إن حصول النفس على الطمأنينة الداخلية، والراحة النفسية، والرضا عن الذات هدف يسعى إليه الجميع؛ لأنه من أهم مفاتيح النجاح. وذلك لا يتحقق إلا بوجود الثقة بالنفس التي تُمكن الفرد من معرفة قدراته وطاقاته وأهدافه وإمكاناته. ولا يكتفي بالمعرفة فقط، بل يؤمن بكل ما لديه ويؤمن بذاته، إيمانا يدفعه للمبادرة والإنجاز دون تردد أو خوف.


فالثقة بالنفس تجعل من نظرة الفرد لذاته نظرة إيجابية متفائلة، فهي بمثابة السلم الذي يرتقي به إلى المعالي. فالنجاح والثقة بالنفس وجهان لعملة واحدة.


ويكتسب الفرد الثقة بالنفس من البيئة التي يعيش فيها. و باستطاعته أن ينمي ثقته بنفسه بعدة طرق، وذلك ليكون أكثر تصالحاً مع ذاته ورضاً عن نفسه. وليبعد نفسه عن دائرة المشكلات النفسية التي قد تبدأ بضعف الثقة بالنفس، وتتطور إلى مشكلات نفسية كالرهاب أو العزلة والاكتئاب . أو تكون لاحقة وناتجة عنهم.


إن إعطاء النفس قدر من الأهمية بشكل مناسب دون إفراط ولا تفريط هو السبيل للحياة الناجحة. إذ إن الجلد الدائم للذات، يُحبط النفس. قبل أن يُحبطها الآخرون, فيبدو كأنه لا يرى إلا نقاط الضعف فيه، وكأنه يلبس القبعة السوداء باستمرار، فيشعر أنه لا يمثل قيمة في هذا العالم ووجوده مثل عدمه ويشعر أن الآخرين لا يقدرونه ولا يحترمونه.


ويمكن لمن أراد زيادة ثقته بنفسه أن يتبع عدة خطوات مرتبة بشكل تجعل منه يتدرج في تدعيم نفسه ليصل إلى ما يريد.


فالبداية تكون بمحاولة البحث عن سبب ضعف الثقة بمصارحة النفس، والتأمل فيها ومشكلاتها؛ ليتمكن من البعد عن المسبب أو علاجه. ثم الانتقال لتقبل الذات بتقبل كل ما حباه الله له من صفات تمثله سواء كانت في خلقته.. وما لديه من علم. وما يمتلكه من رزق، ويبدأ بحصر الإيجابيات والسلبيات التي يملكها, وذلك ليستبصر بذاته ويتقبلها أكثر ويبدأ بالالتفات لإيجابياته وإنجازاته ويستشعرها ويؤمن بوجودها لتكون دافعاً له. والسلبيات ليتقبل وجودها كأي إنسان لديه سلبيات، ثم يعمل على تعديلها وتطوير ذاته؛ ليتمكن من تحويلها لإيجابيات.


وبعد التقبل ينتقل إلى تقدير الذات بتحديد أهداف تدعم الذات. فالحياة دون هدف لا يستشعر صاحبها بقيمة وجوده؛ لذا فتحديد الأهداف خطوة مهمة، تتبعها تصور الذات بعد سنوات وكأن الهدف قد تحقق ليزيد النفس قوة وثقة.


مع العمل على دمج السلوك التوكيدي في الحديث والسلوك؛ لأن تأكيد الذات يعتبر نمط سلوكي متعلم، يتكون من خلال تعلم الفرد الاستجابة للمواقف الاجتماعية, فسمة تأكيد الذات تتطور عند الفرد تدريجياً، مع التقدم في درجة ثقته بنفسه، و لهذا الأسلوب فوائده في تحسين قدرة الفرد على التوافق الاجتماعي، وعدم كبت المشاعر.


فالعمل على تنطيق المشاعر والتعبير عنها بصوت مرتفع مع إبداء الرأي بأسلوب المعارضة اللبق في حالة اختلاف الرأي مع الآخرين, والتعود على استخدام كلمات مثل: "أنا في اعتقادي, موافق, غير موافق, غير صحيح. "والتدرب على استخدام "لا" للمعارضة، وذلك للابتعاد عن استرضاء الناس والإذعان لآرائهم. بل يهيئ نفسه للاستماع للمنطق والعقلانية في كل الأمور. مع التدرب على استخدام عبارات تؤكد الوجود مثل: "أنا أحب" .. أو "أنا أكره" .. أو "أنا أؤيد" .. أو "أنا أرى" دون مبالغة في ذلك. مع عدم الخوف من النقد الاجتماعي. وأخذ نقد الآخرين سبيلاً للارتقاء، لأنه مجرد رأي على سلوك صدر لا نقداً للذات.


والبدء بتوكيد الذات سلوكياً باتخاذ أوضاع جسمية مناسبة بالمشية الواثقة، والجلسة المنتصبة والتواصل البصري الجيد، والحديث بنبرة قوية واضحة، والتعبير عن الرأي بلباقة في كل مكان يتطلب ذلك، مع الاهتمام الجيد بالمظهر دون إفراط ولا تفريط. بارتداء ملابس نظيفة وأنيقة ومناسبة، وغير مبالغ فيها.


ثم ننطلق إلى الخطوة الأهم، وهي مراقبة أفكارنا، فهي سبب رئيسي في هزيمة الذات. فالفكرة السلبية "أنا فاشل" مثلا تبدأ بكونها مجرد فكرة سلبية، ثم تصبح اعتقادا جازما مع تكرارها في النفس، مما يجعلها بالتأكيد ذات أثر بالغ في السلوك.


فمراقبة كل فكرة سلبية وحصارها واستبدالها بإيجابية. مع استبدال كل حوار سلبي بآخر إيجابي والتحدث مع النفس بإيجابية دائماً طريقة تُعطي نتائج رائعة مع الاستمرار عليها.


والمبادرة في كل المواقف بعد استبدال كلمة مستحيل من القاموس الشخصي. بالمحاولة الجادة والاستعانة والثقة بالله، فمنه سبحانه نستمد القوة لكل عقبة بالتفاؤل وحسن الظن به.