القراءة مفتاح المعرفة وطريق الرقي؛ وما من أمة تقرأ إلا ملكت زمام القيادة وكانت في موضع الريادة وخير شاهد ما نعاصره من تفوق النصارى في الغرب والبوذيين في اليابان وتراجع المسلمين الذين نزل كتابهم العزيز المقدس مبتدئاً بالأمر " اقرأ " ؛ والأمر ذاته يصدق في حق الأفراد من الناس. والقراءة نزهة في عقول الرجال كما قال المأمون وتجربة ماتعة لا يكاد يهجرها من سحرته الكتب وهام بالمؤلفات وعشقها فهي سميره وحديثه ورفيقه ومحور حديثه وموضع اهتمامه.
والقراءة ذات شان عظيم حتى عند من لا يستمتعون بها ولذا تكثر الأسئلة حولها ويحرص المهتمون على ما ينفعهم فيها ما بين قراءة كتب موجهة أو الالتحاق ببرامج تدريبية أو استضافة ذوي التجارب للاستفادة منهم؛ وهذا كله مسلك مبارك يؤازر ويثنى عليه. ومع أهمية الموضوع إلا أني كنت أهاب الكتابة فيه وأتجنبها قدر المستطاع وما دعاني للكتابة حولها إلا كثرة السؤال ممن لا يسع المرء إلا أن يجيبهم فأحببت اتخاذ هذه المقالة مادة أحيل عليها من يسأل عسى الله أن ينفع بها ويجعلها من الصدقة الجارية.
أولاً: لماذا نقرأ؟
والجواب ليس عندي حتماً لأن كل إنسان يعرف هدفه من القراءة؛ وفي الغالب فأهداف القراء هي:
1. أهداف تعبدية: كقراءة القرآن وكتب العلم وهي أشرف أنواع القراءة وأجلها ولا ينبغي لمسلم العدول عنها ألبته.
2. أهداف وظيفية: كمن يقرأ في صلب تخصصه وطبيعة عمله.
3. أهداف تطويرية: وهي قراءة ما يصقل الشخصية ويعزز المواهب.
4. أهداف ثقافية ومعرفية: مثل القراءة العامة للمعرفة والإطلاع وزيادة المخزون الثقافي.
5. أهداف ترويحية: إذ القراءة بحد ذاتها إيناس للنفس فكيف إن كان المقروء من النوادر والملح والحكايات المستطرفة والأعاجيب؟
6. أهداف واقعية: بالتفاعل مع الواقع كالعروس يقرأ قبل الزواج أو من يسمع عن منظمة التجارة الدولية فيقرأ عنها.
ثانياً: أسباب العزوف عن القراءة:
1. أسباب تربوية: حيث تغيب ثقافة الكتاب عن بعض البيوت والمحاضن التربوية.
2. أسباب شخصية: كالجهل والغرور والنظرة القاصرة للنفس ويدخل ضمنها ضعف المستوى التعليمي.
3. أسباب اقتصادية: بسب غلاء أسعار الكتب أو فقر الإنسان أو قصور دخله عما هو أهم أو ما يظنه أهم إضافة إلى استغراق بعض الأعمال جل اليوم.
4. أسباب إدارية: وتبرز عند من لا يحسن تنظيم وقته ولا يعرف أولوياته ولا يرتب أدواره الحياتية.
5. أسباب ترفيهية: فبعض الناس رفاهيته هي الأصل ولا مكان للجدية إلا في ركن قصي يضيق ولا يتسع. ولعل انتشار وسائل الإعلام والانترنت مما يدعم هذا الجانب.
6. أسباب منفعية: حيث يقول قائلهم: وأي شيء ناله القراء من كتبهم؟! هل صاروا " نجوماً " كمن يحسن التحكم في قدمه أو حنجرته أو بعض جسده؟
ثالثاً: كيف نتعود على القراءة؟
1. لابد من وجود قيمة معنوية للكتاب في البيت والمسجد والمدرسة.
2. أهمية المكتبة المنزلية العامة ومكتبة المسجد أو الحي ومكتبة المدرسة.
3. البحث عن القدوات والأمثلة الحية؛ وكلما كانت القدوة قريبة كالأب والزوج والجار والمعلم وإمام المسجد كان أثرها أبين وأسرع.
4. زيارة المكتبات العامة والتجارية ومكتبات العلماء والمثقفين الخاصة.
5. تحديد ساعات يومية للقراءة والالتزام بها.
6. البدء بالكتب اللطيفة وذات الموضوعات المحببة للنفس.
7. اقرأ في المجالات التي تشعر بمسيس حاجتك لها لتعرف نفاسة القراءة فلا تفرط بها.
رابعاً: كيف نقرأ؟
1. حدد عدداً من الكتب لقراءتها خلال السنة؛ بمعدل كتابين أو أكثر شهرياً. على أن تكون خطتك مرنة وقابلة للتكيف حسب المتغيرات.
2. استخدم قلم الرصاص في التعليق ومحاورة المؤلف؛ وقلم الرصاص أفضل من غيره للطف أثره وسهولة محوه وتغييره. ويمكن استخدام الأقلام الفسفورية للإشارة إلى أمر مهم وأفضلها القلم الأصفر لأنه لا يظهر في تصوير الأوراق.
3. اجعل مكان قراءتك مضاءاً بالمريح المعين من الأنوار وليكن جيد التهوية مهيئاً بكل ما قد تحتاجه من أوراق وأقلام وملصقات وغيرها. واحذر من وسائل الاتصال في أثناء خلوتك الثقافية.
4. قد تخلو بعض الكتب من عناوين جانبية فضعها على جوانب الصفحة لسهولة الوصول إليها مستقبلاً ولحملك على مزيد من التركيز في أثناء القراءة.
5. استخدم الملصقات اللطيفة لتحديد موضع التوقف ولا تثني ورق الكتاب أو تضع القلم داخله.
خامساً: ماذا تقرأ؟
1. لا بد من العناية بأركان الثقافة في خطة القراءة، وهذه الأركان مشتركة بين جميع الأمم والحضارات وإن اختلفت في الماهية، وهي:
• الدين: فلا مناص من إكثار القراءة في علوم الشريعة الغراء إلى درجة التضلع من بعضها فهي أشرف العلوم وأجلها وأسماها لارتباطها بالرب العظيم - سبحانه -.
• اللغة: فليس مثقفاً من لا يعرف لغته؛ ويجمع حشفاً وسوء كيلة إذا أحسن لغة أجنبية وهو أجهل بلغته من دابته التي يمتطيها. وقد يحوز السوء كله حين يترجم من لغة أجنبية إلى لغته التي لا يجيدها.
• التاريخ: فمن جهل ماضيه صعب عليه فهم حاضره وصنع مستقبله.
2. ويتبع ذلك بناء قاعدة معرفية أفقية واسعة بالقراءة في أساسات الفنون وتواريخ العلوم بحيث يتكون لديك إلمام عام بكثير من العلوم.
3. ثم يتخصص القارئ في مجال يرى نفسه مقبلة عليه أو الحاجة إليه عظيمة.
4. ومن الحكمة أن يعتني القارئ بالنظر في القضايا المستجدة التي تطرأ بين الحين والآخر ويتأكد هذا الأمر في شان العلماء والدعاة والكتاب.
سادساً: لمن تقرأ؟
1. ابدأ بأكابر أهل الدين لتعرف الإسلام بدراية وعلم؛ وليكن لك حبل متين مع علماء السلف رضوان الله عليهم.
2. ثم اقرأ لفضلاء أهل العصر الذين يوثق بعلمهم وأمانتهم.
3. اقرأ للأدباء والمفكرين والكتاب الذين لا يعرف عنهم سوء نية أو طوية باستقراء ما كتبوه.
4. اقرأ لأهل الحضارات والملل ما يفيدك ويزيدك.
5. اقرأ للمخالفين حتى تعرف وجهة نظرهم (بشرط أن يكون لديكَ علم يدرأ الشبهات، واحذر مخالفي العقيدة إن لم يكن لديكَ مزيد علم بها، فشبههم تحتاج لعلم راسخ).
6. اقرأ للأعداء حتى تأمن شرهم عليك وعلى أمتك.
وليكن واضحاً أن القراءة للصنفين الأخيرين مظنة الزلل فلا يقدم عليها القارئ إلا بعد مشورة وتمكن ودعاء دائم بالهداية للحق.
سابعاً: أين تقرا؟:
1. اتخذ مكاناً في الدار للقراءة وليكن ملائماً من جميع النواحي.
2. إذا كنت مسافراً أو في مكان انتظار فلا تنس كتابك.
3. اجعل في سيارتك كتاباً مما لا يحتاج إلى متابعة القراءة لتنظر فيه إن اضطررت إلى الانتظار بسبب عطل أو مخالفة أو غير ذلك.
4. مكان العمل مناسب للقراءة بعد الفراغ من كل مهمة توكل إليك على الوجه المطلوب ودون تفريط بأمانتك.
ثامناً: متى تقرأ؟:
1. جدول القراءة ضمن برنامجك اليومي واحرص على الوقت المتصل بلا انقطاع.
2. تحين أوقات الانشراح والسعادة واجعلها للقراءة.
3. وإذا ما خلا البيت من الصبية وأمهم فاهتبلها فرصة!
4. إذا أردت أن تكتب أو تخطب أو تشارك في منشط ثقافي فاقرأ.
5. إذا كثرت همومك فاجعل من الصلاة والقراءة روحاً لك.
6. يبقى لكل إنسان وقته المفضل للقراءة فاكتشف نفسك في الأبكار والأصائل والأسحار.
تاسعاً: ماذا تفعل بعد القراءة؟:
1. اكتب في نهاية الكتاب ما يشير إلى فراغك منه وستكون من ذكرياتك الجميلة.
2. راجع أفكار الكتاب الرئيسة وفوائده.
3. سل نفسك إن كانت تحتاج إعادة قراءة الكتاب.
4. وسلها أيضاً إن كانت تحتاج لكتاب يعرض وجهة نظر أخرى.
5. تواصل مع المؤلف شاكراً أو ناقداً أو مستوضحاً.
6. ناقش الكتاب مع لداتك وأصحابك.
7. انقل فوائد الكتاب لسجلك الخاص إن كنت تتبع هذه الطريقة.
8. أوص غيرك بقراءة الكتاب أو بتجنبه حسب تقييمك.
9. إن حوى الكتاب انحرافات خطيرة فاحتسب بتبليغ الجهات المسؤولة والعلماء ولا تنس مراسلة الناشر والمؤلف والمكتبة لمناصحتهم برفق وأدب.
عاشراً: كيف تستفيد من قراءتك؟:
1. لا تقرأ إلا بتركيز وانتباه وحولك القلم.
2. ضع عناوين داخلية لموضوعات الكتاب وأسئلة يجيبها خاصة إن خلا منها الكتاب.
3. تعامل مع فوائد الكتب بفعالية كما سيأتي.
4. كرر قراءة بعض الكتب خاصة المهمة بالنسبة لك.
5. من المناسب الاتفاق بين زملاء متقاربين في العمر والاهتمامات لقراءة كتاب معين أو القراءة حول موضوع ما دون تحديد عنوان ثم مناقشته.
الحادي عشر: طرق مقترحة للتعامل مع الفوائد:
1. أشر لفوائد الكتاب في الصفحات البيض الأول.
2. انقل الفوائد لدفاتر خاصة.
3. استخدم نظام البطاقات التي تسهل الوصول للمعلومة مباشرة؛ وهي طريقة يستعملها بعض المعاصرين تقوم على جعل فوائد كل علم في بطاقات خاصة ثم تفريع هذا العلم في بطاقات وهكذا.
4. إذا وجدت معلومة عن موضوع في كتاب لا يمت لهذا الموضوع بصلة فانقلها لكتاب متخصص عن هذا الموضوع أو أشر إليها في حواشي الكتاب المتخصص.
الثاني عشر: كتب الإحماض والتسلية:
1. من أفضل طرق دفع الملل اتخاذ كتابين للقراءة أحدهما أصل والآخر لتجديد النشاط وبعث الحيوية وهو كتاب " الإحماض " والتسلية.
2. تتميز كتب الإحماض بتوسط الحجم غالباً وسلاسة الأسلوب ووضوح الفكرة ولا يشترط في قراءته التتابع.
3. تقرأ هذه الكتب حين التعب أو السأم أو الانشغال.
4. كتاب " السرير " وهو ما يقرأه الإنسان قبل نومه كتاب تسلية في الغالب.
5. ويحسن بالقارئ تخصيص كتاب إحماض في السيارة ليقرأه إن اضطر للانتظار بسبب عطل أو حادث أو مخالفة لا قدر الله -.
6. وللمرأة في مطبخها كتاب تسلية وإمتاع.
7. ينبغي على القارئ ألا يتعود على كتب التسلية فينصرف عن المؤلفات الجادة.
8. لكتب الإحماض فوائد في إخصاب الخيال وتجديد النشاط ورفع الهمة.
9. وصف الكتاب بأنه للإحماض ليس فيه غض ولا تنقيص من قدر المؤلف أو الناشر أو الكتاب؛ بل لهم الشكر والثناء على الإمتاع والمؤانسة وعلى إبقاء علاقة الواحد منا بالكتاب حتى في أصعب الأحوال.
يتبـــع
المفضلات