السلام عليكم و رحمة الله

قِس بن ساعِدَة بن عُدي مِن قَبيلةِ إياد بِنَجران ، كان زاهِداً في الدنيا وخُصوصاً بعد أنْ مات له أخوان و دفنَهُما بيده . و كان قِس يَحضُرُ سوقَ عُكاظ و يَسيرُ بَين الناس و يُنذِرهُم ..
ولقد ضُرِبَ بِه المَثلُ في الخطابة و البلاغة و الحكمة فيقال إنَّه أولُ مَن كَتب "مِن فلان إلى فلان " ، وأولُ مَن قال " أما بعد "، وأولُ مَن قال "البينة على مَن ادَّعَى واليمينُ على مَن أنكر" ، ويقال أنَّه قد عاش مائة وثمانين سنة و قد توفي قبل بعثة النبي بعشر سنين.

كان قس بن سِاعدة يُنكِر المُنكر الذي شاع في الجاهلية ، و الغفلات التي كانت تسيطر على الناس فتُنسيهم الموت و البعثَ و الجزاء . و كان قِس و كثيرٌ مِن العقلاء يتوقعونَ أنْ يُبْعث نبيٌ يُغيرُ ما شاع في الجاهلية مِن مُعتقداتٍ فاسدة و منكرات مُوبِقة (مهلكة) .. وهذه خُطبةٌ له قالها في سوق عُكاظ قبل ظُهور الإسلام، فيها تأملاتُه في الحياة و الكون بحثاً عن وجود الخالق يُقدِّمُ فيها نُصحه مخلصاً .



أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَعُوا، إنَّهُ مَنْ عَاشَ مَات، وَمَنْ مَاتَ فَات، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آت ..،لَيْلٌ دَاج ، وَنَهَارٌ سَاْج ، وَسَماءٌ ذَاتُ أبْرَاجٍ ، وَنُجُومٌ تَزْهَر ، وَبِحَارٌ تَزْخَر ..، إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرا، وإِنَّ فِي الأرضِ لَعِبَرا . مَا بَاْلُ النَّاسِ يَذْهبُونَ وَلاَ يَرْجِعُون ؟! * أرَضُوا بِالمُقَامِ فَأَقَامُوا، أمْ تُرِكُوا هُنَاك فَنَامُوا ؟ يَا مَعْشَرَ إيَاد : أيْنَ الآبَاءُ والأجْدَادُ ؟ وأيْنَ الفَرَاعِنَةُ الشِّدَادُ ؟ أَلَمْ يَكُوْنُوا أكْثَرَ مِنْكُم مَالاً و أطولَ آجالاً .. ؟ طَحَنَهُم الدهْرُ بِكَلْكَلِهِ، ومزَّقَهم بتطاوُلِه.

ويُروى أنّه أنشد بعدها فقال :

في الذاهبينَ الأولينَ مِن القرونِ لنا بَصائر

ورأيتُ قومي نَحوها تَمضي الأصاغِرُ والأكابر
لا يَرجعُ الماضي إليّ ولا مِن الباقين غابر

أيقنتُ أني لا محالةَ حيثُ صارَ القومُ صائر