موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
الامارات - فلسفة محمد بن راشد في إدارة التنمية الحديثة
رصدت في مقال سابق نشر لي بـ "الاقتصادية"، عدداً من المفاهيم والنماذج والأسس في إدارة التنمية الحديثة، كما وردت بكتاب، صدر أخيرا لسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية، ورئيس مجلس الوزراء، وحاكم دبي، بعنوان "رؤيتي.. التحديات في سباق التميز"، وفي هذا المقال، سأحاول أن أستخلص من قراءتي للكتاب المذكور، الفلسفة الإدارية، التي استند إليها سمو الشيخ محمد بن راشد، في إدارته للتنمية الاقتصادية والحضارية الحديثة بإمارة دبي، بمفهومها الواسع والشامل، التي تحقق عنها شمولية النفع والفائدة لجميع أبناء الإمارة.
الفلسفة الإدارية في إدارة التنمية الحديثة، لسمو الشيخ محمد بن راشد، فرقت بين التقدم والتخلف التنموي، وأكدت على إن لم تكن في الطليعة فأنت في الخلف، وإن لم تكن في المقدمة، فأنت تتنازل عن مكانك الطبيعي لصالح منافس آخر، ربما أقل منك مقدرة واستعداداً وإبداعاً، وفي السياق نفسه، فرقت تلك الفلسفة، بين الإبداع والتبعية في التنمية والأفكار، مؤكدة أن الإبداع يحتم ويتطلب، استفزاز الهمم والقدرات الإبداعية والطاقات العقلية، وتطوير فكرة جديدة وعمل جديد، أما التبعية، فتتمثل وبكل بساطة، في أن نأخذ فكرة من سبقونا وأن نتبعها، بعد أن امتص الجميع رحيقها، فلم تعد فيها من الفائدة شيء، وفي هذا الخصوص، أكد سموه على أن تبني دولة الإمارات العربية المتحدة، للفكر الإبداعي لا للفكر التبعي، لم يحدث بين ليلة وأخرى، ليكتسب بذلك مصداقية دولية، حتى إن صار الآخرون يدرسون حلول الإمارات، ويلجأون إليها، بعدما جربوا الحلول الأخرى، وأصبحت الدولة الصغيرة، تبني اليوم، مشاريع وتدير موانئ في دول كبيرة ومهمة مثل الهند وكوريا وهونج كونج وغيرها.
تحدث سموه في الجزء الثالث من الكتاب، عن نماذج القيادة الحكيمة السليمة، المرتبطة بإدارة التنمية الحديثة، مؤكدا في ذلك، على أن التميز في خصائص القيادة، يتطلب من القائد أن يكون قادراً على القيادة في المقدمة لا من الخلف، وأن يأخذ بزمام الأمور، وأن يتخذ أحياناً قراره فردياً، عندما لا يوافقه القريبون منه، ليس لأنه بعيد عن الناس، بل لأنه المرجع النهائي في القرار النهائي، والقيادة المتميزة هي، التي تتحمل المسؤولية، وتقوم بها على أكمل وجه، والتي تواجه الأخطاء بشجاعة، ومن هذا المنطلق، فإن القائد المتميز، هو الذي يقول: إن كل الأخطاء أخطائي وكل النجاح للفريق.
الفصل الرابع من الكتاب، تحدث سموه من خلاله، عن مرتكزات وأسس الإصلاح الإداري، الذي يتطلب من الإداري الناجح، عدم المحاولة بالقيام بكل شيء، لأنه سينتهي إلى القيام بلا شيء، لكونه سيغرق نفسه في التفاصيل، وسيهتدي إلى كل الطرق الجانبية، التي يراها، لكنه سيضل الطريق الكبير، ومن هذا المنطلق، فإنه يتوجب على قائد التنمية الناجح، أن يركز على الكبير من الكبائر الإدارية، وأن يترك الباقي لمرؤوسيه، ليصرف جزءاً من الوقت، الذي كسبه من ذلك لمتابعة الأداء، وإن لم يفعل ذلك فهو وإدارته سيكونون في مأزق لا مبرر له.
من أساسيات الإصلاح الإداري أيضاً، إعطاء فرصة لفريق العمل، للتحاور والتشاور والتباحث، واستعراض الإيجابيات والسلبيات، نظراً لأن هناك سلبيات وإيجابيات في كل مجتمع، ومن هنا يتضح لنا، بأن تحقيق الأهداف التنموية بالصورة المطلوبة، يتطلب العمل بروح الفريق الواحد، ويتطلب كذلك تضافر الجهود، وبالتالي فإنه يتوجب على الدائرة أو الجهاز الحكومي، وضع نظام للمراقبة وإبقاء خطوط الاتصال والتشاور مفتوحة مع الدوائر الأخرى، للتأكد من أن أهدافها والأهداف المرتبطة بها تنسجم مع أهداف الدوائر الأخرى، ولا تتعارض معها.
سمو الشيخ محمد بن راشد، أكد في كاتبه على أن التيسير والبعد عن التعقيد في اتخاذ وتنفيذ القرارات والمشاريع التنموية، من بين أهم وأبرز أساسيات ومرتكزات نجاح التنمية الحضارية المبتكرة، الأمر الذي بدوره، يتطلب تفويض الصلاحيات للآخرين، حيث إن اتباع ذلك النهج الإداري، يمكن القائد من تخصيص وقت أكبر للتطوير والإبداع والابتكار والقيادة والرفع من الإنتاجية، كما أنه يمكن كذلك المرؤوس من تطوير طاقاته وقدراته القيادية، إضافة إلى بناء صفوف ثانية وثالثة بإدارته.
الفصل العاشر من الكتاب، بعنوان "مفهوم الامتياز في رؤية دبي التنموية"، أوضح أن مفهوم التميز في الإدارة الحديثة، يعتمد على تقدم القطاع الخاص على القطاع العام في الأداء، ومحاربة الفساد والرشوة، والتأكيد على الانضباط ومعاملة المتعاملين معاملة حضارية توخي الظهور بالمظهر المناسب.
هذه المفاهيم والفلسفة الإدارية الحديثة، لسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، استطاعت أن تحول اقتصاد إمارة دبي بجدارة وتفوق، من نقطة بداية بسيطة ومتواضعة للغاية، تمثلت في الماضي في مزاولة نشاط تجارة اللؤلؤ، ليضاهي اليوم بإنجازاته الحضارية العملاقة، أكبر وأرقى مراكز التميز الإداري على مستوى العالم، مثل أوروبا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية، بالذات فيما يتعلق في القدرة على جذب واستقطاب الاستثمارات والرساميل الأجنبية، وتوفير بنية أساسية متطورة، جعلت الإمارة وحولتها، لأن تصبح أكبر سوق لإعادة التصدير على مستوى العالم.
خلاصة القول، إن فلسفة التنمية الحضارية الحديثة لسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، استمدت عزمها وتصميمها، وارتكزت على العديد من النماذج والمفاهيم التنموية العصرية المتطورة، التي استوجبت من القائمين على إدارة التنمية الحضارية المتقدمة، إدراك أن الوقت يمضي وأن عقارب الساعة تدور، وأن العالم يعدو، ولن ينتظر أحد، وأنهم لن يستطيعوا أن يقولوا لمنافسيهم اصبروا علينا، لكي نطور أنفسنا وعملنا، وإن كانوا غزلاناً وتوقفوا ستأكلهم الأسود، وإن كانوا أسوداً وتوقفوا سيموتون من الجوع، وبالله التوفيق.
طلعت زكي حافظ
t-hafiz@hotmail.com
المصدر: www.aleqt.com
الاقتصادية الالكتونية
التعديل الأخير تم بواسطة موزة العبيدلي ; 09-Feb-2009 الساعة 07:49 PM
المفضلات