يطل شهر رمضان بعبقه وأريجه وما يحمله من معانٍ جميلة ، ليضفي على الحياة الزوجية مزيداً من البريق والإشراق ، ويمسح عنها غبار الخلاف والشقاق ، ويخفف عن الزوجين هموم الحياة ومتاعبها ، عندما تتقارب القلوب ، وتسمو الأرواح ، ويخرج الزوجان من هذا الشهر أكثر محبة ومودة وانسجاماً .

ولكي يتحقق ذلك لابد من بعض الأمور التي ينبغي أن يراعيها الزوجان في هذا الشهر الكريم ، فمع دخول شهر رمضان يتغير نمط الحياة المعتاد ويحدث انقلاب في مواعيد النوم والطعام والعمل ، وقد تتغير تبعاً لذلك شخصية المرء وطباعه ، مما يفرض على الزوجين التكيف مع الوضع الجديد ، وترويض الطباع والعادات ، والتعاون لتوفير الوقت والراحة النفسية للطرف الآخر حتى يؤدي عبادته بدون أي منغصات أو مكدرات .

وشهر رمضان يعطينا أعظم الدروس في سعة الصدر ، والصبر والحلم ، والتسامح والتغافر ، والمقصود من الصوم في الحقيقة تهذيب النفس ، وصقل الروح وترويض العادات ، ولذا فإن على الزوجين أن يحافظا على هدوئهما - في هذا الشهر الكريم- ويضبطا انفعالاتهما ويتحكما في أخلاقهما ، وعليهما أن يضيقا فرص الخلاف والمشاكل ما أمكن ، وأن يسعيا جهدهما لإزالة أي سوء تفاهم ، وليعلما أن ذلك سيكون على حساب عبادتهما ، وأن الشيطان أحرص ما يكون في هذا الشهر على أن يستثمر أي موقف يفسد عليهما لذة هذا الشهر وروحانيته وأجره .

وليكن شعارهما قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم- : ( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم ) .

ومن الأمور التي لها أعظم الأثر في زيادة المودة والمحبة بين الزوجين أن يجتمعا على طاعة الله وعبادته ، في هذا الشهر الكريم ، وقد يكون الزوجان أو أحدهما مقصراً في هذا الجانب في بقية السنة ، فيأتي شهر رمضان بما يوفره من أجواء إيمانية وأعمال تعبدية يجتمع عليها الزوجان ، ليمنحهما أعظم فرص المودة والمحبة حين ترفرف على منزلهما ظلال العبادة وبركات الطاعة ، من خلال صلاة التروايح والقيام والتهجد وقراءة القرآن ، وعمارة البيت بذكر الله وغير ذلك من الأعمال .

ولذا فإن على كل من الزوجين أن يشجع الآخر على العبادة ويعينه عليها ، وإذا قصر أحدهما لقي من رفيق دربه ما يجدد له عزمه ، ويعيد إليه نشاطه ، وقد قال- صلى الله عليه وسلم- : ( إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلى ركعتين جميعا كتبا في الذاكرين والذاكرات ) رواه أبو داود ، وقال : ( رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء ، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء ) رواه أبوداود ، وكان عليه الصلاة والسلام إذا دخلت العشر أيقظ أهله وأحيى ليله .

رمضان أيضاً فرصة مهمة لتقوية الروابط الأسرية والعلاقات الاجتماعية مع أهل الزوج والزوجة ، ومع الجيران ، من خلال الزيارة و المهاتفة والدعوة إلى الإفطار وما أشبه ذلك ، لأنه قد تمر فترات يكون التواصل فيها بين أفراد الأسرة ليس كما يتمنى الزوجان ، فيأتي شهر رمضان ليسد هذا الخلل ويجبر ذلك النقص .

في شهر رمضان تجتمع العائلة كلها على الإفطار ثلاثين مرة مما يجعل للزوجين فرص استثمار هذا اللقاء في تقوية العلاقة فيما بينهما وبين أبنائهما من خلال الحوار وتبادل الحديث ، ومناقشة المشاكل وحلها .
من الأمور التي ينبغي أن تراعيها الزوجة ضبط ميزانية شهر رمضان ، ومراعاة إمكانات الزوج وظروفه المادية ، لأن بعض النساء قد تضع قائمة طويلة بطلبات لا حصر لها ، تثقل كاهل الزوج ، وتضيع عليها الوقت ، وتصرف عن الهم الأكبر .

ينبغي على الزوج أن يساعد زوجته في القيام بشؤون البيت والعناية بالأطفال ، وأن توزع المهام بصورة معتدلة ، تضمن توفير الوقت للزوجة ، وإعانتها على العبادة والطاعة ، ولا يلحق الرجل بذلك أدنى عيب أو شين ، بل هو من محاسن الأخلاق وشيم الرجال ، وقد قال أفضل الخلق وأكمل الأزواج صلوات الله وسلامه عليه: ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي رواه الترمذي ، ولما سئلت عائشة رضي الله عنها : أي شيء كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يصنع إذا دخل بيته ؟ ، قالت : " كان يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة قام فصلى " رواه الترمذي .

فلا يسوغ أبداً أن تلقى مسؤولية البيت والأولاد كاملة على الزوجة فهي التي تطبخ ، وهي التي تنظف ، وهي التي تهتم بالصغار ، وهي التي ترتب البيت وهي وهي ...، والزوج هو الذي يتفرغ لقراءة القرآن والصلاة والذكر والتعبد .

وأخيراً لا بد من التضحية والتنازل من كل طرف عن بعض الأمور ، واحتساب كل قول وعمل ، لكي نجعل من هذا الشهر شهر تجديد في الحياة الزوجية ، وشهر عبادة وقربة ومحبة ومودة .