سفيان بن عيينة
107 – 198 هـ

أبو محمد سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي أحد التابعين المحدِّثين فى مكة.
ولد سفيان بن عيينة فى الكوفة سنة (107هـ)، ونقله أبوه إلى مكة، وكان جده ميمون الهلالي مولى امرأة من بنى هلال بن عامر رهط ميمونة زوج النبى صلى الله عليه وسلم. وتعلم سفيان بن عيينة الحديث وهو غلام، وحفظ القرآن الكريم وهو ابن (10) سنين. وقد لقى الأعلام من علماء التابعين، فروى عن عمرو بن دينار، و ابن شهاب الزهري، وزيد بن أسلم، ومحمد بن المُنْكدر وغيرهم. وأتقن العلم حتى ازدحم طلاب العلم على بابه، ورحلوا إليه من البلاد التماسًا لما عنده. كان إماماً في علم الفرآن والسنة وحديث الحجازيين. ثقة حجة غير أنه تغير في آخر عمره. أدرك سبعة وثمانين من التابعين وشهد له العلماء بالإمامة. وروى عنه كثير ممن بلغوا مرتبة الإمامة، وشهدوا له بالفضل منهم: الحميدي، والشافعي، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل .. وكان سفيان بن عيينة رضي الله عنه مع علمه الغزير متواضعًا بعيدًا عن الادِّعاء، أو التصدى للفتاوى، تورُّعا وطلبًا للسلامة..
وقال عنه الشافعي: لولا مالك، وسفيان بن عيينة لذهب علم الحجاز. وقال ـ أيضا: ما رأيت أحدًا فيه من آلة العلم ما فى سفيان بن عيينة ، وما رأيت أكفَّ عن الفُتيا منه. قال العجلي : ” كوفي ثقة ثبت في الحديث ” وقال ابن مهدي ” أعلم الناس بحديث أهل الحجاز ” وقال ابن المديني :” ما في أصحاب الزهري أتقى من ابن عيينة” وقال الدارقطني :” ثقة مأمون ” وقال النسائي معروف ثقة “.
ورد في “وفيات الأعيان” لابن خلكان:
“أبو محمد بن سفيان بن عيينه بن أبي عمران ميمون الهلالي، مولى امرأة من بني هلال بن عامر رهط ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل مولى بني هاشم، وقيل مولى الضحاك بن مزاحم، وقيل مولى مسعر بن كدام؛ وأصله من الكوفة، وقيل ولد بالكوفة ونقله أبوه إلى مكة، ذكره ابن سعد في “كتاب الطبقات” وعده في الطبقة الخامسة من أهل مكة، كان إماماً عالماً ثبتاً حجة زاهداً ورعاً مجمعاً على صحة حديثه وروايته، وحج سبعين حجة. روى عن الزهري وأي إسحاق السبيعي وعمرو بن دينار ومحمد بن المنكدر وأبي الزناد وعاصم بن أبي النجود المقرئ والأعمش وعبد الملك بن عمير وغير هؤلاء من أعيان العلماء؛ وروى عنه الإمام الشافعي وشعبة بن الحجاج ومحمد ابن إسحاق وابن جريج والزبير بن بكار وعمه مصعب وعبد الرزاق بن همام الصنعاني ويحيى بن أكثم القاضي وخلق كثير، رضي الله عنهم.
ورأيت في بعض المجاميع أن سفيان خرج يوماً إلى من جاءه يسمع منه وهو ضجر، فقال: أليس من الشقاء أن أكون جالست ضمرة بن سعيد وجالس هو أبا سعيد الخدري، وجالست عمرو بن دينار وجالس هو ابن عمر رضي الله عنهما، وجالست الزهري وجالس هو أنس بن مالك، حتى عد جماعة، ثم أنا أجالسكم؟ فقال له حدث في المجلس: أتنصف يا أبا محمد؟ قال: إن شاء الله تعالى، فقال: والله لشقاء أصحاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بك أشد من شقائك بنا؛ فأطرق وأنشد قول أبي نواس:
خل جنـبـيك لـرام وامض عنه بسـلام
مت بداء الصمت خير لك من داء الكـلام
إنما السالـم مـن أل جم فـاه بـلـجـام
فتفرق الناس وهم يتحدثون برجاحة الحدث، وكان ذلك الحدث يحيى بن أكثم التميمي، فقال سفيان: هذا الغلام يصلح لصحبة هؤلاء، يعني السلطان-وسيأتي ذكر يحيى في حرف الياء إن شاء الله تعالى، وهو القاضي المشهور-.
وقال الشافعي: ما رأيت أحداً فيه من آلة الفتيا ما في سفيان، وما رأيت أكف عن الفتيا منه. وكان أدرك نيفاً وثمانين نفساً من التابعين. قال سفيان المذكور: كنت أخرج إلى المسجد فأتصفح الخلق فإذا رأيت مشيخة وكهولة جلست إليهم وأنا اليوم قد اكتنفني هؤلاء الصبيان، ثم ينشد:
خلت الديار فسدت غير مسود ومن الشقاء تفردي بالسؤود
قيل إنه في آخر سنة حج قال: قد وافيت هذا الموضع سبعين مرة وأقول كل مرة: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، وإني قد استحييت من الله من كثرة ما أسأله ذلك، فرجع فتوفي في العام القابل.
وقال رجل: كنت أمشي مع سفيان بن عيينة إذ أتاه سائل فلم يكن معه ما يعطيه، فبكى، فقلت: يا أبا محمد ما الذي أبكاك؟ قال: أي مصيبة أعظم من أن يؤمل فيك رجل خيراً فلا يصيبه؟.
وكان أبو عمران جد سفيان المذكور من عمال خالد بن عبد الله القسري، فلما عزل خالد عن العراق وولي يوسف بن عمر الثقفي طلب عمال خالد فهرب أبو عمران المذكور منه إلى مكة فنزلها، وهو من أهل الكوفة.
وقال سفيان: دخلت الكوفة ولم يتم لي عشرون سنة، فقال أبو حنيفة لأصحابه ولأهل الكوفة: جاءكم حافظ علم عمرو بن دينار، قال: فجاء الناس يسألونني عن عمر بن دينار، فأول من صيرني محدثاً أبو حنيفة، فذاكرته فقال لي: يا بني، ما سمعت من عمرو إلا ثلاثة أحاديث، يضطر في حفظ تلك الأحاديث.
ومولد سفيان بالكوفة في منتصف شعبان سنة سبع ومائة. وتوفي يوم السبت آخر يوم من جمادى الآخرة، وقيل أول يوم من رجب سنة ثمان وتسعين ومائة بمكة ودفن بالحجون، رحمه الله تعالى.
وعيينة: بضم العين المهملة وفتح الياء الأولى وسكون الثانية المثناتين من تحتهما وفتح النون وبعدها هاء ساكنة.
والحجون: بفتح الحاء المهملة وضم الجيم وبعد الواو الساكنة نون، جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها، وله ذكر في الأشعار.
وجاء في “سير أعلام النبلاء” للذهبي:
” ابن أبي عمران ميمون مولى محمد بن مزاحم أخي الضحاك ابن مزاحم الإمام الكبير حافظ العصر شيخ الإسلام أبو محمد الهلالي الكوفي ثم المكي.
مولده: بالكوفة في سنة سبع ومئة.
وطلب الحديث وهو حدث بل غلام ولقي الكبار وحمل عنهم علماً جماً وأتقن وجود وجمع وصنف وعمر دهراً وازدحم الخلق عليه وانتهى إليه علو الإسناد ورحل إليه من البلاد وألحق الأحفاد بالأجداد.