أهلاً بك عزيزي الزائر, هل هذه هي زيارتك الأولى ؟ قم بإنشاء حساب جديد وشاركنا فوراً.
  • دخول :
  •  

أهلا وسهلا بكـ يا admin, كن متأكداً من زيارتك لقسم الأسئلة الشائعة إذا كان لديك أي سؤال. أيضاً تأكد من تحديث حسابك بآخر بيانات خاصة بك.

النتائج 1 إلى 10 من 42

العرض المتطور

  1. #1
    موقوف
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    292
    معدل تقييم المستوى
    0

    Smile الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 18

    الحلقة الثامنة عشرة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ... فأحمدُ إليكمُ الله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبالإخلاص لوجهه تؤتي أكلَها وتتنامى خيراتها، وأصلي وأسلم على حبيب رب العالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


    وصلنا إلى الحلقة الثامنة عشرة من حلقات برنامجكم: [مفاهيمُ في التنمية البشرية بين لأصالة والمعاصرة] ..... وقد قلنا فيما مضى أن التنمية البشرية في تراثِ الحضارة الإسلامية على الصعيد الفكري والمعرفي أتت نسجَ شبكةٍ عريضة واسعة. أتت لتشملَ كلَّ الناس، مما يؤهلهم بعد ذلك أن يسعَوا بدورهم لتقديم ما لديهم حسب مهاراتِهم وتخصصاتهم ضمن هذه الشبكة المثلى.

    الإنسان كما قلنا هو عنصرٌ من عناصر الحضارة ... اهتمَّ القرآنُ بالإنسانِ ما لم يهتمَّ بكائنٍ آخرَ فنزلت أولُ آيةٍ على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم: تشرح له أصلَ وجودِه: { اِقرأ باسمِ ربك الذي خلق خلق الإنسانَ من علق } ... وخاطبَ القرآنُ الناسَ جميعاً بقصةِ نشأتِهم فوقَ هذه الأرض، وكيف خلقَ اللهُ أباهم آدمَ عليه السلام، ومنزلته بين سائر مخلوقاته. والتكريمُ الذي حصل عليه حتى على ملائكته ...

    والواقع لدى التأملِ في هويةِ الإنسان وكيف أتت في ديننا، وبالتالي رُبيَ عليها الفردُ المسلم ونمّيَ ذاتياً على أساسها هو أمام صورتين ... صورةٍ تشدُّه إلى الأعلى ... وصورةٍ تشدُّه إلى الأسفل؛ كأن تشجع المدرسة الطالبَ للتفوق ... وبالوقت ذاته تتوعدُه على تقصيره ... الصورةُ الأولى، بل الحقيقة الأولى أن يركز البيانُ الإلهي في القرآنِ بأساليبَ شتى على أن الإنسانَ مخلوقٌ تافه، أصله الأولُ من تراب؛ قال تعالى: { فإنا خلقناكم من تراب }، وأصله الثاني بالتوالد؛ قال تعالى عنه: { ثم من نطفة }، بل أكثر من ذلك يقول تعالى: { من ماء مهين } ... { فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماءٍ دافق يخرج من بين الصلب والترائب } ...

    ويقول أيضاً: { قتل الإنسانُ ما أكفره من أي شيءٍ خلقه من نطفة خلقه فقدّره ثم السبيلَ يسره } ...

    { إنا خلقنا الإنسانَ من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه ... فجعلناه سميعاً بصيراً } ...
    ثم وإن طالت به الحياةُ سيعودُ إلى أرذلِ العمُر { لكي لا يعلمَ بعد علمٍ شيئاً } ...
    فإن أيَّ متأملٍ لتعريف الهويةِ لتعريف الذات ..... يذل ويطامن ... وينمحي منه الكِبرُ والشموخ والأنفة ... بل على العكس ... لن يعاند ... لن يخاصم ... هذا علاوة على عدم وقوعِه في شركِ التخمينات وإضاعةِ الوقت بها فيما يتعلق بنشأته ... وبنظرياتٍ ما أنزل اللهُ بها من سلطان ... لا تغني عن الحق شيئاً، ثم يضعه أمامَ حقيقتِه الثابتة التي ذكرناها سابقاً في الحلقات الماضية ... بأنه المخلوقُ المكرّم على سائر المخلوقات ... وأن اللهَ أسجدَ إليه ملائكتَه ... متمثلاً في شخص أبيه آدم عليه السلام ... وقد شرّفه الله بالخلافةِ ليقومَ ببنيان الحضارةِ على أسسِ العدالة ...


    وقلنا أنه الكائن الوحيدُ الذي شرّفه الله بالعقل والتفكيرِ والقدرة على إدارةِ الأمور قال تعالى: { وعلم آدمَ الأسماءَ كلها }، نعم علمه الله كلَّ الأسماء { ثم عرضهم على الملائكةِ فقال أنبئوني بأسماءِ هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم }، وقال تعالى: { علم الإنسان ما لم يعلم } ... وقال أيضاً { ولقد كرّمنا بني آدم } ... وقال أيضاً: { وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً } إذن ... فالله عزّ وجلّ عرّف الإنسانَ بقصةِ نشأته وأعلمه أنه مخلوقٌ تافه من حيث النشأة، قال تعالى: { هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً } ...

    فهو لا شيءَ بالنسبة حتى لوجودِه من ماءٍ مهين ... من تراب ... من طين لازب ... ثم عرّفه بأنه قد نفخَ فيه من روحه وأعلن أنه كرّمه ... ثم جمع بين الأمرين في قوله: { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم .... ثم رددناه أسفل سافلين ... إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } ... إلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



  2. #2
    موقوف
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    292
    معدل تقييم المستوى
    0

    Smile الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 19

    الحمد لله رب العالمين ... وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...



    فهذه الحلقة التاسعة عشر من برنامجكم: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد قلنا في الحلقة الماضية أن الإنسانَ في ذاتِه عبد مملوك لله تعالى خُلق من ضَعف، وينتهي إلى ضعف ... ولكنه نظراً للرسالةِ التي حمّله الله إياها يتمتعُ بصفاتٍ نادرة خصّه اللهُ بها...

    وعن ذلك قال تعالى: { إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً } ... أورث الله الإنسانَ العقلَ والتفكير، وسخّر له كثيراً من الحيوانات والمخلوقات ... وغرس في كيانه حبَّ الذات ... والأنانية ... حبَّ التملك ... حريةَ اختيار الأشياء ... زوده بالطاقة والقوة ... والتخطيطِ والترتيب ... والقدرةِ على اتخاذِ القرار بعكس ما تقتضيه الغريزة ... وهذا أمر لا يتوفر في باقي المخلوقات ... والواقعُ أن هذه الصفاتِ التي تمتعُ بها الإنسانُ هي فيوضاتٌ من صفاتِ الربوبية ... أنعم الله بها على الإنسان ... ليستعينَ بها على القيام بمهمته ... هذه المهمةُ هي في قوله تعالى: { هو أنشأكم من الأرضِ واستعمركم فيها } ...
    وحاصل هذه التبصرةِ والرؤية عن عنصر الحضارةِ الأبرز (الإنسان)؛ أن الإنسانَ الذي يعيشُ وهو لا يدركُ إلا ضعفَه وعجزَه وتفاهته وهوانَه، وهو أنه ... مع مرورِ الوقتِ يركنُ إلى الضعفِ والذل والهوان ... ويكون ضحيةً لأي طغيان ... ويستخفُ به الناس ... وتراهُ لا يعرف كيف ينقلُ نفسَه من حالِ ذلها هذا ... ذلك لأنه يعيش فيه ... في داخلِه ... وتراه عاجزاً ... عن القيامِ بأي خدمةٍ إنسانية ... وعاجزاً عن القيامِ بأي بنيانٍ حضاري ... يعيش على هامشِ الحياة ... وأيضاً من عاش ... وهو لا يعرفُ من ذاتِه إلا صفاتِ التكريمِ التي في كيانه ... وما يعطيه الحقَّ بأن يبسطَ نفوذه وسلطانَه على كل ما حوله وما دونه ... حريٌّ به أن يسكرَ بنشوة تلك الصفاتِ التي هي فيوضاتٌ من صفاتِ الربوبية ... ثم يبسطَ قهرَ ربوبيته الزائفة على سائر المستضعفين ... وهنا يكمنُ التطرُفُ في حالة الإنسانِ الأول ... إلى الذلِّ والمهانة ... والخضوعِ، وفي حالة الإنسانِ الثاني إلى الصلفِ والتجبُّر. وانطلقتِ القصةُ كلها من أنه لم يفهمْ هويتَه بشطرَيها الأرضي والعلوي ... وبالتالي لن يعيَ مهمته الحضارية الملقاةَ على عاتقه ... ونلاحظُ أن القَصصَ القرآني كثيراً ما ذكر هذه الحالة الإنسانية ... قال معبراً عن حالةِ فِرعونَ وكبْرِه وحالِ قومه معه: { فاستخفَّ قومَه فأطاعوه } ... فهو يرسمُ صورةً لاستخفافِ فرعونَ بالناسِ وتكبرِه عليهم ... وذلك لشعوره بتكريمِه ... وعدم الانتباهِ للشطرِ الأول من حقيقتِه التي تتمثلُ بتفاهته وضعفِه ... وكذلك قومُه يرسمون صورةً أخرى أطاعوه من خلالها ... هي استشعارُهم لحقيقةِ ضعفهم ومهانتهم ... وعدم انتباهِهم للشطر الثاني من حقيقتهم التي تتمثلُ بتكريمِ الإنسان ... وفيوضاتِ صفات الربوبية التي متّعه الله بشيءٍ منها ... فما فسدت هذه الأرضُ يوماً بسببِ كوارثَ طبيعيةٍ ... ولا بسوءٍ ألمَّ بها من هياجِ الحيواناتِ والوحوش ... وإنما استشرى بها الفساد ... يوم تاه بنو آدم عن هويتهم بشقّيها ... فتألّه الأقوياء ... وذلَّ الضعفاء ... وخرج بذلك كل فريقٍ عن حدودِ إنسانيته، الأول نحو التعالي والتجبرِ على الأرض ... والعتوِّ والطغيان ... والثاني نحو الخنوعِ والخضوع وتقبلِ الهوان ... فتقطعت سبلُ التعاون ... وظهرتِ الحروب ... وكثرتِ الضغائنُ بين الناس ... وكثرَ الحسدُ والحقد وهكذا دائماً في الماضي ...

    والحاضر ... وفي المستقبل ... في الغرب ... والشرق ... وفي الشمال والجنوب ... هكذا دائماً هي قصةُ الفساد ... يتعددُ شكلُ الفسادِ ويتنوّع ... إلا أن جذورَه هي هذا الضياعُ عن الهوية ... إذن أول تنميةٍ بشرية كانت للجيلِ الذي بنى وأسس للحضارةِ الإسلامية ... كانت تعريفَه بهويته، وإلى اللقاء في الخلقة القادمة إن شاء الله تعالى، واسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3048



  3. #3
    موقوف
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    292
    معدل تقييم المستوى
    0

    Smile الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 20

    الحمد لله وحده ... والصلاة والسلام على من لانبي بعده ... وعلى كل مؤمن اتبع هديَه. أعزائي المستمعين ... إخوتي وأخواتي ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...



    فهذه الحلقة العشرون من حلقات برنامجكم: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد شرحنا في المرةِ الماضية كيف عرّف القرآنُ الكريم الإنسانَ بهويتِه ... كيف كانت تنميتُه الفكرية المعرفية عن الإنسانِ وهويته .... ولننتقلِ اليوم إلى تعريفِ العنصر الثاني من عناصرِ الحضارة، وهو الحياة ... والتي نعبّر عنها عادةً بالعمُر ... ومن المعلوم أن أشدَّ ما يتعلق به الإنسانُ من دنياه إنما هو عمرُه ... أي حياته التي يتعلق بها ... والإنسانُ يعمل ويكدحُ في سبيلِ رزقٍ أو بناءِ دارٍ أو من أجلِ كساء ... أو التلذذِ بطعام ... كلُّ ذلك يعدّ سبباً للعناية بعمرِه وحياتِه ... بغية أن يبقيَ على حياته أكبرَ قدرٍ ممكن ... قال تعالى: { وجاءت سكرةُ الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد }...



    والواقع أن الحياةَ أقدسُ رأسِ مالٍ يملكه الإنسانُ على الإطلاق ... فالغريزة منطبعة على حبِّ البقاءِ في أصل النفس الإنسانية ... وخلقَ الله الحركاتِ المنعكسة اللاإرادية لتأمينِ المزيدِ من الحمايةِ للحياة الإنسانية كالحركة الانعكاسية التي تعملُ بدون أي قصد ... فعرّف القرآنُ الإنسانَ على حقيقةِ العمرِ الذي يتمتعُ به من حيث البدايةُ والنهاية ... والأحداث التي تنتظر الإنسانَ بعد الحياة ... فبعد جوهرِ الإنسان يأتي أهمية الحياةِ أو العمر الذي هو رأسُ مال الإنسان، قال تعالى: { إنما الحياة الدنيا لعبٌ ولهو ... وزينة وتفاخر بينكم ... وتكاثرٌ في الأموال والأولاد } ... ويقول أيضاً: { لا يغرّنك تقلبُ الذين كفروا في البلاد متاعٌ قليل ثم مأواهم جهنمُ وبئس المهاد }، ويقول أيضاً: { قل متاع الدنيا قليل والآخرة خيرٌ لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً }، ويقول أيضاً: { ولكم في الأرضِ مستقرٌّ ومتاع إلى حين }.



    فيسلط الضوءَ كثيراً عن تفاهةِ هذه الحياة الدنيا ... وصغرِها وقصر طولِها، يقول تعالى: { ويوم يحشرهم كأنْ لم يلبثوا إلا ساعة من نهار }، ويقول تعالى: { كلا بل تحبون العاجلة } ... كل ذلك تعريفٌ على تفاهةِ هذه الدنيا ... وقصرها ... ولو بقي القرآنُ لا يذكرُ إلا هذا الجانبَ من الحياةِ الإنسانية ... ولا يعترفُ إلا بهذا الجزء منها ... لكان الإنسانُ لا يقيم وزناً لحياته ... ولا يهتم بساعاتِ عمرِه ... الذي يمر به، ولكان الإنسانُ لا يرعى حياتَه ... مادامت بهذه التفاهة ... وربما فكّر بإنهائها والخلاصِ منها ... وربما قال ما ينتجُ عن التافه من الأمور هو تافهٌ أيضاً ... لكنِ القرآنُ لم يقتصرْ على هذا الجانب، بل عرّف الحياة الإنسانية: { من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناسَ جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً }، وقال أيضاً: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة }، وقال أيضاً: { من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينَّه حياة طيبة } ... وقال أيضاً: { ولكم في القصاصِ حياةٌ يا أولي الألباب }، { ولا تنس نصيبَك من الدنيا وأحسنْ كما أحسن الله إليك } ... بل أكثر من ذلك، فقد رخّصَ الله للإنسانِ للحفاظِ على حياته عند الإكراه ولو أدّى به أن ينطقَ كلمة الكفر: ( ... إلا من أكره وقلبُه مطمئنٌ بالإيمان } ... وحذّره بأن يزهقَ روحه مهما كانت المخاطرُ والبلاءات التي به، ولا يجوز له أن يقدِم على الافتخار ... كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم.



    والحقيقة أن المعنى الأول ... الذي يشيرُ إلى قصرِ الحياةِ وتفاهتها هو الذي ينبِّه إلى المعنى الثاني ... أن الحياة هي رأسُ ماله الذي عليه استثمارُه، وأن معنى الحياةِ الطيبة هو الذي ينبهُه لكي لا ينفرَ منها ولا يتعلقَ بها ... فلو لم يعرّفِ الإنسانَ ضالةَ الحياة التي يمرُّ بها لما أفادَه شيئاً علمه بأنه رأسُ مالٍ عظيم متّع اللهُ به الإنسان ... ولو لم يفهمْ أيضاً معنى القدسيةِ فيها وحرفتَها لما فهمَ من معاني تفاهتِها سوى التخلصِ منها لأي ضيقٍ يصيبُه أو محنةٍ تنزلُ به، وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3049



  4. #4
    مشرف عام المدربون المعتمدون
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    الدولة
    سوريا
    المشاركات
    229
    معدل تقييم المستوى
    15

    Smile الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 21

    الحمد لله رب العالمين حمداً طيباً مباركاً فيه ... ملء السموات وملء الأرضين ... والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...



    فهذه الحلقة الحادية والعشرون من حلقات برنامجكم: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد ذكرنا في الحلقة الماضية أن تعريف القرآنِ التنموي لحقيقة هذه الحياة ... ولجناحَي هذه الحقيقة ... أن الحياةَ تافهة قصيرة ... وبنفسِ الوقت هي رأسُ ماله الذي يقدِم بها غداً على الله تعالى ... فكان من نتيجةِ هذه الرؤية المتكاملة ... لا المتشاكسةِ كما يظن الناظرُ بشكل سطحي ... كان من نتيجة ذلك أن رسم من تلقَوا هذه التنمية واصطبغوا بها من الرعيل الأول ... رسموا حضارة إنسانية مثلى ... الخنساء شاعرة من شعراءِ العرب منذ الجاهليةِ قبل الإسلام، فراحت تملؤ الدنيا صراخاً وعويلاً ونحيباً لفقدها أخيها ... وراحت تندبُ وتحزن عليه وحدّثت نفسَها بالانتحارِ، وقالت:

    ولولا كثرةُ الباكين حولي على إخوانهم لقتلتُ نفسي



    فلما شرّفها الله بالإسلام ... وأقبلتْ إلى القرآنِ تُصغي ... وتتعرّف على حقيقةِ الدنيا بشطريها كما قلنا، وأنها معبَرٌ لمستقر ... وكان لها أربعة أبناء ... فلما كانت حربُ القادسية ... دفعتْ بهم جميعاً إلى المعركةِ وقالت لهم توصيهم: ( يا بَنيَّ ! إنكم أسلمتم اللهَ طائعين، وهاجرتم مختارين، واللهِ الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجلٍ واحد وامرأةٍ واحدة، ما خنتُ أباكم ولا فضحت خالكم، وقد تعلمون ما أعدّ الله للمجاهدين، امضوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين ) .... وبعد أنِ انجلت غبارُ المعركة؛ جاءها النبأ بمقتل واستشهادِ أبنائها الأربعة ... فكيف استقبلتِ الخبر ؟!! تلك التي ملأتِ الدنيا عويلاً على مقتلِ أخيها صخر .... لم تزد على قولها: ( الحمد لله الذي شرّفني بقتلهم جميعاً، وأرجو اللهَ أن يجمعني بهم في مستقر رحمته ) .... وهكذا كان حالُ جميعِ الذين ضحَّوا بحياتهم من أجل المثل القدسية العليا ... وهذا سر اللغز في الفتح واستبسال المسلمين فيها ... فاستبسال المسلمين في القتال من أجل الهدف الأكبر الذي تم اليقين به ... على حين أن مصدر استبسال عدوهم ... لم يكن إلا حرصهم على تلك الحياة وشدة تعلقهم بها .... والخوف على ما استمرؤوه من نعيمها ولذائذها ... وشتان بين من يقاتل مستهينا بالحياة وما فيها ... ومن يقاتل متعلقا بالحياة ومتاعها وهكذا تمت تنمية ذلك الجيل ...



    بدؤوا بداية فصححوا مفاهيمهم المغلوطة عن معنى الحياة الدنيا ... بعد أن صححوا مفهومهم حول ذواتهم ...وبدؤوا يتعاملون مع هذه المفاهيم على وهم ... كما قال تعالى عن أولئك الذين لم يعوا هذه الحقائق ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا)... صورة مقابلة أخرى في حالة أخرى واحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه عمران بن حصين رضي الله عنه ... أصاب هذا الصحابي مرض ألزمه الفراش اثنين وثلاثين سنة... وأي فراش إنه قد اضطجع لمرض الم به في ظهره على سرير من سعف النخيل ... جريد النخل... ضجعة واحدة اثنين وثلاثين سنة لا يتحرك قبيل وفاته دخل عليه أخوه العلاء ...فبكى العلاء فبكى العلاء عندما رأى أخاه عمران... فقال عمران المريض المصاب للعلاء ما الذي يبكيك يا أخي ... قال هذه الحالة التي أنت عليها منذ أكثر من ثرثين سنة ... وقد أصبح مهزولا ضعيفا مجموعة عظام يغطيها الجلد... فأجابه عمران ... إن أحبه إلى الله أحبه إلي أليس الله هو الذي اختار لي هذه الحالة ... إذن أنا صابر بل أنا شاكر لم يكن ضجرا من هذه الحياة التي يحياها ... لم يكن مكتئبا بل قال (إن أحبه إلى الله أحبه إلي) ... ما الذي يجعل عمران بن حصين يضن بحياته ... يصبر رغم كل الصعوبات ... فهمه لحقيقة الحياة ... الخنساء تضحي بحياة أولادها الأربعة ... وعمران يعانق الحياة كأنه شاب في ريعان شبابه ... هذا ما يورثه فهمهم للحياة الدنيا ... حقا الدنيا مزرعة الآخرة أو كما قال صلى الله عليه وسلم ... وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


    http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3051



  5. #5
    مشرف عام المدربون المعتمدون
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    الدولة
    سوريا
    المشاركات
    229
    معدل تقييم المستوى
    15

    Smile الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 22

    الحمد لله رب الأرض والسما ... والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى ... وأخصّ منهم سيدَنا محمداً وآله وصحبه أجمعين. إخوتي وأخواتي ... أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...



    فهذه الحلقة الثانية والعشرون من حلقات برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... بعد أن تكلمنا عن عنصرّي الحضارة (الإنسانِ والحياة)، بقي أن نتكلمَ عن العنصرِ الثالث المكوِّن للحضارة، وهو الكون من حولنا ... فنجدُ أن القرآنَ الكريم يعرّفنا على هذا العنصرِ الأخير بحديث من أربعة جوانبَ أساسية: أولُ هذه الجوانبِ التي يربّي وينمّي القرآنُ الإنسانَ على حقيقتها أنها لسانٌ ناطق، وبيانٌ قاطع ... ينادي كلَّ من يفهمُه ... وينادي كلَّ ذي عقلٍ وفكر ... أنّ هذه المكوناتِ من حولنا من صنعِ صانع ... وتدبيرِ مدبِّر ... فهو عنوانٌ بارزٌ واضح ... على وجودِ هذا الخالقِ والصانع ووحدانيته، وكمال صفاته ... لأنك أخي المستمع عندما تتأملُ في هذه المظاهرِ الكونية تجدُها منطويةً على أبرزِ مظاهرِ الحكمةِ في الابداع ... ابتداءً من أصغرِ مخلوق ... إلى الأجرامِ السماوية العملاقةِ الكبيرة ... من الذرةِ وحتى الأفلاك ... في النبات ... وأسرارِه ... وعالمِ الحيوان وعجائبِه ... وعالمِ البحار وغرائبِه ... في الجبال ... في الوديان ... { قل انظروا ما في السمواتِ والأرض } ...


    وقال تعالى: (أوَلم يرَ الذين كفروا أن السمواتِ والأرضَ كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماءِ كلَّ شيءٍ حي أفلا يؤمنون وجعلنا في الأرضِ رواسي أن تميدَ بهم وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً لعلهم يهتدون } ... وقال أيضاً: { وهو الذي خلقَ الليلَ والنهار والشمسَ والقمر كلٌّ في فلك يسبحون } ... وقال أيضاً: ( إن الله فالقُ الحبِّ والنوى يخرج الحيَّ من الميت ومخرجُ الميتِ من الحي ذلكم الله فأنّى تؤفكون، فالقُ الإصباح وجعل الليلَ سكناً والشمسَ والقمر حسباناً } ... والكثرَ الكثير من الآيات ... والتي تدل على أن هذه الآياتِ التي تتحدث عن هذه المظاهرِ الكونية تأتي في سياقِ الاستدلال على وجودِ خالق هذا الكون جل جلاله، ونحن نلاحظ أنه لا بد من هذا التأملِ، وهذا التبصرِ بما حول الإنسان من آياتٍ كونية ... لتورثَ يقيناً وإيماناً بوجودِ خالقِ هذا الكونِ ومدبرِه جل وعلا، وهذه الخطوةُ الأولى الضرورية إحداثُ أولِ خطواتِ التنمية الإنسانية الرشيدة؛ بغيةَ تكوينِ الأسرةِ الإنسانية السليمة ... أو ـ إن شئت ـ قيامِ الحضارة الإنسانيةِ المثلى ... فمن دون هذه الخطوةِ الأساسية التي تعدُّ بالنسبة إلى ما يليها بمثابةِ الجذورِ من الشجرة، لا يستقيم شيءٌ من الخطواتِ أو المراحلِ التالية على أي نهجٍ مفيد .. إذ من الطبيعي أن الإنسان لن يلقيَ أذناً صاغية إلى التعليماتِ التي يتلقاها عن هويته وحقيقة العمرِ الذي يحياه ... وكيفيةِ استفادتِه من المكوَّناتِ التي حوله على الوجه الصحيح ... إلا إذا وقرَ في عقله ولبِّه أن الذي يصدِر إليه هذه التعليماتِ وهذه الأوامرَ إنما هو خالقُ هذا الكونِ كله ... ربُّ العالمين الواحدُ الأحد ... من له صفاتُ الكمالِ كلها ... ونلاحظ أن العميلةَ التنموية ... وإن شئت قلت: التربوية ... وإن شئت قلت: المعرفية ... وإن شئت قلت: الحضارية ... تنطلق مع انطلاقتِها الأولى التي تتمثلُ بالإيمانِ بالله تعالى القائمِ راسخاً في أعماق الإنسان ... والذي يأتي بعد محاكماتٍ ذهنية منطقية، وإزالةٍ لكافة الشكوك ... ولكل بيئةٍ إشكالاتُها وشكوكها، وقديماً قال ذلك الأعرابي في ذلك السياق: ( البعرةُ تدلُ على البعير ... والأثرُ يدل على المسير ... لسماءٌ ذاتُ أبراج ... وأرضٌ ذات فجاج ... ألا تدل على الصانعِ الخبير ؟!! )، ولقد بيّن القرآنُ مصرحاً بأن الإيمانَ بالله تعالى وما يتبعُه من عقائدَ لا يمكن أن يبنى إلا على أساسٍ من الحرية الشخصية ... والتفكير والدراسة التي لا يمكن أن تنشأ في مناخٍ لا تسود فيه الحريةُ الفكرية والشخصية، فقد قال تعالى: { لا إكراهَ في الدين قد تبيّن الرشدُ من الغَي } ... وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


    http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3054



  6. #6
    موقوف
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    292
    معدل تقييم المستوى
    0

    Cool الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 23

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله حمداً طيباً مباركاً ... كما ينبغي لجلال ربنا وجمالِه وكماله ... وكما يحب ربنا ويرضى ... وأفضلُ الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...

    فهذه هي الحلقة الثالثة والعشرون من حلقات برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد وصلنا في كلامنا عن العنصرِ الأخير من عناصر الحضارة، وهو الكون, وقلنا أن القرآن ... قد سلّط الضوءَ على أربعةِ جوانبَ من الكون؛ أولها: أن مظاهرَ المكوَّنات تدل على المكوِّنِ ووحدانيته واتصافِه بصفاتِ الكمال.

    وسنشرح اليوم الجانبَ الثاني من المعرفةِ القرآنية عن الكون ... وهو يلي مباشرةً الجانبَ الأول في الأهميةِ والتريُّث؛ وهو أن القرآنَ ينبِّهُ الإنسانَ أن جُلَّ ما يراه من حولِه من أشياءٍ ومخلوقاتٍ ومظاهرَ كونيةٍ ...إنما هو مسخّرٌ من قبَلِ اللهِ عز وجل ... لخدمةِ الإنسان ... وتدبيرِ أسباب عيشِه ... وتحقيقِ شروط رفاهيته وأمنِه ... وعلى الإنسانِ أن يُعمِلَ فكرَه وعقله للبحثِ والنظرِ فيها ... وهذه المكوَّنات والمخلوقاتُ خاضعةٌ للتأمُّلِ والبحث ... بل أكثرُ من ذلك هو مكلفٌ بالتأملِ والبحث فيها ... ويلفت نظرَ الإنسانِ إلى أن أكثرَ هذه المظاهرِ الكونية خاضعٌ للتطويرِ والتحوير حسبَ ما يقتضيه السيرُ مع مصلحةِ الإنسان ... إذا ما اتجه الإنسانُ بما أوتيَ من فكرٍ وقدرات إلى ذلك ...

    لنتأملْ في هذه الآيات: { ألم ترَوا أن اللهَ سخّر لكم ما في السمواتِ وما في الأرض وأسبغَ عليكم نعمَه ظاهرة وباطنة ومن الناسِ من يجادل في الله بغيرِ علم ولا هدى ولا كتابٍ منير }، ولنلاحظْ عبارة: ( سخّر لكم ) ... ويقول تعالى أيضاً: { هو الذي أنزلَ من السماءِ ماءً لكم منه شرابٌ ومنه شجرٌ فيه تسيمون يُنبت لكم به الزرعَ والزيتون والنخيلَ والأعناب ومن كلِّ الثمرات إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون }، ويقول تعالى أيضاً: { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً } ... ذللناها لكم ... مكناكم ... سخرنا لكم ... كلماتٌ تدل على الخضوعِ والخدمة ... هذا يدلنا على أن اللهَ تعالى قد أخضعَ الكونَ وسخره لخدمةِ الإنسان ... نظامُ الأفلاكِ وحركتها ... نظامُ الكواكب ... الأرضُ ودورانُها ... السحبُ وأمطارُها ... المياه ... البحار ... الدواب ... الأنعام ... الرياح ... النبات ... الأشجار .... حتى تصلَ نقطةُ الماء هذه ... صافيةً عذبة ليتذوقَها الإنسان ... حياةٌ آمنة ... نظامُ الإمطار ... الشمسُ وأشعتها ... القمر ... نظام المدِّ والجزر ...

    نعم الأمرُ واضح ... أذلَّ الله هذه المكوَّناتِ لخدمة الإنسان ... ومكّن الإنسانَ من معرفةِ هذه الأنظمةِ التي تعملُ بموجبِها ... والأكثرُ أن الله قد مكّن الإنسانَ من الدخولِ إلى نظامِ عملها للتحكمِ بها وتطويرِ عملها ... واستخراجِ الجديد من وجوه الفائدةِ منها ... وهذا واضح. أما التمكينُ فهو يدلُّ على التحكمِ أكثر، واستغلالِه على الوجهِ الذي يريد ... والآياتُ تدل بشكلٍ واضح جلي على أن الله تعالى أخضعَ هذه المكوَّنات لكلا القدرتين: (العضلية والفكرية) في الإنسان ... أذلها لكثيرٍ من آمالِه ومطامحه ... تجدُ البغالَ والأبقار بل حتى السباعِ الخطيرة ... التي تفوق قدرتَها وطاقتها ومع ذلك تنقاد لطفلٍ صغير ... وهنا بشكل واضحٍ يبيّن لنا اللهُ تعالى أن هذه المكوَّناتِ المختلفةَ ليست إلا خدماً وحشماً له. فهي تنتظر إشارتَه وتسعى في خدمتِه ورعايته ... فقد تميّز عنها بالعقل والعلومِ التي هي تحت سلطانه ... مما يجعله يبدّد عنه آثارَ أيِّ وَحشةٍ أو ظلام، وبهذا نعلم أن العلاقةَ ما بين الإنسانِ وهذه المكوَّناتِ لم تكن يوماً ما علاقةَ تحدٍّ وصراع ... لا في الماضي ولا في الحاضر ... ولا عبر التاريخ ... وما كان الإنسانُ في يومٍ من الأيامِ في حالةِ صراعٍ مع هذه المكوَّنات ... بل كلُّها مسخرةٌ له ولخدمته بواسطة أسبابِ العلم والمعرفة ... وإلى اللقاء في الحلقة القادمة، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.



  7. #7
    موقوف
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    292
    معدل تقييم المستوى
    0

    Smile الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 24

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ... حمد الشاكرين العارفين ... والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه. أعزائي المستمعين ... إخوتي وأخواتي ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...


    فهذه هي الحلقة الرابعة والعشرون من حلقات برنامجكم: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد قلنا في تعريف العنصر الثالث من عناصر الحضارة ( الكون ): أن هذا الكون يدلك بمظاهره ودقائقِ تفصيله على خالقِه العظيمِ الواحد، وأن هذا الكونَ مسخرٌ للإنسانِ وخدمته وحاجياته، ومع ذلك فإن القرأنَ استثنى طائفةً من الظواهرِ والأنظمة الكونية من عمومِ هذا التسخير للإنسان ... وأكد لنا القرآنُ أن هذه الطائفةَ مستثناةٌ وباقية عصيةً على أي تبديلٍ وتغيير ... فهي لا تدخلُ ضمن ما سخّره الله للإنسان ... وأذله له ... وأخضعه لإمكاناتِه الفكرية أو قدراتِه العضلية ... من هذه المظاهرِ الكونية الموتُ الذي جعله الله قضاءً مبرماً في حق كلِّ من دخل في عالم الأحياء ... فليست هناك أيُّ سبيل للتحررِ منه، والقضاءِ عليه مهما كانت الوسائلُ والأسباب ... وليس من سبيلٍ لصرفِ الموت على من نزل بساحته ... وليس هناك أيُّ تصورٍ لنجاةِ الإنسانِ من الموت، بل هو مدركُه لا محالة ... يقول تعالى: { أينما تكونوا يدرككمُ الموتُ ولو كنتم في بروجٍ مشيدة }.

    ومن هذه المظاهرِ الكونية التي هي عصية على التغيير؛ الضَّعف الذي يمرُّ بالإنسان ثم إلى القوة ثم إلى ضعفٍ وشيبة ...هذا قانونٌ لا يتغير: { الله الذي خلقكم من ضَعف ثم جعل من بعد ضَعف قوةً ثم جعل من بعد قوةٍ ضعفاً وشيبة }.

    من ذلك أيضاً التنكيسُ في الخَلق: { ومن نعمِّرْه ننكِّسْه في الخلقِ أفلا يعقلون }، وأيضاً من ذلك حركةُ الأفلاك: { لا الشمسُ ينبغي لها ان تدركَ القمر ولا الليلُ سابقُ النهارِ وكل في فلك يسبحون } ... ثم أوضحَ القرآنُ أن التطويرَ والتبديل والتغييرَ يخضعُ لقانونٍ عام يخدمُ مصلحةَ الإنسان، فهناك انسجامٌ بين المتغيراتِ والثوابت، والمتغيراتُ تدور في ساحةِ النظام العام الثابت ... فهذا البيانُ الإلهي ... القرآنُ يدل الإنسانَ على ما لا يمكن محاولة تغييره ... ولا فائدةَ في إضاعة الوقتِ بمحاولة تطويره ... وزحزحته ... ويعرضه على المتغيراتِ التي أخضعها الله تعالى لقدراتِ الإنسان وعلمِه ... ووجودِ الحيلة لديه لذلك ... كي لا يضيعَ عمرَه سدىً دون موجِب ... ولا يذهبَ جَهدُه سدى ... لا يعني هذا أن نغلقَ معاهدَ البحث ... وعن حرمة القيامِ بالدراساتِ والمحاولات العلمية والبحثية ... بل العكس ... عليهم أن يبحثوا ويجربوا ليزدادوا بالنتيجة يقيناً فوق اليقين ... وإيماناً فوق الإيمان ... فإذا عرف الإنسانُ ذلك أيقن أكثر ... ولنا في إبراهيمَ عليه السلام أسوة: { قال ربي كيف تحي الموتى قال أولم تؤمنْ قال بلى ولكن ليطمئنَ قلبي } ... فأراه الله كيفيةَ إحياءِ الموتى ليزدادَ يقيناً، فإذا عرَف الإنسانُ ذلك، وعرف أن هذه المكوَّناتِ مسخرةٌ لخدمته، يبدأ القرآن فينبهُه إلى حقيقةِ قيمتِها وإلى مدى أهميتِها، ويحذِّرُه من أن ينخدعَ بهذه المظاهرِ الكونية ... فيضعُها فوق مرتبته الحقيقية أو دونها على حد سواء ... لا فوق مرتبتها ... ولا دون مرتبتها ... فيعرفُ هذا الذي تستهويه الأعين ... وتتلذذُ به النفس ... سراباً باطلاً ... وظلاً زائلاً ... وخيالاً عابراً ... وأنه يشبه الرؤيا التي يراها النائم ... [ الناس قيامٌ فإذا ناموا انتبهوا ] ...

    يقول تعالى: { زينَ للناسِ حبُّ الشهواتِ من النساءِ والبنينَ والقناطير المقنطرة من الذهبِ والفضة ... }، ثم يقول: { قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقَوا عند ربهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهرة ورضوانٌ من الله }، { قل متاعُ الدنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً }، ويقول تعالى أيضاً { المالُ والبنونَ زينةُ الحياةَ الدنيا والباقياتُ الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً } ... وهنا يجدُ الإنسان نفسَه إلى ضرورة نبذ الدنيا ... وعليه أن ينفُضَ يديه منها لكن ... سنتابع لكن هذه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178