بسم الله الرحمن الرحيم

من أسرار القرآن:
(446)- (وَلاَتَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّوَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً*)
(الاسراء:23)
بقلم
الأستاذ الدكتور: زغلول راغب محمد النجار
تنهي هذه الآية الكريمة عن قتل النفس الإنسانية بغير وجه حق, كما ينهي عنه رسول الله -صلي الله عليه وسلم- بقوله الشريف: "اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله! وما هن؟ قال: الشرك بالله, والسحر, وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, وأكل الربا, وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الزحف, وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات." (البخاري). وبقوله:"لزوال الدنيا أهون علي الله من قتل رجل مسلم." (الترمذي). وقوله: "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة, وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما." (البخاري).
كذلك وجهت الآية الكريمة ولي المقتول ظلما إلي عدم الإسراف في القتل, وذلك بقتل غير القاتل, كما كان يفعل أهل الجاهلية, وكما يفعل أهل الثأر في زماننا, الذين يقتلون بالواحد عددا أكثر ممن لا ذنب لهم في جريمة القتل والله - تعالي- جعل لولي المقتول سلطة علي القاتل بفرض القصاص عليه, أو قبول الدية منه, أو العفو عنه.
وتؤكد الآية الكريمة أن علي الحاكم المسلم أو من ينوب عنه أن يأخذ للمقتول حقه من قاتله, بعد ثبوت جريمة القتل عليه في محاكمة نزيهة. فالنفس الإنسانية ملك لخالقها, الذي أوجدها, وحدد لها أجلها فلا يجوز لعبد من عباد الله أن يقتل غيره, ولا أن يقتل نفسه, لأنه لا يملك حق التصرف في نفوس العباد إلا الله. فنفس كل إنسان أمانة عنده إلي أجل محدد بقضاء الله وقدره, وبالتالي فلا يجوز لعبد من عباد الله أن يتدخل فيما قضي الله وقدر, ومن هنا كان اعتداء الإنسان علي نفسه كاعتدائه علي غيره سواء بسواء, ولذلك قضت الآية الكريمة التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال ألا يقتل الناس بعضهم بعضا, كما تنهي عن قتل الإنسان نفسه بالانتحار أو بالقيام بأعمال قد تؤدي إلي هلاك نفسه, وفي ذلك يروي عن رسول الله - صلي الله عليه وسلم- قوله: "كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح, فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده, فما رقأ الدم حتى مات, قال الله- تعالي: بادرني عبدي بنفسه, حرمت عليه الجنة" (البخاري). وقال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا; ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا; ومن تردي من جبل فقتل نفسه فهو يتردي في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا." (مسلم).
وإذا كان رسول الله - صلي الله عليه وسلم- يبشر الذي يقتل نفسه بالخلود المخلد أبدا في نار جهنم, فما بال الذي يقتل غيره, أو يتسبب في قتل عشرات الآلاف من البشر الأبرياء بدون وجه حق, كالذي حدث في كل من الحربين العالميتين الأولي والثانية, وفي كل من جريمتي هيروشيما وناجازاكي, وفي ساحات كل من أفغانستان وباكستان, والعراق, وما يجري اليوم علي أراضي كل من سوريا وميانمار, ومالي, والذي يحدث علي أرض فلسطين منذ قرابة قرن من الزمان, وهذه كلها جرائم أكبر إثما, وأشد تحريما من قتل الإنسان نفسه!!
وللتحذير من الولوغ في ذلك يقول رسول الله - صلي الله عليه وسلم-: "أول ما يقضي بين الناس بالدماء". (البخاري). ويقول: "كل ذنب عسي الله أن يغفره إلا الرجل يقتل المؤمن متعمدا, أو الرجل يموت كافرا." (النسائي)
والقاتل
لو صبر علي من قتل, فإن أجله كان حتما سيأتيه في نفس اللحظة التي قتله فيها وذلك انطلاقا من قول الله - تعالي-: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُّؤَجَّلاً...) (آل عمران:145). ومن قول رسوله - صلي الله عليه وسلم-: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما, ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك, ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك, ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه, وأجله, وعمله وشقي أم سعيد." (متفق عليه).