خصال الزوجة بين العقل والجمال والوراثة.

قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}(الروم:21). صدق الله العلي العظيم.


أهمية الدين في اختيار الزوجين.

أهمية اختيار الزوج لزوجته واختيار الزوجة لزوجها على أساس الدين وحسن الخلق، ولذا، وردت روايات كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام ذكرنا طائفة منها، وبالخصوص، ما يفصح عن أهمية اختيار الزوجة ذات الدين من لدن الرجل، ولكننا نريد أن نكمل ذلك، بذكر ما يُبين أهمية الدين في اختيار الزوج من قبل المرأة؛ فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: ‹‹من زوج كريمته من فاسق؛ فقد قطع رحمها››، ولعلنا ندرك عمق هذه الرواية باعتبار أنّ مآل الولد الذي سوف تلده هذه المرأة سيندثر ويتلاشى من ناحيتين:
1) الناحية الطبيعية .
2) الناحية الدينية المعنوية .
وكلا الناحيتين من السوء بمكان، والنبي صلى الله عليه وآله عندما يقول: ‹‹فقد قطع رحمها››، فهو يريد أن يوضح أنّ هذا الأب لم يمنح لابن ابنته البقاء والاستمرار؛ سواءً من الناحية الطبيعية باعتبار أنّ الذنوب والآثام تؤثر على وجود الإنسان واستمراره، أو من الناحية الدينية المعنوية باعتبار أنّ الذنوب والآثام ستخرجه عن ربقة الدين ورابطة الإيمان.


الاختيار على أساس توافر العقل.

بعد أن أنهينا معيارين من معايير الاختيار السليم بين الزوجين، في الأسبوع الماضي، ننتقل إلى معيار آخر يتسم بأهمية فائقة في حياة الإنسان، وهو العقل، الذي يمثل ميزاناً يوزن به الصواب من الخطأ ويُعرف به الخير من الشر، ولذلك ورد في الروايات الإفصاح عن الأهمية الكبيرة للعقل، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ‹‹العقل ما عُبد به الرحمن، واكتُسب به الجنان››، كما أنه ورد أنّ بالعقل يُطاع الباري تبارك وتعالى. وعلى هذا الأساس، من الأهمية بمكان أن يختار الإنسان المُقبل على الزواج، المرأة العاقلة بالإضافة إلى ما ذكرناه من الدين والخلق، وذلك، لأنّ العقل يشكل عاملاً رئيسياً في استمرار حياته مع تلك المرأة في وئام، كما أنّ للعقل دوراً كبيراً في انتقال تلك السمات من الفهم الدقيق لشؤون الحياة والتعامل بمنطق العقل، إلى الأجيال الآتية من نسله. ولذلك، نجد أنّ النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام ركزوا على أهمية العقل كمعيار مؤثر في الاختيار السليم للزوجة، وأشاروا إلى الخطر الفادح المترتب على إهمال جانب العقل، من الوقوع في البلاء في معيشته وضياع أولاده؛ وهذا ما أكده الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عندما قال: ‹‹إياكم وتزويج الحمقاء؛ فإنّ صحبتها بلاء وولدها ضياع››، وكل إنسان يدرك أنّ غير العاقل يوقع غيره في أمور لا تُحمد عقباها؛ ويدخله في مشاكل هو في غنى عنها؛ لأنه لا يُحكّم منطق العقل في التعامل الإيجابي بينه وبين الآخرين، ولذلك يقول شاعر الفرس الخيام:
فاشرب نقيعَ السُمِ مِن عَاقلٍ **** واسكُب على الأرض دواءَ الجهول


هذا البيت من الشعر يشير إلى أنّ العدو العاقل الذي يُقدم لك السم النقيع فتشربه أولى من ذلك الدواء الذي يقدمه لك غير العاقل. لذا، من الأهمية بمكان، أن يلاحظ الإنسان في اختياره ذات العقل والإدراك السليم. والبعض من الشباب يقع في خطأ كبير عندما يتصور أنّ سمات الجمال في المظهر الخارجي للمرأة هو كافٍ، من دون النظر إلى عقلها، لأن المرأة الحمقاء أو المجنونة حتى لو كانت جميلة، فهي تفقد العقل والاتزان الذي يمنحها القدرة على العيش مع الزوج وإدارة المنزل بشكل صحيح ، بالإضافة إلى أنها لا تملك الحكمة والوعي، كي تتعامل مع أبنائها بطريقة سليمة، ولن تكون قادرة على تنشئتهم على وفق التربية الصحيحة، لذا، كان الأئمة من أهل البيت عليهم السلام عندما يسألون عن الزواج من امرأة حمقاء أو مجنونه لوجود سمات جمالية فيها، كانوا يؤكدون على عدم الارتباط والزواج بمثل هؤلاء بحيث يترتب على هذه العلاقة تكوين أسرة وإنجاب، لما سينتقل إلى النسل بسبب ذلك من آثار ضارة ناتجة من الوراثة، وأما لو كان الارتباط الشرعي بالمجنونة أو الحمقاء على مستوى إشباع غريزته الجنسية فقط، فإن الأئمة عليهم السلام لم يكونوا يعارضون ذلك.
جمال المرأة في مفهوم الإسلام.

البعض قد يتساءل عن السبب في التركيز على هذه القواعد التي ترتبط بالجانب المعنوي، بينما لا توجد إشارة أو إيماءة إلى الجانب الجمالي في المرأة، مع أنّ الإنسان من طبيعته البحث عن الجوانب الجمالية. إنّ مثل هذه التساؤلات كي نجيب عليها لا بد من التأكيد في البدء على أنّ النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام لم يهملوا ذكر جانب الجمال في اختيار المرأة، بل، نجد أنهم أولوه عناية فائقة، بحيث أنّ الإنسان إذا أراد أن يختار، يلاحظ الجمال؛ فقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ‹‹إذا أراد أحدكم أن يتزوج فليسأل عن شعرها، كما يسأل عن وجهها؛ فإنّ الشعر أحد الجمالين››، وأيضاً ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: ‹‹أفضل نساء أمتي أصبحهن وجهاً››، ولكن هذا لا يعني أنّ الإنسان يُركز على الصباحة والسمات الجمالية في المرأة، أو الجوانب المالية فقط، ويتناسى الركائز التي تُبنى عليها دعائم البيت الزوجي أو بناء الأسرة، من الدين والخلق، لأنّ ذلك، يؤدي إلى فقدان التوفيق الإلهي في تحقيق الحياة الزوجية السعيدة، بالإضافة إلى أنه لا يتوفق لانجاب الذرية الطيبة والصالحة، ولن يصل إلى الهدف الذي ابتغاه من زواجه منها، وإن كان قد يتحقق له إشباع ظمأه الغريزي، وتشير جملة من الروايات إلى ذلك، فتقول: ‹‹من تزوج امرأة لجمالها جعل الله جمالها وبالاً عليه››، وفي حديث آخر، ‹‹من تزوج امرأة لمالها وكله الله إليه››، أي لا تبحث فقط عن ما لديها من المُكنة في الناحية الاقتصادية دون أن تتوافر فيها الخصال الهامة كالدين والخلق، والعقل، والتربية الصالحة، في بيئة تجسد قيم الإسلام في حياتها التعاملية.


الاختيار وفق بيئة تربوية صالحة.

هناك مبدأ هام وقاعدة أساسية أفصحت عنها الروايات في اختيار الزوجة، كما جاء ذلك، في سؤال أحد الرواة للإمام الصادق عليه السلام عندما قال: إنّ صاحبتي هلكت – أي ماتت- وكانت لي موافقة وقد هممت أن أتزوج، فقال لي الإمام: ‹‹انظر أين تضع نفسك، ومن تشركه في مالك، وتطلعه على دينك وسرك››، فنلاحظ هنا وجود مجموعة من الصفات الهامة التي يؤكد عليها الإمام عليه السلام في اختيار الزوج لزوجته؛ فيقول: ‹‹انظر أين تضع نفسك››، أي، إنّ الإنسان بطبيعته عندما يرتبط بعلاقة زوجية، فلابد أن يكون شريكاً مع تلك الزوجة في إنجاب الولد، الذي سوف يُؤدي إلى شراكة في الإنتاج، فلا بد من أن يضع الإنسان نفسه في البيئة الصالحة المتدينة العاقلة ذات الخلق الكريم، لأنّ هذه الصفات الحسنة سوف تنتقل عبْر قوانين الوراثة على نسله، ولذا، نجد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، عندما أراد أن يخطب فاطمة بنت حزام الكلابية -أم البنين- قال لأخيه عقيل: ‹‹انظر إلى امرأة قد ولدتها الفحول من العرب لأتزوجها››، والإمام عليه السلام يركز هنا على مسألة القوانين المكتسبة، لأنّ هناك نوعين من القوانين، قوانين بيولوجية تنتقل عبر الكروموسومات والجينات، وهناك قوانين مكتسبة، يتأثر بها الإنسان من خلال محيطه العائلي الذي تترسخ فيه مبادئ الدين والخلق. وهذا ما أومأت إليه الرواية الآنفة الذكر عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله: ‹‹انظر أين تضع نفسك ومن تشركه في مالك، وتطلعه على دينك››، فإنّ أوضح ما تشير إليه، مسألة الوراثة المكتسبة التي تربط بين جنبتي التربية والدين، فإذا كان لابد لنا من الاعتناء بالدين وحده، فإنه ينبغي أيضاً أن نعطي أهمية للدين الممتزج بالعوامل التربوية؛ التي تنعكس إيجاباً على الفتاة وحياتها مع زوجها وأولادها