مشكلة العنف بين الأزواج لا يكاد يخلو منها مجتمع أو دولة، وعادة ما يكون العنف موجها بدرجة أكبر للنساء منه للرجال نظرا للقوة الجسدية والبدنية التي يتميز بها الكثير من الرجال على النساء، ولكن العنف لا يأخذ شكل العنف الجسدي فقط بل يأخذ شكل عنف معنوي ولفظي أحيانا، والعنف لغة: هـــو ضد الـرفق ويشمل كــل سلوك يتضمن معاني الشدة والقسوة والتوبيخ واللوم.
أما مصطلح العنف من الناحية القانونية: هـــو الاستعمـــال غير القانوني لوسائل الإكراه المادية من أجــل تحقيق أغراض شخصية أو جماعية (يشمـــل جرائم العنف وهي الجرائم التي يرافقها استخدام القوة والإكراه المادي والمـعنوي) والـتي ينجم عـن ارتكـابهـا أذى أو تلف أو ضرر مادي أو معنوي بالمجني عليه.
أما في علم النفس: يستعمل الـعنف ليشير إلى العدوان فهو سلوك يتسم بالقسوة والشدة والإكراه ويتخذ شكلا ظاهرا. وقد اتسع مدلول العنف ليشمل فضلا عن القوة المــادية والآثار النفسية فعل الإيذاء والذي قد يمتد إلى المساس بكرامة الإنسان وحريته وحقه في الوجود.
أما العنف ضد المرأة: فهو أي عمل من أعمال الـعنف القائم على نوع الجنس ويترتب عـليه أو مـن المـحتمل أن يترتب عليه أذى بـــدنيا أو نفسيا أو جــنسيا أو مــعاناة للـــمرأة بما في ذلك التهديد بالقيـام بأعمال من هذا القبيل أو الحرمان التعسفي من الحرية.
وكذلك يعرف بأنه كل عمل أو تصرف عدائي مؤذ أو مهين يرتكب بأية وسيلة وبحق أي امرأة يخلــق لها مــعاناة، جـــسدية، نفسية بطريقة مـباشرة أو غير مباشرة من خـــلال الخداع أو الـتهديد أو الاستغلال أو التحرش أو الإكــراه أو الـعقاب لإجـــبارها على ممــارسة البغاء أو أي وسيلة أخرى يتم فيها إنكار لكرامة الــمرأة الإنسانية واحترامها لذاتها ويتراوح مابين الإهانة بالكلام والقتل.
ولعل العنف ضد المرأة هو العنف الأكثر انتشارا في أوساط المجتمعات المختلفة وإن أهم أشكال العنف الذي تتعرض له المرأة:
1- العنف الجسدي:
ويشمل الإساءة الجسدية التي تؤدي إلى حدوث أذى جسمي ومعنوي مثل الضرب / شد الشعر/ الركل/ الدفع
– ففي الدول النامية: عدد النساء اللواتي يتعرضن للضرب( الثلث)
– الهند: عدد القتلى من النساء (9000) امرأة في السنة بسبب الخلافات على قضايا المهر
– البلدان العربية: تذهب الكثير من النساء ضحايا جرائم القتل غسلا للعار.
2- العنف النفسي:
يشمل كل تصرف أو سلوك بحق أي امرأة يؤدي إلى جرح مشاعرها أو أحـــاسيسها كالتحقير والإكـــراه والتهديد والتخويف والترهيب والعزلة الاجتماعية وحجز الحرية والحرمان من الحاجات الأساسية.
3- العنف الجنسي:
يضم كل سلوك أو تصرف جنسي يتم بدون اتفاق ورضا كامل بين الطرفين ويشمل حوادث الاغتصاب التي تتعرض لــــــها نسبة كبيرة من النساء في الـــعالم. ويتجلى الــــعنف الجنسي بين الزوجين عندما يرغم أحدهما الآخر على مـمارسات جنسية لا يرغب فيها وغالبا ما تكون النساء من ضحايا هذا النوع من أنواع العنف.
أما أهم أسباب العنف كما يوضحها الكثير من العلماء :
1- تعتبر المرأة نفسها هي أحد العوامل الرئيسة لبعض أنواع العنف والاضطهاد، وذلك لتقبلها له واعتبار التسامح والخضوع أو السكوت عليه كرد فعل لذلك، مما يجعل الآخر يأخذ في التمادي والتجرؤ أكثر فأكثر. وقد تتجلى هذه الحالة أكثر عند فقد المرأة من تلتجئ إليه، ومن يقوم بحمايتها
2- الأسباب الثقافية؛ كالجهل وعدم معرفة كيفية التعامل مع الآخر وعدم احترامه، وما يتمتع من حقوق وواجبات تعتبر عاملا أساسيا للعنف. وهذا الجهل قد يكون من الطرفين المرأة والمُعنِّف لها، فجهل المرأة بحقوقها وواجباتها من طرف، وجهل الآخر بهذه الحقوق من طرف ثان قد يؤدي إلى التجاوز وتعدي الحدود
بالإضافة إلى ذلك تدني المستوى الثقافي للأسر وللأفراد، والاختلاف الثقافي الكبير بين الزوجين بالأخص إذا كانت الزوجة هي الأعلى مستوى ثقافيا مما يولد التوتر وعدم التوازن لدى الزوج كردة فعل له، فيحاول تعويض هذا النقص باحثا عن المناسبات التي يمكن انتقاصها واستصغارها بالشتم أو الإهانة أو حتى الضرب.
3- الأسباب التربوية؛ قد تكون أسس التربية العنيفة التي نشأ عليها الفرد هي التي تولد لديه العنف، إذ تجعله ضحية له حيث تشكل لديه شخصية ضعيفة وتائهة وغير واثقة، وهذا ما يؤدي إلى جبران هذا الضعف في المستقبل بالعنف، بحيث يستقوي على الأضعف منه وهي المرأة، وكما هو المعروف أن العنف يولد العنف.ويشكل هذا القسم من العنف نحو83 بالمائة من الحالات.
وقد يكون الفرد شاهد عيان للعنف كالذي يرد على الأمهات من قبل الآباء بحيث ينشأ على عدم احترام المرأة وتقديرها واستصغارها، فتجعله يتعامل بشكل عنيف معها، ويشغل هذا المورد 39 بالمائة من الحالات.
4- العادات والتقاليد؛ هناك أفكار وتقاليد متجذرة في ثقافات الكثيرين والتي تحمل في طياتها الرؤية الجاهلية لتمييز الذكر على الأنثى مما يؤدي ذلك إلى تصغير وتضئيل الأنثى ودورها، وفي المقابل تكبير وتحجيم الذكر ودوره. حيث يعطى الحق دائما للمجتمع الذكوري للهيمنة والسلطنة وممارسة العنف على الأنثى منذ الصغر، وتعويد الأنثى على تقبل ذلك وتحمله والرضوخ إليه إذ إنها لا تحمل ذنباً سوى أنها ولدت أنثى.
5- الأسباب الاقتصادية: فالخلل المادي الذي يواجهه الفرد أو الأسرة أو..، والتضخم الاقتصادي الذي ينعكس على المستوى المعيشي لكل من الفرد والمجتمع ويأخذ العامل الاقتصادي نسبة 45% من حالات العنف ضد المرأة, كما توضح الدراسات وجود علاقة بين دخل الزوج الشهري والعنف الجسدي الذي يمارسه على زوجته، حيث ترتفع نسبة حالات الإساءة في الأسر ذات الدخل المنخفض.
ويعمد معظم الرجال إلى قطع المصروف الشهري عن زوجاتهم كوسيلة للعقاب. إلا أن الرجال الأغنياء يستخدمون العنف اللفظي بنسبة أكبر من الفقراء.
6- قلة الوازع الديني , وهذا السبب يعتبر من أهم الأسباب التي تدفع الرجال إلى التصرف بقسوة وعنف مع زوجاتهم مع وجود الفهم الخاطئ للدين متصورين أن الدين الإسلامي وهو براء من ذلك أعطاهم الحق في ضرب النساء إلى مستويات قد تودي بحياة المرأة، لكن من يدرس الشرع الإسلامي يجد أنه الشرع الوحيد الذي كرم المرأة وأعطاها حقوقها كإنسان أولا ويجب احترامها وعدم النيل من كرامتها وإنسانيتها ولقد وصلت التشريعات الوضعية إلى تلك الحقيقة وإن كانت متأخرة وهي أن كل تشريع يضعه البشر فيما بعد تتضح العيوب والنواقص فيه إلا التشريع الذي وضعه رب البشر جل وعلا فهو منزه من كل عيب أو ثغرة ضامنا لحقوق الإنسان وعلى رأسهم المرأة.