الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده . و بعد

إنّ مما لا شك فيه عدم خُلوّ بيت ما من المشاكل الزوجية ، و كيف لا يخلو منها بيت و لم يخلو منها بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم .

فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : جاء أبو بكر يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فأذن له فدخل فقال : ( يا ابنة أم رومان ) وتناولها ( أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .

قال : فحال النبي بينه وبينها .

قال : فلما خرج أبو بكر .

جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لها يترضاها ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك ) .

قال : ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها

فأذن له فدخل فقال له أبو بكر : ( يا رسول الله أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما ) .

و الحديث صحيح كما صرح بذلك العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة ، و العلامة الوادي في الصحيح المسند رحمهما الله .

فالعاقل مَن يُعالج المشاكل الزوجية بتمهل و تأني و حكمة .

و إنّ من الأسئلة التي قد تخطر على بال الكثيرين :


هل يحق للزوج أن يكذب على زوجته - و العكس – لحل تلكم المشاكل ؟

و لمعرفة الإجابة دعونا نستعرض شيئاً من الأدلة :

فعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا يصلح الكذب إلا في ثلاث : يحدث الرجل امرأته ليرضيها ، و الكذب في الحرب ، و الكذب ليصلح بين الناس ) .

الحديث حسن و هو في صحيح الجامع للعلامة الألباني أسكنه الله الفردوس .
فهذا الحديث دليل صريح على جواز كذب الزوج على زوجته .


و تأملوا الحديث التالي :

روى الإمام مسلم رحمه الله عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ‏ ‏رضي الله عنها - وكانت من ‏ ‏المهاجرات ‏ ‏الأول اللاتي بايعن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ - ‏ أنها سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وهو يقول ‏ ‏: ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرا ‏ ‏وينمي خيرا ) .

قال ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها .....

و تدبروا قول أم كلثوم ( وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها ) .

فهذا الحديث دليل أيضاً على جواز كذب الزوج على زوجته ، و فيه جواز كذب الزوجة على زوجها .

و تأملوا فيما قال النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث .

قال رحمه الله :

قوله صلى الله عليه وسلم : ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس , ويقول خيرا , أو ينمي خيرا ) ‏ .

هذا الحديث مبين لما ذكرناه في الباب قبله , ومعناه ليس الكذاب المذموم الذي يصلح بين الناس , بل هذا محسن . ‏

قوله : ( قال ابن شهاب : ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث : الحرب , والإصلاح بين الناس , وحديث الرجل امرأته , وحديث المرأة زوجها ) ‏

قال القاضي : لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور , واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو ؟

* فقالت طائفة : هو على إطلاقه , وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة ,

وقالوا : الكذب المذموم ما فيه مضرة ,
واحتجوا بقول إبراهيم صلى الله عليه وسلم : ( بل فعله كبيرهم ) و (إني سقيم )
وقوله : إنها أختي
وقول منادي يوسف صلى الله عليه وسلم : ( أيتها العير إنكم لسارقون )


قالوا : ولا خلاف أنه لو قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف وجب عليه الكذب في أنه لا يعلم أين هو ,

* وقال آخرون منهم الطبري : لا يجوز الكذب في شيء أصلا .
قالوا : وما جاء من الإباحة في هذا المراد به التورية , واستعمال المعاريض , لا صريح الكذب ,
مثل أن يعد زوجته أن يحسن إليها ويكسوها كذا , وينوي إن قدر الله ذلك .
وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة , يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه .

وإذا سعى في الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلاما جميلا , ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك وورى

وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه : مات إمامكم الأعظم , وينوي إمامهم في الأزمان الماضية : أو غدا يأتينا مدد أي طعام ونحوه . هذا من المعاريض المباحة , فكل هذا جائز .
وتأولوا قصة إبراهيم ويوسف وما جاء من هذا على المعاريض . والله أعلم .

وأما كذبه لزوجته وكذبها له فالمراد به في إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك , فأما المخادعة في منع ما عليه أو عليها , أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام بإجماع المسلمين . والله أعلم
.انتهى كلام النووي رحمه الله .


و إكمالاً للفائدة أنقل لكم كلام الإمام ابن باز رحمه الله و العلامة الفوزان حفظه الله في هذا الموضوع ، و قد فرّغت دررهُما تسهيلاً على القراء .


و إليكم البيان

سئل باز السنّة غفر الله له السؤال التالي :
( ما معنى هذا الحديث الشريف ، عن أم كلثوم رضي الله عنها ، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لم يُرخَّص في شيء مما يقول الناس ، إلا في ثلاث : في الحرب و الإصلاح بين الناس و حديث الزوجين لبعضها .
اشرحوا لنا هذا لو تكرمتم ) .


فأجاب نوّر الله ضريحه ( الحديث صحيح ، رواه الشيخان من حديث أم كلثوم رضي الله عنها بنت عقبة بن أبي معيط أنها سمعت النبي صلى الله عليه و سلم : ليس الكذاب الذي يُصلح بين الناس ، فيقول خيراً و يُنْمي خيرا .
قالت : و لم أسمعه يُرَخِّص في شيء من الكذب إلا في ثلاث : الحرب ، و في الإصلاح بين الناس ، و في حديث الرجل امرأته و المرأة زوجها . رواه مسلم بهذه الزيادة .
و هذا يدل على أنّ الذي المُصلح بين الناس ليس بكذاب ، الذي يُصلح بين الناس بين القبيلتين أو بين الأسرتين ، أو بين شخصين تنازعا فأصلحا بينهما و كَذَب فإنّ هذا لا يضره.
لأنه أراد الإصلاح ، فإذا أتى إحدى القبيلتين أو إحدى الأسرتين أو أحد الشخصين ، فقال له قولاً طيباً عن صاحبه و أنه يرغب في الصلح و أنه يُثني عليك و أنه يحب مصالحتك.
ثم جاء الآخر و قال له كلاماً طيباً، حتى أصلح بينهما . فهذا طيب .
لأنه لا يَضر أحداً بذلك ، ينفع المُتنازعَيْن و لا يضر أحداً.

و هكذا لو جاء الأسرة و قال عن الأسرة الثانية أنها تُثني عليك ، و أنها تدعو لك ، و أنه تحب المصالحة معك.
و لم يقع هذا ، لكن هو كَذَب هذا الشيء ليُصلح بينهما .
هو مأجور على هذا ، و لا شيء عليه .

و هكذا بين القبيلتين .
جاء القبيلة وقال : إنّ القبيلة الفلانية تُثني عليكم وتدعو لكم و ترغب الإصلاح .
ثم أتى الأخرى و قال لها مثلك ذلك ، حتى سعى بينهما في الصلح و إزالة الشحناء .
هو مأجور بذلك ، إذا كان كذبه لا يضر أحداً غيرهم ، لا يضر أحداً من الناس ، إنما ينفعهم و يجمعهم و يُزيل الشحناء بينهم .
فهو مأجور و ليس بكذاب كذِباً يضره أو ( كلمة لم أضبطها )

الخصلة الثانية في الحرب ... بأنْ قال للغزاة : ( إنّا قافلون غداً ) لينظر لينظر
قافلون يعني : مُنصرفون راجعون
لينظر مابي عند العدو ، إذا سمع بخبر القفول
لعله يَخرج من حصونه ، لعله يتبين له شيء يُعينه على الجهاد ، و لينظر ما عند الجيش من النشاط و الهمة العالية أو عدم النشاط في الحرب .
فإذا كذب لمصلحة فلا بأس بذلك . الحرب .لأنه يريد
الحرب خُدعة
و هكذا لو قفل راجعاً و قال : ( إنا راجعون ) حتى يخرج العدو من حصونه و من مُترّساته ، حتى يبرز ثم يَكرّ عليهم المسلمون و يُقاتلونهم إذا برزوا . هذا أيضاً لا بأس به.
كذب فيه مصلحة للمسلمين ، فلا يَضُر ذلك
و كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا أراد غزوة وَرّى بغيرها ، حتى يهجم على العدو على غرة
إذا أراد الشَّمال مثلاً ، قال : إنا سوف نغزو الجنوب ، سوف نغزو جهة الغرب جهة الشرق ، حتى لا يستعد له العدو ، حتى يهجم عليهم على غرة إذا كانوا قد بُلّغوا و دُعوا الله و أصروا ، فلا بأس أن يُهاجموا على غرة .

أما الثالثة فهي حديث الرجل امرأته و المرأة زوجها لا بأس بذلك .

فإنّ الرجل مع زوجته قد يحصل بينهم مشاكل و نزاع عند ملابس أو طعام أو زيارة أو ما أشبه ذلك ، فيقول لها : سوف أفعل كذا و كذا ، سوف أشتري لك كذا ، و سوف أفعل كذا ، مما يُرضيها حتى يزول النزاع و حتى تزول الشحناء .

أو تقول هي كذلك : سوف أفعل كذا ، سوف لا أخرج إلا بإذنك ، و هي عارفة أنها سوف تُخالفه لكن تُريد أن يرضى .

أو سوف أُنفّذ ما قلتَ في كذا و كذا و كذا ، و إن كان في اعتقادها أو عزمها أن لا تُنفّذ ، لكن تُريد أن تكسب رضاه حتى تزول الشحناء و العداوة . فلا بأس بهذا .

لأنّ هذا فعل في مصلحتهما ( جملة لم أضبطها )

فإنْ كان كذبهما في مصلحتهما و لا يضر غيرهما فلا حرج ( جملة لم أضبطها )

لأنه إصلاح معروف ليس به مضرة على أحد
) انتهى كلامه ر حمه الله .

سئل تغمده الله برحمته السؤال التالي ( هل يجوز للزوج أن يكذب على زوجته في بعض الأمور الزوجية و التي يرى فيها صلاح لحياته الزوجية ) ؟

فأجاب رحمه الله : (
لا حرج أن يكذب الرجل على زوجته في أشياء تنفعهما جميعاً " كلمة لم أضبطها "

خيرٌ للجميع و لا يتضرر بها أحد لا بأس بذلك .

و هكذا الزوجة لها أن تكذب على زوجها فيما يزيد المحبة و يُصفّي الجو بينهما ، كل ذلك لا حرج فيه .

إذا كان الكذب من أحدهما على الآخر لا يضر أحداً من الناس و إنما يختص بهما و مصالِحهما، فلا بأس بذلك .

و ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه رَخّص في الكذب و للزوجين فيما بينهما .
فعن أم كلثوم رضي الله عنها بنت عقبة بن أبي معيط لم أسمع النبي يُرَخِّص عليه الصلاة و السلام شيئاً من الكذب إلا في ثلاث : الحرب ، والإصلاح بين الناس ، و حديث الرجل امرأته و المرأة زوجها .
هذه الثلاث لا حرج في الكذب فيها ، للإصلاح بين الناس و الحرب وفيما يتعلق بحديث الرجل مع امرأته و المرأة مع زوجها فيما يُصلح شأنهما . نعم
) انتهى كلامه رحمه الله


هل يجوز الكذب على الزوجة إذا كانت مبذرة بأن يقول : ليس عندي شيء، للمحافظة على المال من الضياع وهو لم يقصر في حقها وفي حق أولادها؟

فأجاب حفظه ربي بقوله (
اعرف في الحقيقة أنّ الكذب لا يجوز إلا في ثلاث . في ثلاث: إذا الأولى . لأجل إصلاح ذات البين

الثانية : ما يكون بين الزوجين لما فيه صلاح العِشرة

الثالث في الحرب . الحرب خِدعة

إي نعم

فيجوز للزوج أن يكذب على زوجته للمصلحة

و كذلك هي تكذب عليه لأجل المصلحة و بقاء العِشرة. نعم
) انتهى كلامه حفظه الله .
-