السلام عليكم
تحية طيبة
الأصمعي
عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي، أبو سعيد الأصمعي راوية العرب، وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان، نسبته إلى جده أصمع. ومولده ووفاته في البصرة. كان كثير التطواف في البوادي، يقتبس علومها ويتلقى أخبارها، ويتحف بها الخلفاء، فيكافأ عليها بالعطايا الوافرة. أخباره كثيرة جداً. وكان الرشيد يسميه (شيطان الشعر). قال الأخفش: ما رأينا أحداً أعلم بالشعر من الأصمعي. وقال أبو الطيب اللغوي: كان أتقن القوم للغة، وأعلمهم بالشعر، وأحضرهم حفظاً. وكان الأصمعي يقول: أحفظ عشرة آلاف أرجوزة.
وللمستشرق الألماني وليم أهلورد Vilhelm Ahiwardt كتاب سماه (الأصمعيات) جمع فيه بعض القصائد التي تفرد الأصمعي بروايتها. تصانيفه كثيرة، منها (الإبل)، و (الأضداد)، و(خلق الإنسان)و(المترادف)، و(الفرق) أي الفرق بين أسماء الأعضاء من الإنسان والحيوان.
واليكم هذه القصة التي جاءت هذه الأبيات بمناسبتها
يحكى بأن الأصمعي سمع بأن الشعراء قد ضيق عليهم من قبل الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور فهو يحفظ كل قصيدة يقولونها ويدّعي بأنه سمعها من قبل، فبعد أن ينتهي الشاعر من قول القصيدة يقوم الأمير بسرد القصيدة إليه ويقول له لا، بل حتى الجاري عندي يحفظها فيأتي الجاري( الغلام كان يحفظ الشعر بعد تكراره القصيدة مرتين ) فيسرد القصيدة مرة أخرى ويقول الأمير ليس الأمر كذلك فحسب بل إن عندي جارية هي تحفظها أيضاً ( .والجارية تحفظه بعد المرة الثالثة ) ويعمل هذا مع كل الشعراء. فأصيب الشعراء بالخيبة والإحباط ، حيث أنه كان يتوجب على الأمير دفع مبلغ من المال لكل قصيدة لم يسمعها ويكون مقابل ما كتبت عليه ذهباً. فسمع الأصمعي بذلك فقال إن بالأمر مكر. فأعد قصيدة منوعة الكلمات وغريبة المعاني . فلبس لبس الأعراب وتنكر حيث أنه كان معروفاً لدى الأمير. فدخل على الأمير وقال إن لدي قصيدة أود أن ألقيها عليك ولا أعتقد أنك سمعتها من قبل. فقال له الأمير هات ما عندك ، فقال القصيدة..
وهذه هي القصيدة
صوت صفير البلبل**هيج قلب الثمل
الماء والزهر معاً **مع زهر لحظ المقل
وأنت يا سيدلي **وسيدي وموللي
فكم فكم تيمني**غزيلٌ عقيقلي
قطفته من وجنة**من لثم ورد الخجل
فقال لا لا لا لا لا**وقد غدا مهرول
والخوذ مالت طرباً**من فعل هذا الرجل
فولولت وولولت** ولي ولي يا ويل لي
فقلت لا تولولي**وبيّني اللؤلؤ لي
قالت له حين كذا**انهض وجد بالنقل
وفتيةً سقونني**قهوةً كالعسلل
شممتها بآنفي**أزكى من القرنفلِ
في وسط بستان حلي**بالزهر والسروري
والعود دندن دندن لي**والطبل طبطب طب لي
طبطبطب طبطبطب**طبطبطب طبطب لي
والسقف سقسقسق لي ** والرقص قد طاب إلي
شوا شوا وشاهشَ** على ورق سفرجلِ
وغرد القمري يصيح**مللٍ في مللِ
ولو تراني راكباً**على حمار أهزل
يمشي على ثلاثة**كمشية العرنجل
والناس ترجم جملي** في السوق بالقلقلل
والكل كعكع كعكع**خلفي ومن حويللي
لكن مشيت هارباً**من خشية العقنقل
إلى لقاء ملكٍ**معظمٍ مبجل
يأمر لي بقلعة**حمراء كالدمدملي
أجر فيها ماشياً**مبغدداً للذيل
أنا الأديب الألمعي**من حي أرض الموصل
نظمت قطعاً زخرفت**يعجز عنها الأُدبل
أقول في مطلعها**صوت صفير البلبل
حينها نادى الأمير فقال يا غلام يا جارية. قالوا لم نسمع بها من قبل يا مولاي. فقال الأمير احضر ما كتبتها عليه فنزنه ونعطيك وزنه ذهباً. قال ورثت عمود رخام من أبي وقد كتبتها عليه ، لا يحمله إلا عشرة من الجند. فأحضروه فوزن الصندوق كله. فقال الوزير يا أمير المؤمنين ما أضنه إلا الأصمعي فقال الأمير أمط لثامك يا أعرابي. فأزال الأعرابي لثامه فإذا به الأصمعي. فقال الأمير أتفعل ذلك بأمير المؤمنين يا أصمعي؟ قال يا أمير المؤمنين قد قطعت رزق الشعراء بفعلك هذا. قال الأمير أعد المال يا أصمعي قال لا أعيده. قال الأمير أعده قال الأصمعي بشرط. قال الأمير فما هو؟ قال أن تعطي الشعراء على نقلهم ومقولهم. قال الأمير لك ما تريد.
المفضلات