيز في خلال خمس دقائق أو أكثر.
قد يقول أحدهم: (لا أستطيع أن أركز عقلي على عقلي) لمدة طويلة ونقول له: تخيل كيف يكون حالك عندما لا تستطيع استخدام يديك ورجليك كاملا؟ تخيل كم يكون الموقف صعبا عليك عندما لا تملك السيطرة على أجزاء من جسمك؟ وكذلك هناك كثير من الناس ليس لديه تحكم كامل أو استخدام أمثل لعقولهم. إن التدريب على التمرين الذي ذكرناه لأسابيع يعتبر أفضل اسثمار لتطوير نفسك، فهو جدير بوضع حد لتمرد عقلك عليك، ويجعلك صاحب الأمر والنهي.
يجب عليك ألا تتوقع نتائج فورية، إذ لا يوجد دواء سحري يمنحك التركيز الفوري. إن تعلم أي مهارة يحتاج إلى وقت، ويتطلب كذلك المثابرة على مستويات أو مراحل من عملية اكتساب المهارة