عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 33
تقرير عن: السيناريوهات.
يقال إن السيناريوهات قصص أو خطوط عامة لقصص حول مستقبلات ممكنة (Schwartz, pp. 816-7) ، أو أنها قصص حول المستقبل ، عادة ما تتضمن قصصاً حول الماضي والحاضر (Bell, pp. 316-7) . كما يقال إن السيناريو وصف لمستقبل ممن أكثر من كونه عرضاً لتنبؤ محتمل أو لمستقبل فعلي (Kruzic, pp. 34, 2-3) ، ومن زوايا أخرى للنظر إلى السيناريو ، فإنه يعرف أحياناً بأنه عبارة عن تتبع مفترض لأحداث مستقبلية (May, pp. 161-8) أو أنه صورة متسقة داخلياً لمستقبل ممكن (Slaughter 1995, p. 117) ، أو أنه مجرد مجموعة افتراضات متملكة (Godet 1986, p. 136) ، أو أنه وصف لمستقبل محتمل وللطريق (تتابع الأحداث المتماسكة) الموصل إليه (Godet 1994, p.60) .
1- تعريف مقترح للسيناريو :
ويمكن تقديم التعريف التالي إلى يتصف بالاتساع والإجرائية في الوقت نفسه:
السيناريو وصف لوضع مستقبلي ممكن أو محتمل أو مرغوب فيه ، مع توضيح لملامح المسار أو المسارات التي يمكن أن تؤدي إلى هذا الوضع المستقبلي ، وذلك انطلاقاً من الوضع الراهن أو من وضع ابتدائي مفترض .
*أ- وصف وضع مستقبلي :
وقد يعني ذلك وصف خصائص ظاهرة ما كالتطور التكنولوجي في سنة 2020 ، أو وصف أوضاع شركة كبرى في سنة 2030 من حيث ما تمتع به من مزايا تنافسية ونصيبها في السوق العالمي وحجم عمالتها ، ونوعية التكنولوجيا التي تستخدمها ... الخ .. وقد تتمثل الظاهرة في مجتمع ما كالمجتمع المصري أو المجتمع العالمي في سنة 2025 مثلاً ، حيث يتم وسف علاقات القوى في هذا المجتمع ، والحالة الاقتصادية ، وأوضاع توزيع الدخل والثروة ، وحالة البيئة وما إلى ذلك .
وقد يمثل الوضع المستقبلي محل الاهتمام وضعاً مستقبلياً ممكناً (possible) محتمل الحدوث (probable, potential) . وفى هذه الحالة نتحدث عن سيناريوهات استطلاعية (exploratory) . إذا ينطلق كاتب السيناريو من المعطيات والاتجاهات العامة القائمة في محاولة لاستطلاع ما يمكن أن تؤدي إليه الأحداث والتصرفات المحتملة أو الممكنة من تطورات في المستقبل ، وذلك دون التزام مسبق بصورة أو أهداف محدده يتم السعي لبلوغها في نهاية فترة الاستشراف . ولهذا يمكن وصف السيناريو بأنه تنبؤ مشروط : وهذا النوع من السيناريوهات يتيح فرصاً واسعة للخيال ؛ الأمر الذي يؤدي بدوره إلى عدد كبير من الاحتمالات أو البدائل ، ويثري النقاش الذي يمكن أن يدور حول السيناريوهات التي يجرى تكوينها ، والتي يطلق عليها أحياناً سيناريوهات متوجهة إلى الأمام (forward scenarios) .
وقد يمثل الوضع المستقبلي في نهاية الفترة محل الاستشراف وشعاً مرغوباً فيه (desired). وفى هذه الحالة نتحدث عن سيناريوهات استهدافية (normative) أو سيناريوهات مرجوة (anticipatory) . وهنا تكون نقطة البداية هي مجموعة أهداف محددة ينبغي تحقيقها في المستقبل ، يتم ترجمتها إلى صورة مستقبلية متناسقة ، ثم يرجع كاتب السيناريو من المستقبل إلى الحاضر لكي يكتشف المسار أو المسرات الممكنة لتحقيق الأهداف المرجوة أو الصورة المستقبلية المبتغاة ، محدداً النقاط الحرجة التي تتطلب اتخاذ قرارات أو تصرفات هامة . ويطلق على هذه العملية التحديد العكسي (back easting) ، كما يمكن وصف السناريوهات الناتجة عنها بأنها سيناريوهات راجعة (backward scenarios) ، كذلك يمكن الحديث هنا عن عملية تصميم أو تخطيط للسيناريو (design or planning) وليس عن مجرد كتابة سيناريو . وبطبيعة الحال ، ليس هناك ما يمنع أن يكون السيناريو الاستهدافي هو سيناريو معين يختر من بين السيناريوهات الاستطلاعية.
ب- وصف مسار أو مسارات مستقبلية :
ويتمثل العنصر الثاني في السيناريو في وصف المسار أو المسارات التي يمكن أن تؤدي إلى الوضع المستقبلي . ويقصد بذلك وصف التتابع المفترض للمشاهد أو التداعيات المتصورة للظواهر محل البحث عبر الزمن ، وذلك انطلاقاً من الوضع الابتدائي الفعلي أو المفترض (في حالة السيناريوهات الاستطلاعية) ، أو انطلاقاً من الصورة المستقبلية المرجوة (في حالة السيناريوهات الاستهدافية) .
ويتشكل المسار المستقبلي من خلال عملية تحليل لجملة من الأحداث والتصرفات ومن التفاعلات التي تنشأ بينها أو الآثار التي تنتج عنها عبر الزمن .
ومن المهم التمييز بين الأحداث (events) والتصرفات (actions) التي ينتج عن وقوعها وتفاعلها شكل محدد للمسار المستقبلي :
الأحداث وقائع غير مقصودة ، ولا يمكن لمتخذ القرار التحكم فيها خلال الفترة الزمنية التي يغطيها السيناريو . ومن أمثلة هذه الأحداث التغيرات في الظروف الجوية أو المناخية ، والكوارث الطبيعية ، والاكتشافات التكنولوجية وبخاصة في المجتمعات غير المنتجة للعلم والتكنولوجيا ، وما إلى ذلك مما يمكن السعي للتنبؤ به ، وإن لم يكن من سبيل للتحكم فيه . وعموماً ، فإن الأحداث من قبيل المتغيرات الخارجية (exogenous) في عملية بناء السناريوهات.
أما التصرفات فهي تتمثل في التغيرات المقصودة أو المتعمدة في الظواهر الداخلة في السيناريوهات . ومن ثم فهي مما يخضع لقرارات متخذ القرار ، أو لتصورات كاتب السيناريو . ومن أمثلتها التغيرات في الهيكل الاقتصادي وفى التنظيم الاجتماعي . ويمكن استقراء التصرفات من خلال لفهم مصالح الفاعلين وسلوكياتهم وحدود الأهداف المرجوة في حالة السيناريوهات الاستهدافية.
جـ- الوضع الابتدائي :
لكل سيناريو نقطة انطلاق أو مجموعة شروط أولية أو افتتاحية (initialo conditions) . ومن المهم تحديد هذه الشروط بشكل دقيق . ذلك أنها تمثلت خلفيه المشاهد التي ستتابع عبر الزمن ، أو خلفية إطار الحركة المؤدي في نهاية المطاف إلى صورة مستقبلية أو أخرى ، في حالة السيناريوهات الاستطلاعية . كما أنها تمثل نقطة الأصل التي يتعين الرجوع إليها من الصورة المستقبلية المبتغاة عبر مسار أو مسارات بديلة في حالة السيناريوهات الاستهدافية.
ومن المهم تمييز نوعين من العناصر داخل مجموعة الشروط الأولية للسيناريو ، وهما : الوقائع والقوى الفاعلة . ويقصد بالوقائع حقائق الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والسياسية والمؤثرات الخارجية ، والاتجاهات العامة السائدة ، والاتجاهات المغايرة البازغة . أما القوى الفاعلة (actors) فيقصد بها القوى – الحكومية وغير الحكومية – صاحب الأثر الأكبر في تشكيل الأحداث سواء بالفعل أم برد الفعل . ويعتبر تحديد هذه القوى ، وتحليل سلوكها ، والوقوف على مشروعاتها وخططها أو استراتيجياتها للمستقبل و، وتحديد ما تملكه من إمكانات أو وسائل ولتحويل مشروعاتها إلى واقع ، من الأمور بالغة الأهمية في بناء السيناريوهات (Godet 1986, pp. 136-17) .
وقد يعبر الوضع الابتدائي عن مجموعة من الظروف الفعلية (أي العوامل والقوى المحركة أو الفاعلة والعلاقات والاتجاهات العامة) السائدة عند فتح الستار (إذ استعرنا لغة المسرح التي ينتمي إليها لفظ السيناريو أصلاً) . ومن تحليل هذه الظروف ، والبحث في احتمالات تغيرها ، ونشوء ظروف جديدة بفعل أحداث أو تصرفات معينة ، يمكن رسم المسار أو المسارات الممكنة عبر الزمن الآتي . وهذا هو ما يحدث في حالة السيناريو المرجعي (reference or business – as – usual scenario) .
ولكن الوضع الابتدائي قد يمثل مجموعة من الظروف المفترضة أو المتخيلة التي تنطوي على تغييرات معينة في الوضع الابتدائي الفعلي . فإذا كنا بصدد سيناريو إصلاحي أو سيناريو ابتكاري ، يلزم البدء بمجموعة شروط ابتدائية متلفة قليلاً وكثيراً عن مجموعة الشروط الابتدائية المعبر عن الوضع الراهن أو السائد فعلاً ، كافتراض نجاح قوة اجتماعية أو سياسية ما في الوصول إلى السلطة ، أو افتراض تغيير جوهري في هيكل العلاقات الخارجية للدولة ، وما إلى ذلك . وعموماً فإن عملية بدء السيناريوهات هنا تتمثل في السعي للإجابة عن أسئلة من نوع : ماذا الذي يمكن أن يحدث لو حدث كذا ؟ (What if ?) .
2- ملاحظات على تعريف السيناريو :
تجدر ملاحظة ثلاثة أمور مهمة فيهما يتعلق بالتعريف الذي قدمته للسيناريو:
*أ- إن هذا التعريف أوسع وأكثر مرونة مما قد يصادفه القارئ في بعض الدراسات المستقبلية . فبعض الكاتب قد يجعل السيناريو منصرفاً إلى وصف الوضع المستقيمي في نهاية فترة الاستشراف (أي العنصر الأول فقط من عناصر التعرف الذي اقترحناه) ، وقد يطلق عليه في هذه الحالة " سيناريو مستقبلي " . كما أن بعض الكتاب قد يستعمل لفظ السيناريو للدلالة على الوضع الابتدائي (أي على العنصر الثالث فقط من عناصر تعريفنا) ، وقد يطلق عليه "سيناريو" – مجرداً من صفة " مستقبلي" (نصار).
*ب- إن التعريف المقترح غير مرتبط بطريقة أو أخرى من طرق الدراسات المستقبلية . فبعض الكاتب قد يربط بين السيناريو وبين الطريقة التي يطلق عليها أحياناً " طريقة السيناريو" (scenario method or technique) والتي تصنف عادة ضمن الطرق الكيفية أو غير الكمية (qatlitative) والكلية (holistic) للدراسات المستقبلية . بينما يميل بعض الكتاب إلى اعتبار السيناريو المنتج النهائي لكل طرق البحث المستقبلي . بمعني أن أية دراسة مستقبلية لابد وأن تنتهي بسيناريوهات وذلك أياً كانت الطرق أو الأساليب الفنية التي اتبعت في إنجازها . وهذا هو الموقف الذي اتخذناه . وسوف نعود إلى هذه النقطة عند الحديث عن طرق بناء السيناريوهات .
*ج- إن التعريف المقترح لم يتضمن تحديداً للغرض أو الأغراض المتوخاة من بناء السيناريوهات ، ويرجع ذلك إلى تعدد الأغراض التي يمكن السعي لتحقيقها من وراء بناء السيناريوهات . وكلك إلى اختلاف هذه الأغراض باختلاف تصور الكتاب لأغراض الدراسات المستقبلية ذاتها . والكتاب في هذا الشأن فريقان : فريق يرى في السيناريوهات وسيلة للتنوير والترشيد غير المباشر لعمليات صنع القرارات من خلال الكشف عن الاحتمالات والبدائل والاختيارات الممكنة ، وعواقبها المختلفة ، وذلك دون الحاجة إلى الإيصاء والاستهداف ، وفريق يرى عدم التوقف عند الكشف عن البدائل والاحتمالات والاختيارات الممكنة ، ومن ثم الترشيد غير المباشر للقرارات، ويسير قدماً في اتجاه رسم ملامح مستقبل بعينه باعتباره الأفضل والذي ينبغي السعي لوضعه موضع التنفيذ. وسوف نعود إلى دلك عند الحديث عن أغراض السيناريوهات وفوائدها.
في أنواع وأهداف السيناريوهات ومقاييس جوتها
1- تعدد السيناريوهات وأنواعها :
من المعتاد أن يتم بناء عدد من السيناريوهات في أي دراسة مستقبلية حادة والأصل في تعدد السيناريوهات هو ما يحيط بالمستقبل من غموض وظنون واحتمالات ، ومن ثم غياب لليقين uncertaint ، وذلك فضلاً عما يكتنف محاولة استطلاع المستقبل من صعوبات وتعقيدات تحتمل التعامل معها بطرق مختلفة ، ومن ثم تغضي معالجتها إلى مسارات مستقبلية متنوعة . ويمكن تصوير التعددية الكامنة في مفهوم السيناريوهات بالإشارة إلى المخروط المبين في شكل (1).
(Reibnitz, pp. 29-30)
يصور هذا الشكل إلى نطلق عليه مخروط السيناريوهات وإن كان المصدر الذي أخذناه عنه يطلق عليه قمع المستقبلات (scenario funnel) . عدة نقاط مهمة .
*أ- من الملاحظ أنه على المدى القريب ثمة تقارب بين الخطوط الممثلة للسيناريوهات الممكنة الخارجة في صورة أسهم من النقطة (أ) التي تمثل الوضع الابتدائي ، حيث إن إسقاط العوامل والاتجاهات السائدة عادة ما لا ينطوي على تغيير كبير خلال الأجل القصير . لكن لاحظ تباعد المسافات بين هذه البدائل أو المسارات البديلة ، ومن ثم تزايد درجة التميز بينها على المدى الأطول ، أو عند نقطة النهاية لفترة السيناريو حيث تتجمع بدائل الوضع المستقبلي (النقاط ل ، ج ، هـ ، و .. الخ) كاشفة تزايد اللايقين وتزايد التعقيد في فهم التداعيات والتطورات مع التحرك إلى المستقبل الأبعد.
*ب- لاحظ أيضاً أن السيناريوهات قد تتعرض للاضطراب عبر الزمن ، ون ثم قد تتعدل مساراتها . فالسيناريو (أ ج) يتعرض لنقله أو تحول في المسار عند النقطة (ب) نتيجة لوقوع اضطراب ما (disruptive event) كانهيار في سوق المال أو كارثة طبيعية أو تفكك التحالف الاجتماعي إلى كان يستند إليه هذا السيناريو . وإذا ترك الأمر للتداعيات الطبيعية ، فقد ينتهي المسار الجديد إلى الوضع المستقبلي (ع) . ولكن من حق كاتب السيناريو أن يفترض وقوع تصرفات معينة من جانب الفاعلين في النسف كرد فعل للاضطراب الذي حدث . وقد يحدث التدخل عند النقطة (ق) التي يرمز المعين المرسوم إلى جانبها إلى أنها نقطة اتخاذ قرار (decision point) . وعندئذ سوف تتداعي المشاهد في اتجاه مغاير للاتجاه الأصلي المفترض (أ ب ج) وكذلك للاتجاه التلقائي الناتج عن الاضطراب إلى وقع (أ ب ع) ، حيث يصبح خط التطور المستقبلي هو (أ ب ق د) . وبالطبع ثمة مسارات أخرى كثيرة يمكن تصور تولدها عند النقطة (ق) ، وذلك حسب طبيعة القرار الذي سيتخذ عند هذه النقطة . ومن المهم ملاحظة أن المقصود بالقرار هنا ليس بالضرورة قراراً حكومياً ، بل إنه قد يعني جملة تصرفات من فاعلين مختلفين في النسق .
*ج- قد تمثل إحدى النقاط في فضاء الأوضاع المستقبلية الممكنة وضعاً مستقبلياً مرغوباً فيه كالنقطة (هـ) . ومن ثم قد يسعى كاتب السيناريو إلى تخطيط مسار ملائم للعودة من النقطة (هـ) إلى نقطة الوضع الابتدائي (أ) . وفى هذه الحالة يمثل المسار (أ هـ) السيناريو الاستهدافي .
*د- ني عن البيان أن تمثيل السيناريوهات أو مساراتها بخطوط مستقيمة عبر الزمن هو من قبيل التبسيط والتجريد ، ليس إلا . فالمسار من الوضع الابتدائي (أ) إلى أية نقطة في فضاء الأوضاع المستقبلية قد يأخذ شكل منحني أو خط متعدد الالتواءات والانكسارات ، حسب الأحوال . كلك فإن تمثيل الوضع المستقبلي أو حتى الوضع الابتدائي بنقطة ربما يعطي انطباعاً زائفاً ، حيث إن تحديد أي من هذين الوضعيين لا تخلو من أخطاء القياس والتقدير – أو حتى التخمين .
بواسطة: شافع النيادي
موسوعة التعليم والتدريب
http://www.edutrapedia.illaf.net/arabic/show_article.thtml?id=594
المفضلات