لمن هذا الدّليل؟
كتب هذا الدّليل لخطباء المساجد بشكل خاص، ولكل من له دور في توعية الناس وإرشادهم لترقية حياتهم، بتأدية واجباتهم، وأداء أماناتهم لينعموا بالسعادة في دنياهم، ويفوزوا بالنجاة في أخراهم، بالإيمان الصادق، والعلم النافع، والعمل الصالح، تصديقاً وامتثالاً لقوله تعالى:
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ (المجادلة:11).
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا (النّساء:58).
فالعلم أمانة، والعلماء ورثة الأنبياء، ينقلون الناس، على هدي الرسل واقتداءً بهم، من الجهل إلى العلم، ومن الشك وإلى اليقين ومن ضيق الدنيا إلى سعّة الدنيا والآخرة، يأمرون الناس بالمعروف بمعروف، وينهون عن المنكر بغير منكر، ويدعون إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة.
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (يوسف:108).
وخطباء المساجد من العلماء، وإدراكاً لمسؤوليتهم في بناء المُجتمع وإصلاحه، وتعزيزاً لدورهم في تعميق الشعور بالمسؤولية عند كافة المواطنين، وأولياء الأمور، تجاه أسرهم وأبنائهم وكل من هم في رعايتهم، يأتي هذا الدّليل على هذا الشكل الذي انتهى إليه بعد تمحيص ومراجعة ومشاورة.
فخطباء المساجد من أكثر الناس معرفة بالناس، واختلاطاً بعامتهم وخاصتهم، واطلاعاً على أحوالهم، وبصيرة بشؤونهم وهمومهم، وموطن أمانة لأسرارهم، ذلك أن خطباء المساجد من الناس وفيهم، يتلون عليهم آيات الله ويبصرونهم بسنة رسوله الكريم، وهم إذ يعتلون أكرم منبر في أشرف بيت، يَنظُر إليهم الناس، نظرة الثقة والاحترام، فيما يوجهونه إليهم من علم وعمل، وأخلاقٍ وعادات وأعراف مما يقره الشّرع الحكيم، ويدل عليه العقل السّليم.
ويتمثّل هذا الدور لخطباء المساجد، من خلال نوعين متلازمين من الإرشاد والتوجيه: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فهم على آثار الرسل مبشرون ومنذرون، والمعروف هو ما استحسنه العقل الراجح وأقره الشّرع الحكيم، والمنكر هو ما أنكره الشّرع واستقبحه العقل، المهتدي بالوحي والمستنير بالعلم، عقل الذين يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (آل عمران:191).
ولعل من أهم ما يمكن لخطيب المسجد أن يأمر به، من معروف، بعد توحيد الله في العقيدة والعبادة، وتقوى الله في الأمور كلها، هو توجيه الناس ودعوتهم إلى القيام بحق الرعاية لأسرهم، فالكل راع والكل مسؤول عن رعيته، ثم من بعد ذلك تنبيههم إلى ما غفلوا عنه من واجبات شرعية ومدنية، ونهيهم عن الممارسات والعادات الخاطئة، التي تتسرّب إلى النّاس عن غفلة أو من جهل، وهذا من قبيل التخلية قبل التحلية، والتزكية في التعلم والتّربية. إن الالتزام بهداية الإسلام، والأخذ بالمفيد من العلوم حصانة للمسلمين من التقليد الأعمى للآباء، أو الأخذ عن الآخرين بلا تمحيص وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا: وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا. قُلْ: إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ. أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (الأعراف:28).
وهو كذلك وقاية لهم من أن يكونوا فيمن وصفهم الله تعالى بقوله:
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً؟. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ
صُنْعاً (الكهف:104).
ويشتمل الدّليل على أمثلة مختارة لموضوعات تتعلق بالأسرة، وتربية الأطفال في سني حياتهم الأولى، يحسن بخطيب الجمعة أن يتناولها في سياقها وإطارها المناسب، كما ويشتمل هذا الدّليل على ملحق تضمن نصوصاً من القرآن الكريم والسنّة النبوية الصحيحة، ومن التراث العربي الإسلامي للاستشهاد بها في مواضعها المناسبة، وبما يتناسب مع أحوال المستمعين وتنوع ثقافاتهم واختلاف مستوياتهم العلمية والمعيشية.
اصدارات منظمة اليونيسف الدولية-مكتب الاردن
المفضلات