بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته





..


عباد الله: الواجب علينا أن نستقبل الشهر بترك الذنوب .. الواجب علينا أن نستقبل الشهر بالتوبة إلى الله عز وجل؛ إذ إن كثيراً من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه، ولكنهم لم يفهموا هذا الأمر فهماً جيداً، فضيعوا أمر الله احتجاجاً برحمته، ووقعوا في الكبائر والفواحش احتجاجاً بلطفه، ونسوا أن الله شديد العقاب، كما أنه غفور رحيم، وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين، ومن اعتمد على عفو الله مع إصراره على معصية الله فهو كالمعاند.


قال بعض السلف: رجاءك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق.
وقال بعض الناس للحسن : نراك طويل البكاء، قال: [أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي].

فهذا الحسن البصري من العلماء العباد والزهاد والمحدثين، هذا عظيم خوفه وجليل إشفاقه من الله عز وجل، مع أنه لم يقترف من الذنوب ما اقترفه السفهاء، ولم يقع في المعاصي كما وقع فيه الأغبياء والجهلاء، بل سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بُشر بالجنة ، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكان إذا رأى في السماء لوناً أو تغيراً؛ تغيَّر وجهه واصفر لونه صلى الله عليه وسلم، ويقول: (اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً).


وإذا كسفت الشمس أو خسف القمر؛ ظهر صلى الله عليه وسلم من حجرته يجر رداءه خوفاً ووجلاً وإخباتاً وخشوعاً وخشيةً من الله عز وجل أن يحل بالخلق ما يحل بهم، فما بالنا نحن معاشر الذين جمعنا مع الذنوب أملاً عظيماً ومع التفريط رجاءً واسعاً ؟

فنعوذ بالله أن نكون من الذين يقع فيهم أو يحل فيهم أمر الله وقوله: وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47].



سأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد ! كيف نصنع بمجالسة أقوام يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تنقطع؟
فقال: [والله لأن تصحب أقواماً يخوفونك حتى تدرك أمناً، خير لك من أن تصحب أقواماً يؤمنونك حتى تلحقك المخاوف].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه -أي: يعطي العبد ما يحب- فإنما هو استدراج، ثم تلا قول الله عز وجل: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام:44]).

فالعاقل - يا عباد الله - يحاسب نفسه وينتبه ويعد للأمر عدته، ويحذر أن تكون هذه المعاصي قد جعلت على قلبه طبقة من الران، فأصبح كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14].



بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من
الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم،
فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.