يقول المولى وتعالى في محكم تنزيله الكريم:
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)

يأمر الله تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة أهل الإيمان أن يكونوا مع الصادقين وخصّ المنعم عليهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

واذا تمعّنا في قوله تعالى في هذه الآية الكريمة والتي هي غيض من فيض من الآيات الكريمة التي تناولت الحديث عن الصدق, هذه السمة التي تنسب مباشرة الى الصالحين, فالمؤمن معروف أنه لا يكذب كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم, وهذه الصفة الحميدة اتسم بها صلوات ربي وسلامه عليه بين قومه قبل النبوة ولقـِّب ب ( الصادق الأمين) صلوات ربي وسلامه عليه.

والصدق صفة تنتفي تماما عن المنافقين وأهل النفاق الذين يرفعون شعار الكذب , وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم الى ذلك بقوله: آية المنافق ثلاثة وان صلى وصام وزعم أنه مسلم: اذا حدّث كذب, واذا وعد أخلف, واذا أؤتمن خان.
وقال عليه الصلاة والسلام: أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا, ومن كانت فيه خصلة منها كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها (أي حتى يتوب منها): اذا حدّث كذب, واذا عاهد غدر, واذا أؤتمن خان, واذا خاصم فجر...
ومعنى اذا خاصم فجر: أنه لا يكتفي أنه مخاصم وانما يشنّع بالذي خاصمه حتى يفضحه, سواء كان كاذبا أم صادقا في تشنيعه لمن خاصمه.

والصدق هو العلامة الفارقة بين أهل الايمان وأهل النفاق, واهل الجنة وأهل النار, وهو سيف بتار يُسلط على رقاب الكذابين, والذي اذا وقع على رقبة كاذب قطعها, واذا واجه باطلا أبطله وأزهقه, وكما في قوله تعالى:
وقل جاء الحق وزهق الباطل انّ الباطل كان زهوقا

وقوله تبارك وتعالى: وقل ربّ أدخلني مُدخل صدق وأخرجني مُخرج صدق

وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انّ الصدق يهدي الى البر, وانّ البرّ يهدي الى الجنة, وما يزال الرجل يـَصدُق ويتحرّى الصدق حتى يـُكتب عند الله صِدّيقا, وانّ الكذب يهدي الى الفجور, وانّ الفجور يهدي الى النار, وما يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتى يـُكتب عند الله كذابا.

من أطاع الله وأطاع رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بكل ما أمر الله تعالى به , ونهى عما نهى عنه الله عزوجل وزجر فمأواه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين كما في قوله تبارك وتعالى:
ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

انّ الصدق والكذب ليسا صفتان متعاكستان , بمعنى أنّ الصدق ليس عكسه الكذب, بل يظهر كل منهما أثناء غياب الآخر, كالايمان والكفر, اذا غاب الكفر ظهر الايمان, واذا غاب الايمان ظهر الكفر, وكالقمر والشمس والليل والنهار, فهل نستطيع أن نقول أن الليل عكس النهار؟ أو القمر عكس الشمس؟ بالتأكيد لا.. ذلك أنه اذا غاب الليل ظهر النهار, واذا غاب القمر تطلع الشمس, ولو أنهما متعاكسان لظهرا في كبد السماء في وقت واحد وكل منهما بنوره الخاص به.

وهذا ما اكده النبي صلى الله عليه وسلم لملك الروم عندما دعاه الى الاسلام بقوله : أبشر بجنة عرضها السموات والأرض, فارسل اليه ملك الروم يسأله: أين طولها؟ فردّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: سبحان الله! أين الليل اذا طلع النهار؟

وقد قيل بأن الناس معادن في التعامل, وكذلك في الدين نجد المنافق بكذبه والمؤمن بصدقه, وهذا ما اكده المولى تبارك وتعالى في قوله الكريم : ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم, وهذه حقيقة ساطعة أساسها الصدق , ولنعلم أنّ الكذب والايمان لا يجتمعان بمكان, ذلك أنّ الصدق نجاة لصاحبه يوم القيامة ولا ينفع العبد ولا ينجيه من عذاب الآخرة الا الصدق, وهذا ما تجلى في قوله عزوجل بآية عظيمة ختم بها سورة المائدة:هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية الكريمة: هذا يوم ينفع الموحدون توحيدهم.... لله عزوجل الها واحدا فدرا صمدا لا شريك له.

حالات الصدق

وقد ذكر العلماء حالتينت اثنتين للصدق: أولها: استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها. والصدق في الأعمال استواء الأفعال على الأمر والمتابعة عليها كاستواء الرأس على الجسد.

ثانيها:: استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص, وذلك يكون العبد قد حصل على الصدق. ولم يرخّص االنبي صلى الله عليه وسلم في الكذب في أحوال ثلاث : في الحرب, وفي الإصلاح بين الناس, وحديث الزوجين فيما بينهما.

وأشدّ أنواع الكذب هو الكذب على الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وسلم, لأنّ هذا النوع من الكذب يـُكفر صاحبه خاصة اذا تبعه تحليل حرام أو تحريم حلال, لقوله تبارك وتعالى في سورة الزمر 60: ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة.

هذا عدا على أنّ من كذب على لسان النبي صلى الله عليه وسلم متعمدا فليتبوأ مقعده من النار لقوله عليه الصلاة والسلام: من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار..