موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
الامارات - التدريب... صناعة
بعد أن تحول العالم إلى قرية صغيرة وتغيرت ملامح الحضارة الإنسانية منذ اختراع "الآلة"، وأصبحت الثورة العلمية والمعرفية والتقنية هي التي تحرك العالم وتحكم مصير الحضارة الإنسانية، وتحدد مدى تقدم الدول، أصبح من الواجب الآن أن ندرك المسافة الحضارية التي تفصل بيننا وبين هذه التغيرات السريعة، وأن نعمل قبل فوات الأوان، على توظيف كل العناصر الفاعلة والأدوات المعرفية والفكرية والمنهجية والتي تعمل على تقريب المسافة بيننا وبين الطرف المتقدم.
لذلك فإن الحديث عن "صناعة التدريب"، يعتبر اليوم من الأحاديث المهمة، كونه عنصراً أساسياً في تحقيق التوازن الاستراتيجي في معادلة التنمية، وذلك عبر ما يرمز إليه مفهوم التدريب وكونه يعني في العرف الإداري والمعرفي والتعليمي، مساعدة الأفراد وإكسابهم الكثير من المعارف والمهارات والأفكار، الإدارية والتقنية المتجددة، والاتجاهات اللازمة لبلوغ الأهداف المرسومة وفق الخطط التنموية، خاصة أن أغلبية الأبحاث حول التدريب توضح إن التدريب يلعب دوراً أساسياً في تحريك التنمية ونمو الثقافة ونمو الحضارة، وهو أداة التغيير الرئيسية ووسيلة التعامل الأولى مع التكنولوجيا الحديثة.
إن صناعة التدريب اليوم هي أهم الصناعات المعرفية التي تعتني بها الدول، خاصة في ظل ثورة المعلومات والمعارف وتجدد الطلب على المهارات الوظيفية الجيدة، كونها أصبحت علماً قائماً بذاته ومصدراً أساسياً لحركة التنمية في المجتمع، ومورداً مهماً يدر على الدول ثروات مادية وبشرية طائلة، ويعود بالفائدة العظيمة على المجتمع والدولة، وثمة ميزانيات ضخمة يتم رصدها له. وكمثال على أهمية التدريب، نذكر أن إحدى الشركات الأجنبية خصصت ميزانية ضخمة للتدريب وصلت قرابة مليار دولار أميركي، وهي ميزانية دولة من دول العالم النامي.
ونحن في الإمارات أدركنا هذه الحقيقة، حيث سعت الدولة إلى إنشاء المراكز والمعاهد التدريبية، وفتحت المجال للقطاع الخاص لإنشاء مؤسساته التدريبية في المجالات المهنية والفنية والتقنية والعلمية. لكن ما مدى فاعلية هذه المراكز والمعاهد التدريبية، لاسيما في ظل العدد الهائل من المدارس الخاصة؟ وهل تعمل المؤسسات التدريبية وفق استراتيجية تنموية تلبي حاجات السوق المحلي ومؤسسات الدولة؟ وما مدى جودة برامجها وكفاءة العاملين فيها؟ هذه أسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة، خاصة بعد أن تحولت عملية التدريب في كثير من هذه المعاهد والمراكز الخاصة إلى عملية تجارية بحتة "تشوه صناعة التدريب"، بل أصبحت غالبية المؤسسات التدريبية مجرد دكاكين لصرف الشهادات ذات الألوان الزاهية، وكأن الحاصلين عليها في طابور للحصول على تذكرة لدخول السينما، خاصة في ظل غياب التقييم الفاعل لتلك المؤسسات!
إن واقع صناعة التدريب في الدولة يحيل إلى ثلاث قضايا في غاية الأهمية:
الأولى؛ غياب الرقابة الفاعلة لنشاط المؤسسات التدريبية، وافتقادها القياس الفعلي والتقويم الحقيقي لمخرجاتها، خاصة في موضوع الجودة والمصداقية، والتي من المفترض أن تكون الأساس في استمرار ممارسة هذه المؤسسات دورها في صناعة التدريب، خاصة أنها أصبحت بوابة لتأهيل المواطن وتدريبه.
الثانية: انفتاح سوق الإمارات أمام مراكز التدريب الأجنبية وفق متطلبات منظمة التجارية العالمية وكثافتها، أي أن هناك منافسة شديدة ستواجه المراكز والمعاهد المحلية للحفاظ على دورها في منظومة هذه الصناعة، وأي تراجع أو ضعف سيترك الساحة للأجنبي.
الثالثة: ضعف الوعي بأهمية التدريب، حيث ما زالت القناعة بجدوى التدريب غائبة مقارنة بكثير من الدول المتقدمة، وما زال غياب ثقافة حقيقية في هذا المجال يشكل معوقاً حقيقياً لنجاح سياسة التدريب في الدولة. وهو أمر يتطلب استراتيجية واضحة تنطلق من نشر "ثقافة التدريب" في المجتمع بشكل واسع، وطرحها ضمن المناهج الدراسية، وكذلك إنشاء مركز وطني أكاديمي على مستوى الدولة يختص بإيجاد مستوى عالٍ من التدريب، كي يصبح جيل المستقبل على قدرة عالية ووعي كامل بأهمية التدريب، وحتى تصبح صناعة التدريب ذات مستوى عال من الفائدة.
محمد الباهلي
المصدر: www.alittihad.ae
الامارات العربية
جريدة الاتحاد
التعديل الأخير تم بواسطة موزة العبيدلي ; 09-Feb-2009 الساعة 07:49 PM
المفضلات