عام العنف والجريمة في إسرائيل

ذكر تقرير نشر اليوم لحركة فيتسو الاجتماعية الإسرائيلية، أن عام 2009 شهد ارتفاعا غير مسبوق في معدلات العنف والجريمة ضد المرأة الإسرائيلية؛ حيث شهد مقتل 15 امرأة على أيدي أزواجهن أو أبناء أسرهن، كما شهد ارتفاعا بنسبة 10\% في عدد اللواتي يتوجهن بنداءات للخط الساخن بالشرطة الإسرائيلية لمنع أعمال عنف موجهة ضدهن.

يأتي ذلك بعد أقل من أسبوع من إظهار مقياس المناعة الاجتماعية في إسرائيل للعام 2009، أن 81\% من الجمهور الإسرائيلي يعتبرون أن العنف الاجتماعي بشتى صوره وأشكاله يمثل العنصر الأكثر تسببا للقلق داخل المجتمع الإسرائيلي لهذا العام، والعنصر الذي يعيق تفاخرهم بدولتهم، وذلك مقابل نسبة 73\% من الجمهور أشاروا إلى نفس العنصر العام الماضي في نفس المقياس.

وكشف المقياس أن العناصر الثلاثة الأساسية المعيقة لاعتزاز الإسرائيليين بدولتهم ظلت كما هي للعام الحالي كما كانت عليه في الأعوام الماضية وهي العنف، والفساد، والفقر، لكن العنف احتل هذا العام - للمرة الأولى- المرتبة الأولى في ترتيب هذه العناصر، في حين جاء الفساد السياسي في المرتبة الثانية، وفي المرتبة الثالثة جاء الفقر والفجوة بين الفقراء والأغنياء في المجتمع الإسرائيلي.

وفي ذات السياق ، أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة يديعوت أحرونوت الأسبوع الماضي نصيب فئات مختلفة من المجتمع الإسرائيلي من هذه الظاهرة، ففي رد على سؤال أي قطاع اجتماعي في وجهة نظرك الأقل عنفا في المجتمع الإسرائيلي؟ اختار 52\% المستوطنين بالكيبوتسات الاستيطانية، و15\% اختاروا المتدينيين، بينما اختار 8\% الحريديم المتصوفة اليهود، و4\% اختاروا العلمانيين، و3\% اختاروا سكان العاصمة تل أبيب، و2\% اختاروا المستوطنين ، و1 \% اختاروا عرب إسرائيل، و16 أجابوا بلا أعرف .

وفي سؤال حول من هو العنصر الأساسي المسؤول عن زيادة أعمال العنف؟، اتهم 48\% المنظومة التعليمية الضعيفة والفاشلة، في حين اتهم 36\% أعمال العنف التي تعرض على شاشات التلفاز والانترنت وفي الاعلانات، بينما رأى 7\% آخرون أن هجر الأخلاقيات العامة هو السبب وراء العنف أكثر من أي شيء آخر، و6\% اختاروا التشدد الديني، و4\% لم يجيبوا بشيء .

وقد رأى 65\% إلى أنه من الضروري ان يكون الآباء هم العنصر الأهم في منع العنف، واختار 13\% القضاه، و9\% اختاروا المعلمين، و9\% اختاروا الشرطة، و2\% اختاروا الحاخامات، والبقية لم تحدد موقفها.

من ناحية أخرى، أوضح استطلاع للرأي أجراه معهد موتجيم بكلية الأخوة للتربية والتعليم الإسرائيلي منتصف الأسبوع الماضي، أن 88\% من الإسرائيلييين يرون أن المجتمع الإسرائيلي أصبح أكثر عنفا عن العشر سنوات الماضية بشكل يثير القلق والمخاوف.

كما أعرب 83\% ممن شملهم هذا الاستطلاع عن اعتقادهم بأن الأحكام التي تصدر بحق المجرمين متساهلة جدا، في حين أشار 6\% إلى أنها عقوبات مناسبة، و2\% أشاروا إلى أنها عقوبات قاسية للغاية.

وحول أسباب وطرق معالجة ظاهرة العنف، أشار 62\% ممن شملهم الاستطلاع إلى أن تعليم القيم والأخلاق هو مسؤولية الآباء، في حين أشار 20\% إلى أن هذه هي مسؤولية المنظومة التعليمية، و7ر2% اعبتروا أن المؤسسة العسكرية هي المسؤولة عن ذلك.

وشهد عام 2009 مجموعة من أحداث العنف والجرائم التي هزت المجتمع الإسرائيلي بشكل كبير، لدرجة دفعت كبار المسؤولين الإسرائيلين إلى الدعوة لمواجهة ظاهرة تفشي العنف والجريمة في إسرائيل بشتى الصور والوسائل .

كما دفع ذلك إلى شن حملة واسعة بادر اليها الكنيست وانضمت اليها الحكومة الى جانب الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام لتسليط الضوء على أسباب تفاقم هذه الظاهرة وكيفية معالجتها.

وكانت الحادثة الأهم والأشهر التي أثارت قضية العنف والجريمة في إسرائيل هي تلك المتعلقة بمهاجمة عصابة من الشبان والشابات من المراهقين عائلة كانت تتنزه بالقرب من شاطىء تل أبيب، فاعتدت على الأب بالضرب المبرح ، الأمر الذي أدى في نهاية الأمر الى وفاته.

وقد جاء ذلك ضمن سلسلة من الجرائم العنيفة مثل إكتشاف جثة لإمرأة مقطعة تحترق في برميل للنفايات، والعثور على جثة رجل مقتول في أحد الجداول، و مقتل إمرأة طعناً على يد مستأجر لديها.

وعلى إثر ذلك، اعترف كل من الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس ورئيس الوزراء نتانياهو بأن العنف والجريمة أصبحا يمثلان ظاهرة مخيفة في إسرائيل تهدد بتفشي حالة من حالات الإرهاب الداخلي في المجتمع الإسرائيلي .

وفي جلسة استماع للجنة الشئؤون الداخلية وحماية البيئة في إسرائيل عقدت في شهر أغسطس الماضي، لاستجواب قائدة الشرطة الإسرائيلية حول ارتفاع معدلات الجريمة خلال العام 2009، أشارت معطيات اللجنة إلى أن الخسائر المالية من جراء تفشي هذه الظاهرة قدرت بحوالي 13 مليار شيكيل إسرائيلي ( نحو 25ر3 مليار دولار) خلال العام 2009.

كما أشارت اللجنة إلى أنه خلال هذا العام فتح حوالي 000ر240 ملف جنائي، كان من بينها 000ر32 ملف يمثلون نسبة 9\% بسبب العنف، وأن هذا العام شهد 72 جريمة قتل، في حين تم فتح 500ر7 قضية حمل سلاح أبيض سكين .

وخلال الجلسة أشار قائد الشرطة الإسرائيلية إلى أنه بصدد تنفيذ مشروع مدن بلا جريمة الذي من المقرر أن يبدأ تنفيذه في 12 مدينة إسرائيلية، ومن ثم يستكمل في 40-50 مدينة أخرى، ومن المقرر أن تشارك في ميزانيته السلطات المحلية، ومن المؤمل أن يخفض من نسبة الجريمة في إسرائيل بما يترواح ما بين 20\% -30\%.

ونوه قائد الشرطة إلى أن الجهاز سيبدأ من بداية العام 2010 في تجنيد 1000 شرطي جديد بميزانية تقدر بمليار شيكيل ( نحو 250 مليون دولار) في العام للمساهمة في تعزيز الأمن والعمل على تقليل نسب الجريمة.

وهناك حقيقة جديرة بالملاحظة تتعلق بنسبة العنف الجنسي الذ يعد من أبرز مظاهر العنف والجريمة في إسرائيل، وقد ظهرت على السطح بشكل كبير خلال عام 2009، وشملت الكثير من المؤسسات الحكومية المدارس وحتى الجيش .

فقد هز المجتمع الإسرائيلي مؤخرا، قضية اغتصاب جد لحفيداته الثلاث لمدة 3 سنوات متتالية وقبيل الحكم على الجد المغتصب كانت الشرطة قد القت القبض على أبراهام يعكوف من سكان مستوطنة كفار سابا، وهو في الخامسة والخمسين في عمره، ووجهت إليه تهم الإغتصاب والأعمال المشينة والتحرش الجنسي بنساء كبيرات في السن في مؤسسة خاصة لرعاية كبار السن ذوي الإحتياجات الخاصة.

وفي المدارس الإسرائيلية أيضا، انتشرت هذه الظاهرة بشكل كبير؛ حيث تم القاء القبض على مدير مدرسة بإحدى مستوطنات الضفة الغربية يتحرش جنسياً بعشرات من طلابه الذين كانوا يتحدثون فيما بينهم حول ما يقوم به المدير من أعمال مشينة .

كما تشير عدة أبحاث بوزارة التربية والتعليم الإسرائيلية الى أن ظاهرة العنف في المدارس في إزدياد مستمر، ووصلت نسبة المتعرضين من الطالبات والطلاب للتحرشات الجنسية الى 1ر29 \% من الذين كانوا على إستعداد للتحدث بهذا الشأن بينما هنالك الكثيرون ممن يتعرضون للتحرش ويتخوفون من الإدلاء بأية معلومات.

وتذكر الدراسات الإسرائيلية أن واحدة من كل ثلاث نساء تعرضت للإعتداء الجنسي، وتعرضت واحدة من كل ثلاث نساء للإغتصاب، ويتبين أيضا أن غالبية ضحايا الإعتداءات الجنسية كن ضحايا لأقارب أو معارف .

وحتى الجيش الإسرائيلي لم يسلم من ظاهرة العنف الداخلي، فقد فتح الجيش الإسرائيلي هذا لعام تحقيقا في قضية تحرش وتعذيب من قبل ضباط في قاعدة تدريب عسكرية تابعة للواء كفير شمال أغوار الأردن، حيث نكل ضابط بصورة مخالفة للقانون بأحد الجنود ما أدى لفقدانه الوعي.

ومن ناحية أخرى، أشارت معطيات لجنة تحسين وضع المرأة في الكنيست الإسرائيلي لهذا لعام، أن هناك 363 شكوى تقدمت بها مجندات في الجيش الإسرائيلي لتعرضهن لأعمال عنف وتحرش جنسي.

وتبين عدة معطيات أن 62\% من الشكاوى تتطرق إلى حوادث تحرش عن طريق العنف، وأن 43\% من المتحرشين يخدمون في الخدمة الإلزامية، وأن 88\% من الضحايا هن من المجندات في الخدمة الإلزامية.

وبشكل عام يمكن القول، إن جذور العنف والجريمة المتغلغلة داخل إسرائيل ترجع إلى أيديولوجية الحركة الصهيونية التي ظهرت في القرن الـ19 واتبعها غالبية يهود العالم، ولاسيما اليهود الغربيين، فقد بررت هذه الأيديولجية لأناصرها استخدام أبشع وأحط الوسائل الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني لطرده من بلاده لاقامة دولة قومية لليهود في فلسطين.

وقد انعكس ذلك فيما على بعد على المجتمع الإسرائيلي من الداخل في أعقاب عقب قيام الدولة عام 1948، حيث بات من المعروف عن المجتمع الإسرائيلي وصفه بأنه أغرب المجتمعات على الإطلاق، ليس فقط لأنه نتاج أكبر جريمة في التاريخ المعاصر، ولكن أيضا لأن التكوين الفسيفسائي لهذا الكيان الخليط غير المتجانس يجعله مسرحا مفتوحا على الجريمة على بمختلف أنواعها.

ومع أن هذا المجتمع الذي يحاول أن يقدم نفسه على أنه نموذج للتطور والتحديث والديموقراطية إلا أنه في الحقيقة مخلخل ومتحلل نفسيا واجتماعيا، بحكم تكوينه غير الطبيعي، وعدم قدرته على البقاء بغير الأسلوب ذاته الذي تأسس عليه وهو الجريمة .
11/22/2009 5:14 pm


أ ش أ / إعداد : أحمد صلاح البهنسي
علوم وتكنو
ماشي .كوم