الثالث عشر: أسلوب الفراشة:
1. هو الانتقال من كتاب لآخر قبل الفراغ من الأول وهكذا في عادة يندر معها أن يرى القارئ غلاف الكتاب الأخير.
2. من أضرار هذه الطريقة: فقدان الفائدة الكاملة الخلل في فهم المؤلف والكتاب- غياب الجدية في الطلب- خداع النفس.
3. للتغلب على هذه المصيبة الثقافية:
-اتخذ كتاباً للقراءة وقت النشاط وآخر للإحماض حين التعب أو لدفع الملل.
-قسم الكتاب إلى عدة أقسام وحدد فترة زمنية مناسبة لقراءة الكتاب.
- استخدم أسلوب التلخيص وتقييد الفوائد ومحاورة الكاتب على حواشي الصفحة وكتابة الاعتراضات والتحفظات ومواطن الاستفهام لتطرد الملل والسآمة وتشعر بلذة المثاقفة والقراءة الناقدة؛ وفائدة أخرى تتمثل في تجاوز القداسة التي نضعها بتفكيرنا الخاطئ لكل مطبوع؛ إذ لا قداسة إلا لكتاب الله وللصحيح من حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
- لا تقرأ كتباً جادة متتابعة أو في أوقات الانشغال وكثرة الصوارف والشواغل وما قد يعتري الإنسان من مكدرات ومنغصات سلمك الله ومن يقرأ منها.
- ركز على قصار الكتب مدة سنة كاملة مثلاً حتى تتعود على رؤية دفتي الكتاب الذي تقرأه.
- اعتن بالفن الذي تعشق القراءة فيه؛ علماً أني جئت بكلمة " العشق " متعمداً لدلالة معناها في السياق الذي أريده.
- اتفق مع الأصدقاء على قراءة كتاب مشترك ونقاشه؛ ولتكن لك معهم دورية ثقافية وسترى أثرها عياناً لا خبراً.
- للمجلات النافعة أثر في التعويد على القراءة؛ فإذا ما وقعت بين يديك مجلة نافعة فليكن من التهامها هنيئاً مريئاً طريقاً لالتهام الكتب كاملة فهي بالتأكيد ألذ وأشهى.
الرابع عشر: تزاحم الكتب:
وبالنسبة لتزاحم الكتب وقلة الأوقات وصعوبة اختيار ما سيُقرأ؛ فكل عنوان مغرٍ بالقراءة وكل كتاب يتطاول بعنقه ليُرى وكل موضوعٍ ينادي بغير لسان أنا الأهم دون غيري، فإن هذا الأمر يصيب كل المثقفين وبخاصة نهمي القراءة وأقترح عليكِ هذه الحلول:
1- استخدام فقه الموازنات ومراعاة المصالح والمفاسد " وليس الفقيه مَنْ عرف الخير من الشر، لكن الفقيه مَنْ عرف خير الخيرين وشر الشرين "؛ فاختر من الكتب ما تراه مهماً وأجل الأقل أهمية وإلحاحاً.
2- اعتن بواجب الوقت؛ فقبل رمضان يحسن مثلاً القراءة في أحكام الصوم دون الحج. ومثل ذلك يُقال لو كنت ستشارك في محفل أو ندوة عن العولمة مثلاً أو طُلب إليكِ الكتابة أو التحدث في موضوع ما.
3-استخدام الملخصات مفيد للغاية في هذا الباب؛ وفكرة الملخصات تقوم على اجتماع عدد من الأصدقاء في دورية للحديث عن كتب انتهوا من قراءتها وتلخيصها.
4- تحديد خطة ثقافية سنوية بواقع كتابين شهرياً مثلاً؛ واختيار العناوين بعناية مع إفساح المجال للحالات الطارئة، وهذا يكون بالتزام المرونة في الخطة.
5- ويحسن في الخطة التركيز على موضوعات بعينها يرى واحدنا مسيس حاجته إليها، ولا إشكال أبداً لو خصص الإنسان سنة كاملة للقراءة في فن معين.
6- لا تحرص على قراءة كل شيء؛ فكم من مطبوع لا قيمة له أبداً.
7- اتخذ كتابين للقراءة في وقت واحد؛ على أن يكون الأول هو الأصل والثاني للإحماض كما سبق.
الخامس عشر: التغلب على الملل والكسل:
الملل من كواذب الأخلاق كما قال عمرو بن العاص - رضي الله عنه -؛ ولذا فلا بد من أن تُجهز عليه أثناء القراءة لتسلم وتغنم؛ وأقترح ما يلي:
1- الدعاء والتوكل على الله دوماً.
2- حدث نفسك أنك جاد ومثابر وقادر على تجاوز هذه المشكلة.
3- تعرف على الساعة الذهبية في يومك لتجعلها حكراً على القراءة الجادة.
4- اقرأ المقدمة والفهرس وملخص الفصول وقائمة المراجع؛ ولهذه الطريقة فوائد منها:
• تتعرف أكثر على الكتاب مما يزيل الجفوة ويقضي على الرهبة والخوف من حجمه وجديته.
• تزداد حماستك للكتاب ولأجزائه المثيرة خصوصاً.
• تتمكن من تصور الكتاب وموضوعاته ومدى ترابطها ثم تحدد وقتاً لإنهائه وتقسيماً مناسباً لفصوله ومباحثه؛ علماً أن التوقيت نوع من التحدي المحفز.
5- أثناء القراءة وخاصة الجادة لا بد من محاورة الكاتب ومناقشته على صفحات الكتاب لتكون قارئاً بإيجابية غير مسلِّم بالمطبوع 100 % خلا كتاب ربنا جل جلاله وما صح من حديث حبيبنا - صلى الله عليه وسلم - ؛ وهذه الطريقة ستنفي الملل خلف أسوار الصين وتساهم في فتح مسامات الذهن وبناء العقلية النقدية.
6- إذا استغلق شيء فدعه ثم عد إليه في وقت آخر بعد دعاء الله بفك المستغلق فإن كان وإلا اسأل عن هذا المستغلق أهل الشأن والمعرفة والأفضل سؤال المؤلف نفسه إن تيسر الوصول إليه.
7- إنما العلم بالتعلم؛ وسعي الإنسان لاكتساب العادات الحميدة أمر حسن محمود؛ فهكذا يبدأ التغيير: فكرة ثم قرار ففعل فعادة ثم شخصية مثقفة واعية فمصير ومآل كريم بإذن الله.
وللتغلب على الكسل أقترح ما يلي:
1- الاستعاذة بالله منه صباح مساء حسبما جاء في الورد المحفوظ " اللهم إني أعوذ بك من الهم والغم والحزن ومن العجز والكسل... " الحديث.
2- النظر في سير الأسلاف وهمتهم العالية من خلال تراجمهم وأخبارهم المدونة. وكذلك التعرف إلى نماذج من القدوات المعاصرة.
3- استثارة الهمة واستحثاثها فلابد للقمة من همة تبلغها.
4- محاولة التعرف على تجارب القراء وأخذ الأُسى جمع أسوة منها.
5- اعتماد المشاريع الثقافية واستصحاب التحدي وتحديد الوقت لكل كتاب مع فرض غرامة على التأخر.
6- إذا داهمك الكسل فجابهه بمطلبك العالي ورغبتك السامية وحينها سيولي حسيراً كسيراً.
7- أربأ بك من أن يقعد بك الكسل وهو بئس القعيد؛ وقد قيل لبحر بن الأحنف بن قيس: ما يمنعك من أن تكون كأبيك؟ قال: الكسل!.
السادس عشر: بين الاستيعاب وشرود الذهن:
1. استيعاب المقروء وفهمه والاستفادة منه وتوظيفه أحد غايات القراءة السامية؛ ولذا فلا مناص من القراءة بتمعن وتركيز لتحصيل أعلى قدر من الاستيعاب.
2. سل نفسك بعد نهاية كل فصل: بما خرجت؟ وماذا استفدت؟
3. اقرأ كالداخل لامتحان بين يدي أستاذ بصير نقاد صعب المراس كثير الجدل.
4. اجعل زمان ومكان القراءة من المساعدات على التركيز ولا يكونا جالبين للشرود كمن يقرأ في مكان مزدحم أو ذي مناظر بهيجة، ولا تقرأ حال النعاس أو الجوع أوالمتابعة لأشياء أخرى كالتلفاز مثلاً.
5. إذا شعرت بصعوبة الكتاب أو استغلاقه على الفهم فدعه على أن تعود إليه إن تهيأت نفسك لقراءته.
6. ألزم نفسك بملخص لكل كتاب أو مقالة حول موضوعه ثم قيم عملك.
7. القراءة الصامتة أفضل للتركيز؛ لكن قد يكون في رفع الصوت أحياناً فائدة لاجتماع الأذن والعين في مهمة الاستيعاب.
8. سرعة القراءة ليست مطلباً باستمرار؛ فبعض الكتب لا ينفع معها إلا التروي والتريث.
السابع عشر: بين السرعة والنهم:
1. متوسط قراءة الإنسان في لغته بين 200-300 كلمة في الدقيقة.
2. سرعة القراءة ليست هدفاً ولا تصلح مع كل كتاب.
3. يمكن الاستفادة من سرعة القراءة في أثناء البحث عن معلومة معينة أو في قراءة كتاب ماتع أو القراءة التصفحية.
4. من آليات تسريع القراءة: استخدام القلم للتتبع وقراءة عدة كلمات مرة واحدة بوضع العين عليها وعدم الرجوع إلى ما سبق خاصة إذا أمكن فهمه من دلالة السياق.
5. نهم القراءة ليس مطلباً إلا إذا توافر فيه شرطان: جودة المقروء وحسن الفهم على ألا ينشغل الإنسان بالنهم الثقافي عن أمور أفضل وأولى.
6. بعض المعاصرين يقرأون من 8-12 ساعة يومياً؛ وقد تزيد مدة القراءة عند بعضهم.
7. كي تكون نهماً يجب أن تتخلى عن قدر كبير من الراحة واللهو ليتسنى لك تحقيق مطلبك الأعلى؛ وقيمة كل إنسان ما يطلب كما قال ابن القيم - رحمه الله -.
الثامن عشر: أنواع القراءة:
1. القراءة التعبدية: وهي قراءة القرآن الكريم.
2. القراءة العلمية: وهي قراءة كتب العلم لنفسك أو لأهلك أو لمسجدك وهي طريقة مناسبة لتحصيل العلم لمن لم يتمكن من الدروس العلمية على أن يكتفي المرء بالقراءة دون الفتوى إلا كناقل ضابطٍ عن ثقة عالمٍ مأمون.
3. القراءة التخصصية: في كتب التخصص ومراجعه.
4. القراءة الخاصة: وهي القراءة في الفن الذي يحبه الإنسان وقد يكون هذا الفن تخصصه وقد لا يكون.
5. القراءة الثقافية: في المعارف العامة والحضارات وعادات الشعوب.
6. القراءة الموسمية: كمن يقرأ عن الصيام والاعتكاف قبيل رمضان.
7. القراءة البحثية: وهي القراءة لكتابة مقالة أو بحث أو خطبة أو للمشاركة في المجامع الثقافية والعلمية. ويدخل ضمنها القراءة لمؤلف واحد أو في فن واحد.
8. القراءة الاضطرارية: وهي أن يقرأ الإنسان ما يكثر الحديث حوله ليدفع عن نفسه معرة الجهل به؛ وقد لا يكون المقروء من محاور اهتمامه.
9. القراءة النقدية: وهي القراءة في الكتب المخالفة لنقدها على أن لا يكون النقد هدفاً بحد ذاته.
10. القراءة المكررة: وهي تكرار قراءة الكتاب ولها من المنافع ما يعرفها المجرب.
التاسع عشر: كيف تشتري الكتب؟
1. اجعل في ميزانيتك حقاً معلوماً للتطوير الذي يشمل البرامج التدريبية والكتب والمجلات والوسائط المعلوماتية.
2. زر غير ما مكتبة مرة شهرياً على الأقل.
3. استخدم الهاتف للسؤال عن الكتب وأسعارها قبل الذهاب للمكتبة.
4. اجعل زيارتك للمكتبة في متسع من الوقت كبعد العشاء مثلاً.
5. قلب الكتاب لترى إن كان فيه عيوب طباعية كتغير ترتيب الصفحات أو مسح بعض الكلمات أو انقلاب الصفحات أو أي أمر لا يحمد في الكتاب.
6. إذا كان الكتاب عدة أجزاء فتأكد من وجودها كاملة.
7. انظر في مقدمات الكتب وفهارسها قبل الشراء.
8. اختر الكتب المجلدة والألوان المناسبة.
9. لا تشتر الكتاب العلوي من كل مجموعة لكونه عرضةً للغبار ولتقليب الزبائن وللسقوط المتكرر.
10. لا تأسف على ما تدفعه من مال لشراء الكتاب.
11. ابحث عن الكتب المحققة من قبل خبراء أفذاذ واحذر من تجار التحقيق الغششة.
12. إذا عدت لدارك محملاً بالكتب فتحين غفلة أمك أو زوجك - أو خروجهما- حتى لا يصب عليك من اللوم ما لا تحب!
العشرون: مكتبتك:
1. اتخذ لها مقراً مناسباً إن أمكن وإن استطعت فاجعل لها مدخلاً خاصاً لتستقبل فيها أضيافك المثقفين أو لتدخل منه في غفلة من الرقيب!.
2. أصنع لمكتبتك خاتماً حتى تميز كتبك؛ ويتأكد هذا الأمر في البيوت التي يكون فيها مكتبة مشتركة وقراء كثر.
3. ضع خاتماً تبين فيه وجود مخالفات شرعية واختم به الكتب المخالفة حتى لا تبوء بإثمها.
4. رتب مكتبتك بطريقة تسهل عليك الوصول لمبتغاك ورقم الكتب حسب فنونها.
5. اجعل الكتب الدينية هي الأعلى لأنها بالمحل الأسنى.
6. كمل مكتبتك بالأمهات من الكتب ولا تبخل على نفسك.
7. اتخذ من وسائل السلامة ما يحمي المكتبة بعد رحمة الله من كل ما يضر بالكتب.
8. ادخل كتبك في قوائم ورقية أو حاسوبية ويمكن استخدام برامج الحاسب لهذا الغرض.
9. ضع عندك دليلاً للمستعيرين؛ فإعارة الكتب بركة لا ينغصها إلا إهمال المستعير وتضييعه الكتاب أو تأخير رده. وللاستعارة أحكام وآداب وقصص يحسن الرجوع إليها.
10. لا تستضف في مكتبتك فضولياً ولا مستهاماً باستعارة الكتب دون قراءتها.
11. ضع في مكتبتك ركناً خاصاً لكتب ترى لها مزية على غيرها.
12. لا تتنازل عن مقر مكتبتك ليكون مخزناً أو غرفة ألعاب مهما أجلب عليك القوم بخيلهم ورجلهم.
أخيراً: فوائد متفرقة:
1. تعويد الأطفال على القراءة مسؤولية الأبوين؛ ولهذا الأمر المهم كتب ودراسات متخصصة.
2. ما أجمل أن يقرأ الزوجان لبعضهما.
3. لا تتوقف عن القراءة أبداً ولا تدمن هجران الكتب.
4. يمكن الاستعانة ببعض المساعدات في القراءة والتي لن تكون بديلاً عن الكتاب مثل الكتاب الإلكتروني والأقراص الممغنطة ومواقع الانترنت وملخصات الكتب والندوات والأشرطة.
5. الاستفادة من تجارب القراء وتسجيلها أمر نافع غاية النفع.
6. إذا توقفت عن قراءة كتاب لعارض فضع إشارة وعلامة في المكان الذي توقفت عنده لتواصل منه إن كنت مستوعباً لما مضى منه.
7. قراءة الكتب بلغتها الأصلية أفضل بسبب غثاثة الترجمات العربية في الغالب مع عظيم الأسف.
8. اكتب في نهاية الكتاب تاريخ قراءته وملخصاً عنه.
9. إذا اجتمعت بصحبك في الاستراحات أو البراري أو البيوت فسل كل واحد منهم عما قرأ؟ وماذا سيقرأ؟
10. زر معارض الكتاب ففيها من الأنس واللذة وبهجة المناظر ما لا يخطئه الناظر.
11. لا تدخل كتاباً في رفوف مكتبتك قبل قراءة مقدمته وفهرسته ونتفٍ منه؛ وإن لم تفعل فثق أنك ستعاود شرائه من جديد أو تنسى وجوده ضمن مقتنيات المكتبة.
12. لا تكتب قبل أن تقرأ؛ فحتى تكتب بتفوق لا بد أن تقرأ بتذوق.
وفي الختام أسأل الله لي ولكم مزيداً من العلم والثقافة والعمل لننفع أمة طال سباتها وتكالب أعدائها واستفحل ظلمها والعدوان عليها؛ وقد كتبت ما كتبت ليستفيد منه المقبلون على الحياة بالأمل المشرق والتفاؤل الكبير والعمل المثمر؛ الذين لهم في نفسي مكانةً عالية.
المفضلات