الحياة الطيبة

للحصول على الحياة الطيبة أسباباً، ألا وهي التوبة من المعاصي، واستشعار النعمة،


وفعل الفرائض، وترك النواهي، فبفعل هذه الأسباب يصبح العبد قريباً من الله عز وجل،


حينها سينال الحياة الطيبة، وسيعيش السعادة الحقيقية بقربه سبحانه. ومن أهم الثمرات للحياة الطيبة استجابة الدعاء،


فلنحرص على الحصول على هذه الحياة الطيبة.




التوبة واستشعار نعم الله من أسباب الحصول على الحياة الطيبة





الحياة إما للإنسان وإما عليه، تمر ساعاتها ولحظاتها وأيامها وأعوامها على الإنسان، وتقوده إلى المحبة والرضوان؛


حتى يكون من أهل الفوز والجنان، أو تمر عليه فتقوده إلى النيران، وإلى غضب الواحد الديان. الحياة إما أن تضحكك


ساعة لتبكيك دهراً، وإما أن تبكيك ساعة لتضحكك دهراً، الحياة إما نعمة للإنسان أو نقمة عليه، هذه الحياة التي عاشها


الأولون وعاشها الآباء والأجداد، وعاشها السابقون، وصاروا إلى الله عز وجل بما كانوا يفعلون، الحياة معناها كل لحظة


تعيشها، وكل ساعة تقضيها، ونحن في هذه اللحظة نعيش حياة إما لنا وإما علينا، فالرجل الموفق السعيد من نظر في هذه


الحياة وعرف حقها وقدرها، فهي والله حياة طالما أبكت أناساً فما جفت دموعهم، وطالما أضحكت أناساً فما ردت عليهم


ضحكاتهم ولا سرورهم. أحبتي في الله! الحياة الدنيا جعلها الله ابتلاءً واختباراً وامتحاناً تظهر فيه حقائق العباد، ففائز برحمة الله سعيد،


ومحروم من رضوان الله شقي طريد، كل ساعة تعيشها إما أن يكون الله راضياً عنك في هذه الساعة التي عشتها، وإما العكس والعياذ بالله،


فإما أن تقربك من الله، وإما أن تبعدك من الله، وقد تعيش لحظة واحدة من لحظات حب الله وطاعته تغفر بها سيئات الحياة، وتغفر بها ذنوب العمر،


وقد تعيش لحظة واحدة تتنكب فيها عن صراط الله، وتبتعد فيها عن طاعة الله؛ تكون سبباً في شقاء الإنسان في حياته كلها،


نسأل الله السلامة والعافية. فهذه الحياة فيها داعيان: داعٍ إلى رحمة الله ورضوان الله ومحبته،


وأما الداعي الثاني: فهو داعٍ إلى ضد ذلك، من شهوة أمارة بالسوء، أو نزوة داعية إلى خاتمة السوء،


والإنسان قد يعيش لحظة من حياته يبكي فيها بكاء الندم على التفريط في جنب ربه،


يبدل الله بذلك البكاء سيئاته حسنات، وكم من أناس أذنبوا، وكم من أناس أساءوا،


وكم من أناس ابتعدوا وطالما اغتربوا عن ربهم، فكانوا بعيدين عن رحمة الله، غريبين عن رضوان الله، وجاءتهم تلك الساعة


واللحظة وهي التي نعنيها بالحياة الطيبة؛ لكي تراق منهم دمعة الندم، ولكي يلتهب في القلب داعي الألم؛


فيحس الإنسان أنه قد طالت عن الله غربته، وقد طالت عن الله غيبته؛


لكي يقول: إني تائب إلى الله، ومنيب إلى رحمته ورضوانه! وهذه الساعة ساعة الندم هي مفتاح السعادة للإنسان،


وكما يقول العلماء: إن الإنسان قد يذنب ذنوباً كثيرة، ولكن إذا صدق ندمه وصدقت توبته بدل الله سيئاته حسنات، فأصبحت حياته طيبة بطيب ذلك الندم،


وبصدق ما يجده في نفسه من الشجا والألم، ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحيي في قلوبنا هذا الداعي إلى رحمته،


وهذا الألم الذي نحسه من التفريط في جنبه. أحبتي في الله! نريد من كل واحد منا أن يسأل نفسه سؤالاً عن الليل والنهار،


كم يسهر من الليالي؟! وكم يقضي من الساعات؟! كم ضحك في هذه الحياة؟!


وهل هذه الضحكة ترضي الله عز وجل عنه؟ وكم تمتع في هذه الحياة؟!


وهل هذه المتعة ترضي الله عز وجل عنه؟ وكم سهر؟! وهل هذا السهر يرضي الله عنه؟ وكم وكم..؟ يسأل نفسه أسئلة،


وقد يبادر الإنسان ويقول: لماذا أسأل هذا السؤال؟ نعم! تسأل هذا السؤال؛ لأنه ما من طرفة عين ولا لحظة تعيشها إلا وأنت تتقلب في نعمة الله،


ومن الحياء والخجل مع الله أن نستشعر عظيم نعمة الله علينا، وأن نحس أننا نطعم طعام الله،


وأننا نستقي من شراب خلقه الله، وأننا نستظل بسقفه، وأننا نمشي على أرضه، وأننا نتقلب في رحمته،


فما الذي نقدمه في جنبه؟ فليسأل الإنسان نفسه.


يقول الأطباء: إن في قلب الإنسان مادة لو زادت (1%) أو نقصت (1%) مات في لحظة، فأي لطف وأي رحمة وأي عطف وأي حنان من الله يتقلب فيها الإنسان.


يسأل الإنسان نفسه عن رحمة الله فقط: إذا أصبح الإنسان وسمعه معه، وبصره معه، وقوته معه،


فمن الذي حفظ له سمعه؟ ومن الذي حفظ له بصره؟ ومن الذي حفظ له عقله؟ ومن الذي حفظ له روحه؟ فليسأل نفسه من الذي حفظ عليه هذه الأشياء؟


من الذي يمتعه بالصحة والعافية؟ هاهم المرضى على الأسرة البيضاء يتأوهون ويتألمون، والله يتحبب إلينا بهذه النعم،


يتحبب إلينا بالصحة، بالعافية، بالأمن، بالسلامة، كل ذلك فقط لكي نعيش هذه الحياة الطيبة.




من أسباب الحصول على الحياة الطيبة فعل الفرائض وترك النواهي


إن الله تعالى يريد من عبده أمرين: الأمر الأول: فعل فرائضه. والأمر الثاني: ترك نواهيه وزواجره،


ومن قال: إن القرب من الله عز وجل فيه الحياة الأليمة أو فيه الضيق، فقد أساء الظن بالله،


والله! إذا ما طابت الحياة في القرب من الله فلن تطيب بشيء سواه، وإذا ما طابت بفعل فرائض الله وترك محارم الله فوالله لا تطيب بشيء سواه،


ويجرب الإنسان متع الحياة كلها فإنه والله لن يجد أطيب من متعة العبودية لله؛


بفعل فرائض الله وترك محارم الله. أنت مأمور بأمرين: إما أن يأتيك الأمر: افعل أو لا تفعل،


إذا قمت بفعل أي شيء في هذه الحياة فاسأل نفسك: هل الله عز وجل أذن لك بفعل هذا الشيء أم لم يأذن لك؟ فالأجساد والقلوب والأرواح ملك لله،


ينبغي للإنسان إذا أراد أن يتقدم أو يتأخر أن يسأل نفسه، هل الله راضٍ عنه إذا تقدم؟ فليتقدم،


أو الله غير راضٍ عنه؟ فليتأخر، فوالله ما تأخر إنسان ولا تقدم وهو يرجو رحمة الله إلا أسعده الله. ......




عوائق القرب من الله


هناك ثلاثة عوائق تمنعك من القرب من الله:


أولها: الشهوة التي تحول بينك وبين القرب من الله. ثانيها: سوء الظن بالله. ثالثها: الشيطان الذي أخذ على نفسه العهد أن يبعدك من الله عز وجل.


فأما الشهوة: فهي لذة ساعة وألم دهر.. شهوة اللهو واللعب الذي وصف الله عز وجل به هذه الحياة الدنيا أنها لهو ولعب،


ولكن كم من أجساد لهت ولعبت وهي الآن تتقلب في عذاب القبور! وكم من أجساد لهت ولعبت ترى الآن الضنك في ضيق القبور!


وكم من أناس الآن تضيق عليهم اللحود، هؤلاء يتمنون لحظة واحدة من ذكر الله وطاعته.


لن تعرف قيمة هذه الحياة ولا حقيقة هذه الشهوة التي دعت إلى معصية الله،


إلا إذا جاء وقت فراق هذه الحياة، ولن تجد ندماً أصدق من ندم الإنسان إذا ودع هذه الحياة،


وسيعرف الإنسان حقيقة الشهوة التي هي أول العوائق إذا فارق الحياة،


وبمجرد أن تأتي لحظة الفراق تبكي بكاء الندم، ويقول الإنسان -ولو كان صالحاً- :رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100]،


يتمنى -ولو كان صالحاً- أن يرجع؛ لكي يزيد من صحيفة العمل،


ولا يغتر الإنسان ويقول: إن هذه الساعة بعيدة؛ لأنه شباب، فكم من حوادث أخذت أناساً في عز الشباب وزهرته،


وشدة النشوة واكتمال العمر، ولذلك ينبغي للإنسان أن يعرف حقيقة هذه الشهوة، والله عز وجل لم يحرمنا من الشهوة،


ولا منعنا من اللذة، بل جعل للشهوة موضعاً ومكاناً معيناً، أميناً سليماً نقياً،


ولا يأذن لك أن تضع الشهوة في غير هذا المكان. أما الأمر الثاني من العوائق فهو: سوء الظن بالله،


وبعض الناس إذا قلت له: أقبل على الله! يقول لك: يا أخي! لماذا تضيق عليّ؟! دعني أتمتع بالحياة! دعني أسهر وأتمتع بسهري،


وأذهب وآتي وأتمتع بذهابي دون قيود أو حدود! يحس أن الحياة الضنكة والأليمة إذا اقترب من الله!! فوالله ثم والله!


أنه لا أطيب من القرب من الله! ومن أراد أن يجدد لذة القرب من الله فليزدد من طاعة الله عز وجل، وليزدد من الصالحات،


وليزدد من الأعمال التي تحبب إلى الله عز وجل، وتدعوه إلى مرضاته؛ حتى يحس ساعتها بلذة العبودية لله تبارك وتعالى.


أما الأمر الثالث الذي يعيق الإنسان عن طاعة الله ومحبته فهو: الشيطان الرجيم، وهذا الشيطان على نوعين: شيطان إنس،


وشيطان جن، فمن أراد القرب من الله عز وجل فعليه أن يفر من شياطين الإنس وشياطين الجن،


أما شياطين الإنس فهم الذين يزهدون في طاعة الله، وييئسون الإنسان ويقنطونه من رحمة الله،


فينبغي للإنسان ألا يصغي إليهم، وليعلم أن الصديق الصادق في محبته ومودته وخلته، هو الذي يهدي إليه عيوبه،


ويدعوه إلى محبة ربه وذل العبودية لخالقه. وأما شيطان الجن فهي الوساوس التي يقذفها في قلب الإنسان،


ويقول له: انتظر فلا زال في العمر بقية، ولا تعجل، وتمتع بهذه الحياة، تمتع بالشهوات فيها، واسهر ما شئت من الليالي،


وافعل ما شئت من لذات هذه الحياة، فإن الحياة طويلة، ولا يزال يمنيه ويسليه حتى يسلمه إلى عاقبة الردى،


نسأل الله جل وعلا أن يعصمنا وإياكم من ذلك.