منذ أن بزغ نور الإسلام انتشر العدل بين الناس وتخلصوا من عباد الناس إلى عبادة رب الناس في منهج متكامل يجمع بين الدين والدنيا ، وقد كانت تلك الحادثة التى وقعت لعبدالله بن مكتوم وهو رجل اعمى جاء للرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان عنده أكابر القوم يدعوهم إلى الإسلام فأعرض عنه ونزلت في حقه آيات عتاب رقيق للنبي لتثبت لنا أن ذوي الاحتياجات الخاصة (المعاقين) هم جزء من مجتمعنا ، وأن العناية بهم وتقديم الخدمات المتميزة لهم هي مبدأ من مبادى الإسلام الخالدة .

فقد كان النبي بعد هذه الحادثة يبسط رداءه لابن مكتوم ويقول له مداعبا ( أهلا بمن عاتبني فيه ربي) ، قال تعالى: {عبس وتولى ، أن جاءه الأعمى ، وما يدريك لعله يتزكى ، أو يذكر فتنفعه الذكر}سورة عبس الآية 1-4.
وبالتأمل فى منهج الإسلام نجد أنه يهتم برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة (المعاقين) ويحثنا على ذلك كما يوضح لنا الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح من علماء الأزهر قائلاً : لا احد ينكر أن الإسلام ساوى بين الناس وجعل معيار التفضيل هو تقوى الله عز وجل {إن أكرمكم عند الله اتقاكم}، كما ان الإسلام يؤكد لنا أن الإنسان مكرم في أصل خلقه {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}) الإسراء الآية 70.

فكون أن يخلق الفرد ولديه نقص أو كمال فهو بمشيئة الله قال تعالى {هوالذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم}آل عمران الآية 6.

ويوجهنا ديننا الحنيف إلى عدم النفور من ذوي الاحتياجات الخاصة هذا الأمر كان شائعا قبل الإسلام ، وجاء الإسلام ليكرم هذه الفئة قال تعالى {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج } النور الآية 61.

وتتجلى رحمة رسول الله -صلى الله عليه و سلم- بذوي الاحتياجات الخاصة عندما كان متوجهاً بالجيش الى جبل أحد ، واضطر المرور بمزرعة لرجل ضرير، قام بسب النبي -صلى الله عليه و سلم-، بل وأخذ في يده حفنة من تراب وقال للنبي : والله لو أعلم أنى لا أصيب بها غيرك لرميتك بها ! فهم أصحاب النبي بقتل هذا الأعمى فأبي عليهم -نبي الرحمة- وقال:دعوه فهذا الأعمى أعمى القلب، أعمى البصر "، وهنا لم ينتهز رسول الله ضعف هذا الضرير، ولم يأمر بقتله أو حتى بأذيته،بل عفا عنه ، وذلك لأن ليس من شيم المسلمين الاعتداء على أصحاب العاهات أو النيل من أصحاب الإعاقات، فقد كانت سنة نبينا محمد هى الرفق بهم، والاتعاظ بحالهم.

تقول الدكتورة آمنة نصير، أستاذ الفلسفة الإسلامية والعقيدة وعميدة كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، إن الإسلام أكد أولوية هذه الفئة في التمتع بكافة هذه الحقوق، بل ان قضاء حوائجهم مقدم على قضاء حوائج الأصحاء، ورعايتهم مقدمة على رعاية الإكفاء ، يكفى ان اقول ان ذوو الاحتياجات الخاصة، في المجتمعات الأوروبية الجاهلية، كانوا مادة للسخرية والتسلية الى ان جاء الدين الإسلامي السمح ليحرم السخرية من الناس عامة، ومن أصحاب البلوى خاصة، وأنزل الله تعالى آيات بينات تؤكد تحريم هذه الخصلة الجاهلية، فقال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون}الحجرات: 11.

فالاحتقار من الناس والاستخفاف بهم حرام فالمبتلى قد يكون أعظم قدرًا عند الله أو أكبر فضلاً على الناس ، ولقد حذر النبي-صلوات الله عليه- أشد التحذيرمن تضليل الكفيف عن طريقه، أو إيذائه سخرية فقال:"مَلْعُونٌ مَنْ كَمَهَ أَعْمَى عَنْ طَرِيق".

ففى هذا التحذير النبوى وعيد شديد لمن اتخذ العيوب الخلقية سببا للتسلية أو التقليل من شأن أصحابها، فصحاب الإعاقة هو أخ أو أب أو ابن ابتلاه الله ليكون بيننا شاهدًا على قدرة الله، لا أن نجعله مادة للتسلية.

ويوضح لنا فضيلة الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق، أنه لا يوجد مجتمع على وجه الأرض يدعو بالشفاء والرحمة لأصحاب الاحتياجات الخاصة، غير مجتمع المسلمين، حيث منهج نبي الإسلام، فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يدعو للفئات الخاصة من ذوي الاحتياجات- تثبيتاً لهم وتحميسًا على تحمل البلاء، فعندما جاءه -صلوات الله عليه- رجل ضرير البصرِ، فقال الضرير: ادع اللّه أن يعافيني..
قال -صلى الله عليه و سلم - : "إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك". قال: فادعه.
فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء:
" الَّلهُمَّ إنِّي أسألكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ مُحَمَّد نبيِّ الرَّحمةِ إنِّي توجَّهتُ بكَ إِلى رَبِّي في حاجتي هذِهِ لتُقْضَى لي، الَّلهُمَّ فَشَفِّعْهُ فيَّ ".

ومن رحمة الشريعة الاسلامية بذوي الاحتياجات الخاصة مراعاتهم في كثيرٍ من الأحكام التكليفية والتيسير عليهم ورفع الحرج عنهم، فعن زيد بن ثابت أن رسول الله -صلى الله عليه و سلم- أملى عليه: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله".
فقد رفع الله عنهم فريضة الجهاد ولم يكلفهم بحمل سلاح أو الخروج في سبيل الله(إلا إن كان تطوعًا) فقد ذهب عمرو بن الجموح وكان رجل أعرج وله ابناء ، وفى يوم أحد أرادوا حبسه ، وقالوا : له إن الله عز وجل قد عذرك ! فأتى رسول الله- صلى الله عليه و سلم - فقال:إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه . فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة فقال رسول الله : "أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك "، ثم قال لبنيه : "ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة" فخرج مع الجيش فقتل يوم أحد .

يقول الدكتور عبد المعطى بيومى عضو مجمع البحوث الإسلامية ، هناك الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التى تحثنا على تقديم الرعاية الكاملة لذوى الاحتياجات الخاصة ، فقد كان رسول الله يقدم المواساة والبشارة لكل صاحب إعاقة، فإذا صبر على مصيبته راضيا بما بلاه الله من بلوة واحتسب على الله إعاقته، فلا جزاء له عند الله إلا الجنة .

يقول النبي -صلى الله عليه و سلم- لأصحاب الإعاقات : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ".

وعن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم- استخلف بن مكتوم على المدينة مرتين يصلي بهم وهو أعمى.

وقد كان الرسول الكريم صبوراً جدا على قضاء حوائج ذوي الاحتياجات الخاصة وهذا من حلمه وتواضعه -صلى الله عليه و سلم - ليقدم لأمته خير مثال وقدوة على ضرورة التكفل برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة فى جميع النواحى الصحية والنفسية والاقتصادية وسد احتياجاتهم من توفير حياة كريمة وتعليمهم كل حسب قدراته ومستواه والعمل على خدمتهم .

فالشرع أكد على ضرورة الرعاية الكاملة لذوي الاحتياجات الخاصة، وجعلهم في سلم أولويات المجتمع الإسلامي، وشرع العفو عنهم وتكريمهم ، خاصة من كانت له موهبة أو حرفة نافعة ، وحث الدين على زيارتهم ، وكان منهج الرسول الكريم في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، في الوقت الذى لم تعرف فيه الشعوب ولا الأنظمة اية حقوق لهذه الفئة خير المناهج وأعدلها واكثرها رفقا بهم ونفعا لهم .


المصدر :http://www.moheet.com