من روائع المنثور
الإحسان
قال تعالى{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتبَ الإحسانَ على كلّ شيء "
وسألَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ محمدَّ بنَ كعبٍ القرظيَّ – رحِمَهُما الله تعالى – قائلاً : صفْ لِيَ العدلَ ، قال : بَخٍ ، سألتَ عن أمرٍ جسيمٍ ، كُنْ لصغيرِ الناسِ أبًا ، ولكبيرِهم ابنًا ، وللمِثلِ أخًا ، وللنساءِ كذلكَ !
وعاقبِ الناسَ على قدرِ ذنوبِهم ، ولا تضرِبَنَّ في غضبِكَ سوطًا واحدًا فتكونَ من العادينَ . ذاك وصفُ العدلِ . أما الفضلُ فلَهُ سِيرةٌ أخرى لعل أقربَهَا ما جاءَ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ – رضي الله عنه – أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم – قال له : " ألا أدُلُّكَ على أكرمِ أخلاقِ الدنيا والآخرةِ ؟ أن تصِلَ من قطعَكَ ، وتعطِيَ من حَرَمَكَ ، وذاك هو الإحسان " .
فاصل :
قال أبو الفتح البستي :
زيادةُ المرءِ في دنياهُ نُقصانُ وربحُهُ غيرَ محضِ الخيرِ خسرانُ
أحسِنْ إلى الناسِ تَستعْبِدْ قُلُوبَهُمُ فطَالَمَا استَعْبَدَ الإنسانَ إحسانُ
من جادَ بالمالِ مالَ الناسُ قاطبةً إليه ، والمالُ للإنسان فَتَّانُ
أحسنْ إذا كان إمكانٌ ومقدرةٌ فلن يدومَ على الإحسانِ إمكانُ
قال ابنِ عباسٍ – رضي اللهُ عنهما – : " خمسًا ، لهنَّ أحسَنُ من الدُّهْمِ المُوقَفَةِ ( أي التي أُعِدَّتْ للركوبِ ) . لا تَكَلَّمْ فيما لا يَعنِيكَ ، فإنه فَضْلٌ ولا آمَنُ عليكَ الوِزْرَ ، ولا تتكَلَّمْ فيما يَعْنِيكَ حتى تَجِدَ له موضِعًا ، فإنه رُبَّ مُتَكَلِّمٍ في أمرٍ يَعْنِيهِ ، قد وَضَعَهُ في غيرِ موضِعِهِ فَعُنِّتَ ، ولا تُمارِ حليمًا ولا سفيهًا ، فإن الحليمَ يَقْلِيكَ وإن السفيهَ يُؤذِيكَ ، واذكرْ أخاكَ إذا تَغَيَّبَ عنكَ مما تُحِبُّ أن يَذْكُرَكَ بهِ . وأَعْفِهِ عما تُحِبُّ أن يُعْفِيَكَ منهُ ، واعمَلْ عَمَلَ رَجُلٍ يَرَى أنهُ مُجازًى بالإحسانِ ، مأخوذٌ بالإجرامِ " .

قال الدميري :
إذا كنتَ في أمرٍ فكنْ فيه مُحْسِنًا فعما قليلٍ أنتَ ماضٍ وتارِكُهْ
فكمْ دَحَتِ الأيامُ أربابَ دولةٍ وقد مَلَكَتْ أضعافَ ما أنتَ مالِكُهُ
وقال أحد الفضلاء :
كنا في البادية في طريقِ مكةَ ، فاشتاقت نفوسنُا إلى اللحم ، فرأينا أعرابيةً معها شاةً / فقلنا : بكم هذه الشاة ؟ فقالت : بخمسين درهمًا .
فقلنا لها : أحسني . فقالت : بخمسةِ دراهمٍ . ففلنا لها أتهزئين ؟ فقالت : لا والله ، سألتموني الإحسان ، ولولا الحاجة ما أخذت شيئًا ، فهزتنا أريحيةُ العطاءِ ، فأعطيناها ستمائةُ درهم ، وتركنا لها الشاةَ .
وقال صالح بنُ عبدِ القدوس :
ويُظهِرُ عيبَ المرءِ في الناسِ بُخْلِهِ ويَسْتُرُهُ عنهمْ جميعًا سخاؤهُ
تَغَطَ بأثوابِ السخاءِ فإنني أرى كلَّ عيبٍ والسخاءُ غِطاؤهُ
وقال آخر :
إن لم يكنْ ورِقٌ يومًا أجودُ بها للسائلين فإني ليِّنُ العودِ
لا يُعْدَمُ السائلون الخيرَ من خُلُقِي إمَّا نَوالاً وإمَّا حُسْنُ مَردودِ