الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، وبعد أيها القارئ الكريم فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . ثم لا يخفاك أن العهد والميثاق قد أُخذ من الله على الناس على أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وأن يجعلوا الحياة كلها محراباً لذكره وتوحيده والالتزام بشرعه ، وكان من مفردات ذلك الالتزام ، النصح لكل مسلم والتعاون على البر والتقوى وبيان الهدى للناس وتعليمهم الخير ، وما وظيفة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم إلا ذلك .
وقد استرعى انتباهي أثناء رحلة الحياة المحدودة مشكلة مستفحلة في حياة كثير من الناس ، وهذه المشكلة هي : تعطيل كثير من القوى والطاقات والإمكانات التي وهبها الله للإنسان مما يؤدي إلى أن يصبح الإنسان حينئذٍ كلاً كما وصفه القرآن أينما توجه لا يأت بخير . أو يسيء الإنسان استخدام هذه القوى والطاقات فتقل فاعليته وأثره في الحياة ، وتنبت المشكلات في دروبه وطريقه ، ويقل إنتاجه وعطاؤه ، ويكاد أن يتلاشى إبداعه في الحياة ، ويصبح أسير نمطية قاتلة لكل عطاء وتطور يُستهلك ، ويدور في جزئيات المعيشة ، ويغرق في جداولها ، وتتشعب به دروبها ، تذهب نفسه حسرات على توافه الأمور ، وينشغل هماً دائماً بنمطية قاتلة .
والسبب في ذلك كله تعطيل ما وهبه الله من نعم أو عدم الاهتداء إلى الاستخدام الأمثل لهذه النعم فإذا تعطل الأفراد بهذه الصورة المذكورة تحولت الأمة إلى مجموعة من الفارغين أو المرضى أو في أحسن الأحوال إلى مجموعة من التقليديين الذين تستهلكهم حياتهم طاقاتهم دون أن يضيفوا إلى الحياة جديدة أو يرفعوا بعلمهم رأساً ، فتفقد الأمة دورها وريادتها وشهودها الذي كلفها به الوحي وتسلم زمام الركب لغيرها من أمم الأرض ، فيتخذ الناس رؤساء جهالاً فيضلوا ويضلوا . وهذا هو الذي تعاني منه البشرية اليوم حين تحول المسلم عبر القرون إلى إنسان عادي غير مؤهل للرقي بنفسه وبالناس من حوله فتحولت الأمة إلى العيش على جانب الطريق تنظر في السائرين ولا تشارك في السير بعد أن كانت تقود القافلة .
فتصدى لقيادة ركب البشرية حينئذٍ الغرب وهم أمة جاهلة بوظيفة الإنسان ودوره المناط به في الحياة جاهلة بحقيقة هذا الكون والعلاقة القائمة بينه وبدايته ونهايته وغاية وجوده . جاهلة بعالم الغيب وما فيه ، فأصبحت أمة تقود جانباً من الإنسان على حساب الجانب الآخر وتنظر إليه بعين واحدة فضلت كما أخبر من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم . وأصدق الأسماء كما أخبر عليه الصلاة والسلام حارث وهمام ، فإنسان صاحب قدرة وإرادة زود بهما ليعمر الحياة ويقيم العدل والقسط في الأرض فيسعد ويسعد الآخرين .
فإن عطلهما فهو الكلّ ، وإن قصر في الاستفادة منهما فهو الكافر بنعمة ربه الغامط لها ، وإن أساء استخدامها فهو الفساد في الأرض لا غير . ولو تأملت لوجدت كثيراً من الناس يشكون مر الشكوى ويعانون من مشكلات الحياة ولو تريثوا قليلاً لوجدوا الحل منهم قريباً والمفتاح في نفوسهم كامناً .
أيها القارئ الكريم : من خلال التأمل في الحياة والاختلاط بالناس والسعي لمساعدتهم في حل مشكلاتهم ومعايشة كثير من عقبات الحياة والقراءة في بعض ما كتب في هذه المعاني وتسجيل بعض الشوارد في ذلك في أزمنة مختلفة أخرجت هذه الكلمات راجياً أن تساهم في مشكلة أو إزالة عقبة من طريق إنسان أو زيادة فاعلية أو تحريك راكد وإيقاظ راقد .
وهذه الأفكار ليست أكثر من فوائد استفيدت من قراءات أو تجارب حياتية واقعية حاولت أن أعرضها جميعاً – حسب الطاقة – على أنوار الوحي لينفي زيفها ويقر ما فيها من حق ، أو على صريح العقل الذي لا مرية فيه مستشعراً في كل ذلك سنن الله في الحياة التي أقام الله عليها أمر الوجود .
وهذه الأفكار المسطرة على وجازتها يُمكن أن يستفيد منها صاحب الفكرة والمبدأ وحامل الرسالة والقضية .
ويُمكن أن يستفيد منها الموظف رئيساً أو مرؤوساً .
ويُمكن أن يستفيد منها كل فرد في أسرة : زوج أو زوجة ، أب أو ابن .
ويُمكن أن يستفيد منها رجل الأعمال وصاحب المال والمفاوض والمحاور والمخطط ، ومن يخشى الإحباط واليأس أو أصابه البطر والكبر وغيرهم .
ولكن شرط ذلك كله أن تتحول الأفكار إلى عمل وأن تؤخذ بالتدرج وأن تنزل على مواضعها وتداوي بها عللها على الحقيقة ( وما النجاح إلا القوة والحق والعزيمة والثبات ، وما الفشل إلا الباطل والعجز وضعف الهِمَّة واضطراب الرأي ) .
وقد قسمتُ هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام هي : وقفات مع الذات لتطويرها وزيادة فاعليتها .
أنت والآخرون : نحو علاقات أفضل واتصال أكمل .
هل تسعى إلى النجاح في عملك ؟ .
وفي الختام هذا التصدير والبيان أسأل الله اللطيف الرحيم أن يستعملنا في طاعته ويوفقنا لرضاه وأن يجعلنا هداة مهتدين ، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
المفضلات