فجر عالم يمني يعمل ضمن فريق من العلماء المتخصصين من جامعتي فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية‏,‏ وكامبردج ببريطانيا مفاجأة علمية بإعلانه أن اليمن هو موطن الإنسان الأول ومركز الهجرات البشرية الأولي إلي مختلف أنحاء العالم عبر باب المندب‏,‏ استنادا إلي نتائج بحث علمي تتبع تاريخ البشرية من خلال الحامض النووي‏'D.N.A'‏ وشريط الجينات الوراثية‏.

ونسف نائب عميد كلية الطب بجامعة صنعاء الأمين العام لمؤسسة البحث العلمي اليمنية الدكتور علي محمد الميري بنظريته الجديدة الاعتقاد السائد‏,‏ بأن أصل البشرية بدأ في إفريقيا‏,‏ وأن الهجرات البشرية من إفريقيا إلي مختلف أنحاء العالم بدأت عبر الجزيرة العربية‏'‏ اليمن‏'‏ عن طريق شبه جزيرة سيناء‏.‏
وقال الميري لـ‏'‏ الأهرام العربي‏'‏ إنه شارك علماء متخصصين من جامعتي فلوريدا وكامبردج في إجراء بحث توخي الدقة والأسلوب العلمي المجرد من أي عواطف‏,‏ وتمكنوا في العام الماضي من جمع‏550‏ عينة جينية من مناطق يمنية مختلفة‏,‏ ومن خلال التحليل المختبري توصلوا إلي نتائج علمية متطورة جدا في مضمار تقصي وتتبع تاريخ البشرية‏,‏ من خلال الحمض النووي‏'D.N.A'‏ وشريط الجينات الوراثية‏,‏ ودلائل ومعطيات تؤكد أن اليمن هو منبع وموطن البشرية الأول‏.‏
وأشار إلي أن الهدف العام لبحثه المعنون‏'‏ اليمن موطن الإنسان الأول‏,‏ يؤكده أحدث اكتشاف علمي للحمض النووي‏D.N.A',‏ يتمثل في معرفة الأصول الوراثية للشعب اليمني وبحث علاقاته بالمجتمعات البشرية من حوله في محيطه العربي والإقليمي‏,‏ وفضائه الإنساني باعتباره شعبا أصيلا ومن أكثر الشعوب عراقة بين شعوب المنطقة العربية والإسلامية والعالم‏.‏
وأوضح الميري‏'‏ كان هناك معتقد ومازال هذا المعتقد من الناحية النظرية سائدا‏,‏ وهو أن أصول البشرية تعود جذورها إلي إفريقيا‏,‏ غير أن هناك اعتقادا بأن انسياحها وتحدرها كان إلي إفريقيا عن طريق جنوب سيناء‏,‏ غير أنه ثبت أخيرا أن الطريق الذي عبرت منه الهجرات البشرية من اليمن إلي إفريقيا كان عن طريق باب المندب‏,‏ وبطبيعة الحال فقد اتجهت الأنظار إلي اليمن لإجراء الأبحاث العلمية‏,‏ المؤكدة لهذا الاعتقاد‏'.‏ وأضاف أنه وعلي مدي السنوات الماضية ابتداء من عام‏2002,‏ بدأت عدة بعثات علمية متخصصة تفد تباعا إلي اليمن من عدة دول أوروبية‏'‏ جمهورية التشيك‏,‏ والمملكة المتحدة‏',‏ والولايات المتحدة الأمريكية لأخذ عينات مختبرية‏'‏ الدم‏-‏ اللعاب‏'‏ من اليمنيين المقيمين داخل اليمن‏,‏ ومن المغتربين في المهجر‏,‏ علي نفس الصعيد كثفت مؤسسات بحثية علمية في إسرائيل من إجراء بحوث مماثلة لعينات من مغتربين يمنيين في أقطار عربية أخري‏,‏ ومن اليهود المنحدرين من أصول يمنية‏.‏ ولفت النظر إلي أن قصب السبق في الاضطلاع بإجراء البحوث العلمية الميدانية والمخبرية في هذا المجال‏,‏ والفضل في هذا الإنجاز العلمي غير المسبوق‏,‏ يعزي لعلماء من جامعات كاليفورنيا‏,‏ ونيويورك‏,‏ وكامبردج في بريطانيا وجامعة صنعاء‏.‏
واعتبر الميري أن هذا البحث يأتي مواصلة لمسيرة بحثية طويلة جدا حول فكرة الإنسان الأول وتقصي أصوله الوراثية‏,‏ وهي فكرة قديمة جدا وليست ابتداعا منه‏,‏ فمن خلال استقرائه لمعطيات الفترة الماضية الممتدة إلي خمسة عشر عاما من الجهد الفكري العلمي‏,‏ وبعد اكتشاف الخارطة الجينية للإنسان في مطلع الألفية الثالثة‏,‏ ظهرت تطبيقات كثيرة جدا لهذا الاكتشاف العظيم‏,‏ ومنها أن الشريط الجيني أو ما يطلق عليه بالـ‏'D.N.A'‏ له القدرة أيضا علي حفظ تاريخ البشرية‏'‏ تاريخ الإنسان‏',‏ إضافة إلي الحقائق العلمية عن الصفات الوراثية وما أكثرها‏.‏ وتابع الباحث اليمني‏'‏ بدأت عدة محاولات بحثية في الغرب‏,‏ وتحديدا في الولايات المتحدة الأمريكية لمعرفة الأصول الوراثية عند الهنود الحمر‏,‏ السكان الأصليين الذين وصلوا إلي أمريكا‏,‏ وأستراليا وجزر المحيطين الهادي والهندي‏,‏ كما تواصلت الأبحاث في هذا المجال‏,‏ فأشارت إلي أن أصول البشرية تعود جذورها إلي منغوليا‏,‏ فاتجهت الأنظار والبحوث إلي هناك‏,‏ غير أن البحوث والأنظار عادت فأشارت إلي مكان أعمق في مركز الأرض‏,‏ ونعني به الجزيرة العربية وتحديدا اليمن‏'.‏
وأشار إلي أن العالم ينقسم إلي ثلاثة تجمعات جينية‏'‏ إفريقية وأوروبية وآسيوية‏',‏ وموقع اليمن أوروبي‏,‏ وأوضح أن هناك فارقا كبيرا بين الجينات الإفريقية عن بقية جينات العالم وأن الجينات العربية تشبه الجينات الأوروبية والداغستانية‏,‏ ومن خلال المقارنة الدقيقة للجينات العربية والإفريقية يتضح التقارب البسيط بينهما‏.‏
وقال الدكتور الميري‏:‏ إن‏'‏ لدي أغلب اليمنيين موروثا اجتماعيا وثقافيا ودينيا وقناعات راسخة بأننا نحن اليمنيين نأتي في صدارة الأجناس البشرية وإلينا تعزي أصول العنصر العربي وهذا ما يؤكده الكثيرون‏,‏ ولدي البعض قناعات بأن لنا النصيب الأوفر في أصول الإنسانية بشكل عام‏,‏ غير أنه مما يؤسف له بأن دورنا في الكشف عن مواطن الاعتزاز بتاريخنا وهويتنا الوطنية يأتي في آخر اهتماماتنا مجتمعا ودولة‏'.‏
وأكد أن العام‏2000‏ كان بمثابة النقلة النوعية في علم الجينات أو الوراثة‏,‏ حيث بلغت الاكتشافات العلمية ذروتها وذلك بمعرفة الإنسان للخارطة الجينية‏,‏ وهذا الكشف العلمي فتح بابا واسعا للتقدم العلمي والمعرفي لسبر أغوار الكائن البشري‏.‏ ولفت النظر إلي أن هذا العلم قد تقدم بخطي متسارعة‏,‏ وأسهم في حل الكثير من القضايا الطبية وتطور علم العلاج الجيني كحل أمثل لعلاج كثير من الأمراض المستعصية خصوصا الأمراض الوراثية‏,‏ وقد عرف هذا العلم عند العامة بعلم الـ‏'D.N.A'‏ أي الحمض النووي والذي يحمل داخله ذاكرة الإنسان بكل ما تحمله هذا الكلمة من معني‏.‏
وقال‏'‏ يملك الـ‏D.N.A‏ صفات معلومات مذهلة لم يستطع العلماء كشف كل أسرارها حتي اليوم يحمل تفاصيل حياتنا الوظيفية كلها من صحة ومرض‏,‏ وبالتالي يمكننا القول‏:‏ إن ذاكرة الحمض تعد مرجعا أساسيا للقيام بالعمليات الحيوية داخل الخلايا بمختلف أنواعها وتشعباتها‏'.‏
وأضاف الميري أن هذا الحمض يحمل ذاكرة الإنسان منذ آلاف السنين‏,‏ بمعني أننا ومن خلاله نستطيع أن نقرأ ما كتب عليه‏,‏ وتفسيره التفسير الصحيح‏.‏ وقد ظهر علم جديد باستخدام هذا الحمض في أبسط صوره للكشف عن أبوة أو بنوة الإنسان إذا اختلف حولها‏,‏ كذلك استغل في البحث الجنائي للكشف عن الجريمة ومعرفة الضحية والمجرم‏.‏
وكان المركز اليمني للدراسات التاريخية وإستراتيجيات المستقبل‏'‏ منارات‏'‏ قد استضاف في صنعاء أخيرا الدكتور علي الميري لعرض ملخص بنتائج أبحاثه ودراساته التي عكف علي إجرائها بصورة مباشرة أو بمشاركة علماء وباحثين من جامعات عالمية‏.‏
وخلص البحث الذي حصلت عليه‏'‏ الأهرام العربي‏'‏ إلي نتائج أبرزها وأهمها أن العلاقة بين التكوين الجيني للمورثات اليمنية والإفريقية ضعيفة جدا‏,‏ أي أن الجينات الإفريقية ليست أساس الجينات اليمنية‏,‏ وأن الجينات اليمنية وشكلها المجمل تتطابق بشكل كبير جدا مع الجينات العربية‏,‏ بل هي أصلها‏,‏ كما أن الجينات اليمنية تتشابه وبشكل كبير مع الجينات الأوروبية والقوقازية‏,‏ وبنسبة أقل مع الجينات الآسيوية والهندية وبقية العالم‏.‏
وتوصل البحث العلمي إلي أن الجينات الوراثية لسكان جزيرة سقطري اليمنية‏,‏ هي جينات يمنية أصيلة وليس هناك تأثير يذكر لأية جينات إفريقية أو آسيوية عليها‏,‏ وأن التوزيع الجيني لمختلف المناطق اليمنية له أصول واحدة مع بعض التأثير لبعض الهجرات الإفريقية والهندية‏.‏ ووفقا للبحث‏'‏ أضحي الاعتقاد الذي كان سائدا بانتقال الهجرات البشرية الأولي من أفريقيا إلي اليمن موضع شك كبير‏,‏ وأصبحت أطروحة أن اليمن هو موطن الإنسان الأول مدعومة بنتائج هذا البحث‏,‏ ومعها أبحاث نشرت أخيرا هي الأقوي والأجدر بالتبني‏'.‏
وذكر البحث الذي مازال بحاجة إلي سنوات لاستكماله أنه تم تجميع عينات متماثلة بوسائل علمية متطورة من مختلف محافظات اليمن‏,‏ بما فيها جزيرة سقطري في شهري إبريل ومايو‏2007,‏ وأجريت التحاليل للعينات في الولايات المتحدة الأمريكية‏'‏ جامعة فلوريدا‏',‏ بالتعاون مع جامعة نيويورك وجامعة كمبردج ببريطانيا‏,‏ وجامعة صنعاء‏.‏ لتتبع جينا محددا والذي يدل علي تاريخ الإنسان مهما قدم زمنه من‏'M+DNA'‏ وهو المأخوذ من الأم‏,‏ وكذلك الكروموسوم الذكري الخاص بالرجل‏.‏ وتمت مقارنتهما بكل ما نشر في هذا المجال في جميع أنحاء العالم‏,‏ وكانت النتائج بالغة الأهمية‏,‏ وستحظي باهتمام كبير من الأوساط العلمية والبحثية‏.‏
وأفاد البحث بأنه في السنوات الخمس المنصرمة ظهرت أبحاث جينية‏,‏ جعلت من الجزيرة العربية محطة أولي للبشرية انتقلت منها إلي بقية دول العالم‏,‏ ولأهمية هذه الأطروحات تم التواصل بين جامعتي صنعاء‏'‏ كلية الطب‏',‏ وفلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية‏,‏ لإجراء بحث شامل بهدف معرفة الأصول الجينية للإنسان اليمني ودوره التاريخي في انتشار البشرية من أفريقيا‏,‏ فبرزت تساؤلات موضوعية تمثل الإجابة عنها أهداف هذا البحث‏,‏ وأهمها ألا يحتمل أن يكون باب المندب طريقا ثانيا للهجرات البشرية من اليمن إلي إفريقيا؟ وهل لليمنيين من دور في هذا؟ وما قيمة هذا الدور؟ وما مدي تأثير الهجرات اليمنية إلي العالم ومدي انتشارها؟ وما مدي تأثير الهجرات المختلفة إلي اليمن علي مر التاريخ؟ وأهمية معرفة تفاصيل الوضع الجيني للقبائل اليمنية وأصولها الواحدة وتفرعاتها؟‏
العراق للجميع
الكاتب : مكتب القاهرة | أضيف بتاريخ :13-06-2009