يحتاج الكثير منا إلى نصيحة مفيدة، أو معلومة ما عن شيء مهم، أو تعلم لغة تنير عقله. كل هذه الأمور نستمدها من الكتب، فالكتاب يعتبر المنارة التي نهتدي بها في أي طريق مظلم، لكن يجب أن يكون الكتاب مصدر ثقة. ولكن ماذا عليك أنت إذا أردت أن تمد الناس بالمعلومة وتؤلف كتاباً مفيداً لهم هل تستطيع أن تقوم بذلك؟


لماذا تؤلف كتاباً


هناك عدة أسباب ودوافع يمكن أن تدفعك أحدهما أو أكثر إلى تأليف كتاب، منها:
الحصول على المال
وهذا أسوأ الدوافع، لأن كسب المال بالنسبة للمؤلف شيء غير مضمون ويحتاج إلى كثيراً من الصبر، فممكن أن تنشر كتاباً ولا يُباع منه إلا نسخاً قليلة، أو يستغرق الأمر وقتاً حتى يبدأ الكتاب في الانتشار بين الناس ويُقبلوا على شرائه. فإن كان هدفك فقط هو الحصول على المال أو الكسب السريع فسوف تُصاب بإحباط.





الضرورة المهنية
وهنا يجب عليك أن تؤلف كتاباً كأحد متطلبات مهنتك أو كشرط لترقيك الوظيفي.


الاستمتاع الشخصي
فأنت تحب الكتابة وتشعر بمتعة، وكلماتك تتدفق من عقلك إلى أصابعك، فتراها أمامك على الورق أو على شاشة "الكمبيوتر".


نشر العلم
أي تشعر بداخلك بإحساس المسئولية نحو نفع الآخرين وحفظ الأفكار من الضياع، وهذا هو أنبل الدوافع على الإطلاق لأن دافعك يتجاوز نفعك ومتعتك الشخصية إلى منفعة الآخرين.


هل الكتابة موهبة فطرية أم مهارة مكتسبة?


الكتابة مزيج بين هذا وذاك، فالكتابة موهبة تولد بها، وهى أيضاً فن تتقنه عن طريق التدريب والكتابة المستمرة، وأيضاً عبر قراءة كتب كثيرة في المجالات التي تحبها، ولمختلف الكُتّاب.








تأليف كتاب خطوة بخطوة


قبل أن تشرع في الكتابة عليك أن تتأكد أولاً أنك تحب الكتابة، فاسأل نفسك: هل استمتع بالكتابة والتأليف؟ هل اشعر بالسعادة عندما يثني أحداً على كتاباتي؟ إن عملية تأليف كتاب تحتاج إلى مثابرة، والتزام، واجتهاد، وصبر. فهل أنتَ مستعد؟ إذن فلنبدأ:


أولاً: اختَر موضوع الكتاب وحدد هدفك من التأليف


هناك بعض المعايير التي تساعدك على اختيار وتحديد موضوع الكتاب، منها


أن يكون موضوع الكتاب محبباً إلى نفسك، وتكون شغوفاً بالقراءة فيه، وتتلهف شوقاً للكتابة حوله. لا تنشغل بالجري وراء أحدث الصيحات السائدة في سوق الكتب.
أن يكون الكتاب متوافقاً مع رسالتك وأهدافك في الحياة بصفة عامة، فأنت لا تقدر أن تكتب جيداً في موضوع لا يجذب اهتمامك، أو يكون ضد قيمك ومبادئك.
أن يكون لديك خبرة حقيقية به من خلال المعايشة الحية للموضوع الذي تكتب فيه، مما يضفي عليه عمقاً وواقعية أكثر، والقراءة الكثيرة فيه، وكتابة بعض المقالات أو الخواطر عنه، والدخول في مناقشات حوله.
حدد هدفك من الكتابة في هذا الموضوع، واسأل نفسك تلك الأسئلة:


هل تعرض شيئاً جديداً لم يسبقك أحداً إليه؟
هل ترى أن هناك ثغرة في فهم هذا الموضوع؟، قم بمسح السوق واعرف ما هو الموجود فيه، وما لم تخاطبه الكتب التي تم تأليفها من قبل في هذا الموضوع.
هل ترى أن به أمراً غامضاً على كثير من الناس فتتولى شرحه وتفصيله حتى يتضح لهم؟
هل تجد شيئاً طويلاً فتختصره دون إخلال؟
هل الموضوع مشتت في بطون الكتب فتجمعه وتبلوره وترتبه حتى يتسق؟
هل وقعت على رأي غير صحيح فتصححه بعد أن تتيقن من صواب ما أنت عليه؟
هل تتناول موضوعاً كُتِب فيه من قبل ولكنك تتناوله بطريقة أفضل وتعرضه بشكل جديد؟


ثانياً: اجمع كل المراجع الممكنة


لكي تؤلف كتاباً يجب أن تكون هاوياً للقراءة عاشقاً لها، لأنك ستحتاج إلى قراءة عشرات بل مئات الكتب حتى تستطيع أن تخرج كتاباً إلى الوجود، تماماً كالنحلة تظل تتنقل من زهرة إلى زهرة تمتص منها الرحيق، ثم تمزج كل هذا في بطنها لتخرج لنا عسلاً صافياً شافياً. يرى ستيفن كنجوهو أحد الكتاب الناجحين أنك لكي تكون كاتباً ناحجاً فعليك أن تقرأ على الأقل أربع ساعات يومياً.


اجمع أضعاف ما تحتاجه من المعلومات التي تتناول موضوع كتابك أو تتعلق به من مصادر المعلومات المتعددة كالكتب، والدوريات المتخصصة، والموسوعات، والصحف، والإنترنت (مع الاهتمام بالتأكد من صحة المعلومات وتوثيقها)، وسؤال الخبراء، باختصار "لا تترك جحراً يمكنك أن تعثر تحته على معلومات تهمك إلا قلبت فيه" كما يذكر المدون والمؤلف رؤوف شبايك.


ثالثاً: حدد فصول وأجزاء كتابك


بعد أن تقرأ كثيراً في موضوع كتابك وتكون الفكرة قد اكتملت في ذهنك، ضع الخطوط العريضة لكتابك محدداً أجزاءه وفصوله. ابدأ بكتابة الأفكار والعناصر الرئيسية، ثم اكتب العناصر الفرعية لكل منها، ثم العناصر الأخرى التي قد تراها تندرج تحت هذه العناصر الفرعية وهكذا، هذا التقسيم يمكن تغييره فيما بعد وهذا الشيء وارداً وطبيعياً جداً، ولكن وجود تصور مبدئي قبل الشروع في الكتابة سوف يساعدك كثيراً على تنظيم أفكارك وعدم الخروج عن الموضوع، وقياس مدى تقدمك وتحديد الفصول التي تتطلب منك مزيداً من القراءة والبحث أكثر من غيرها.
اكتب ملخصاً قصيراً لكل فصل في كتابك، ودوِّن أي أفكار لديك تخص عنصراً معيناً تحت هذا العنصر، أو أي أفكار أخرى ترى أنها قد تفيدك أو قد تستخدمها في الكتاب حتى وإن كنت لا تعلم في أي موضع تحديداً، قد ترى فيما بعد أنه من المناسب حذف بعض هذه الأفكار ولكن ذلك في مرحلة لاحقة. اترك لنفسك فرصة في البداية أن تكتب كل ما يخطر ببالك دون رقابة ذاتية، ولو كانت أفكاراً تافهة أو سخيفة حتى تفسح المجال للأفكار الجديدة، ثم يمكنك أن تقوم لاحقاً بتنقيح هذه الأفكار.
أثناء تنقيح أفكارك، إذا ظننت أن بعضها غير مناسب فلا تحذفها تماماً بل احتفظ بها في ملف آخر أو أوراق منفصلة لعلك تكتشف في وقت آخر أنها مفيدة.
اجعل حديثك مركزاً فقط على الموضوع الرئيسى للكتاب، لا تقع في فخ الرغبة في الكتابة بالتفصيل عن كل صغيرة وكبيرة تتصل بموضوع الكتاب من قريبٍ أو بعيدٍ، فهناك عناصر يمكن أن تكتب فيها بتفصيل أكثر من غيرها، وهناك عناصر يمكن أن تكتفي بالإشارة إليها، وذلك حسب مدى أهميتها بالنسبة للموضوع وتأثيرها على اكتماله ووضوحه.


رابعاً: ابدأ الكتابة ولا يهم أن تبدأ من البداية


في بعض الحالات من الضروري أن تبدأ لأن ما بعد البدايات لا يمكن توقعه، فبمجرد أن تشرع في الكتابة سيبدأ عقلك اللاوعي في العمل، وستجد أن الأفكار بدأت تتدفق إلى عقلك.
اكتب دون أن تتوقف بسبب الأخطاء اللغوية، اكتب بحرية تامة، وعندما يتعب عقلك ارجع وأنت ذهنك حاضراً لتقرأ ما كتبت فتصلحه وترتبه ولكن لا تحكم عليه في الحال بل ارجع إليه في وقت آخر.
إذا شعرت بأنك غير قادر على الكتابة فتوقف بعض الوقت (ولو لعدة أيام)، وقم بشيء آخر بعيداً عن الكتاب حتى تصفي ذهنك.
تقبل أن إنتاجك في الكتابة سيكون متفاوتاً، فلا يوجد كاتب يجلس يومياً فينتج عدداً محدداً وثابتاً من الصفحات ولكنك في يوم قد تكتب فقرة واحدة، وفي آخر تكتب خمس صفحات، وقد يمر أسبوع ولم تنجز شيئاً إلا أنك قد وجدت العنوان المناسب لأحد فصول كتابك!. بالطبع هناك كتّاب ينتجوا عدداً كبيراً وشبه ثابت من الصفحات يومياً ككتّاب الأعمدة في الصحف اليومية، ولكن هذا لأن هؤلاء قرأوا وكتبوا بما يسمح لهم بالقيام بذلك.
احتفظ بمفكرة صغيرة معك في كل مكان تسجل فيها أي خاطرة أو فكرة أو معلومة تحصل عليها من كتاب، أو نقاش، أو ندوة، أو تأمل، هذه الملاحظات يمكن أن تفيدك جداً في كتابك فتفتح ذهنك إلى أفكار وآفاق، وتلفت نظرك إلى موضوعات لم تكن منتبهاً لها، وإذا نسيت مفكرتك وقلمك فسجل على هاتفك المحمول، أو حاسبك المحمول (اللاب توب أو النوت بوك) حتى وإن وصل الأمر أن تستأذن أحداً أن يعطيك ورقة وقلماً.


خامساً: اختر عنوان الكتاب


قد يظن البعض أن اختيار عنوان الكتاب هو أول شيء يبدأ به الكاتب، ولكن هذا غير صحيح. فالعنوان هو آخر شيء تفكر فيه، وذلك حتى تستطيع اختيار العنوان الأكثر ملائمة ودقة وتعبيراً عن موضوع الكتاب. وإليك بعض الإرشادات التي تساعدك في اختيار العنوان المناسب لكتابك:


يزداد احتياجك إلى عنوان إيضاحي فقط إن لم يكن العنوان الرئيسي مبيناً لموضوع الكتاب، مثال:هناك كتاب يحمل عنوان "القواعد العشر"، هذا العنوان غير معبر عن موضوع الكتاب، لذا أضاف الكاتب عنواناً إيضاحياً هو "أهم القواعد في تربية الأبناء".
اختر عنواناً مناسباً للجمهور المستهدف، مثال: لو كان كتابك شعرياً أو رومانسياً فإن العنوان يجب أن يكون حالماً رقيقاً مناسباً لقراء هذه النوعية من الكتب.
ضع الاسم المباشر أولاً ثم الثانوي، مثال: "فلسطين .. التاريخ المصور"، فكلمة "فلسطين" هو العنوان الرئيسي، و"التاريخ المصور" هو العنوان الثانوي. السبب في ذلك هو أن يوضع الكتاب عند التصنيف ضمن كتب فلسطين وليس ضمن كتب التاريخ بصفة عامة فيتوه وسط الزحام.
الأفضل أن يتضمن العنوان أدوات الاستفهام (من، متى، أين، لماذا...الخ) إن أمكن ذلك، لأنها تستثير خيال القارئ ليجد الإجابة في مضمون الكتاب.


سادساً: انقل أفكارك بأسلوب شيق ولغة حية وسليمة


اللغة وعاء الفكر، ولا يكفي أن يكون الفكر قيماً وسليماً بل يجب أن يكون محتواه شيقاً وسليماً أيضاً حتى لا تظلم المحتوى القيم بلغة ركيكة أو جافة، فيجب أن تراعي في كتابك ما يلي:


استخدم قصص وتجارب الآخرين: لأن الناس على اختلاف أعمارهم يحبوا القصص ويتأثروا بها، كما أن المثال العملي أكثر قدرة على التأثير من الأفكار المجردة.
كن عربي النزعة في لغتك وفكاهتك: أي استخدم الفصحى لا العامية واللهجات المحلية وذلك لسببين الأول الحفاظ على اللغة العربية، والثاني ليكون كتابك مفهوماً لكل القراء العرب وليس لأصحاب لهجة بعينها. والأمر ينسحب أيضاً على النكات، أي إذا استخدمت فكاهة فاحرص على ألا تكون خاصة بأصحاب بلد بعينها حتى يفهمها كل عربي يقرأ كتابك.
جرب خدمتي المعاجم والقواميس على بوابة "عجيب" http://ajeeb.sakhr.com/ إذا استعصى عليك لفظ عربي أو أجنبي وأردت معرفة معناه بدقة.
تأكد من اتباعك لقواعد اللغة السليمة والهجاء الصحيح للكلمات لأن ذلك يؤثر على نظرة القارئ للكاتب، وإذا كنت تعاني من ضعف في هذا الجانب فيمكنك أن ترسل الكتاب إلى محرر ليراجعه لك لغوياً قبل نشره.
استخدم الصور البلاغية والتشبيهات لأنها توضح المعاني وتقريها إلى ذهن القارئ، واحرص أن تكون تشبيهاتك قريبة وتلقائية وذات دلالة واضحة فلا تضع تشبيه في غير موضعه.


سابعاً: نظم وقتك واختر مكاناً مريحاً للكتابة


رتب أولوياتك: هل تستطيع أن تفرغ نفسك لتأليف كتابك؟ إذا كان ذلك ممكناً بالنسبة لك فافعل، أما إذا كان ذلك ممكناً وهو الأرجح بالنسبة لغالبيتنا، فعليك بتصفية حياتك من الأعمال والأشياء الأقل أهمية بالنسبة لك حتى تجد وقتاً أكبر للكتابة. فرتب أولوياتك وتخلص من بعض الأعمال الأقل أهمية لصالح ما هو أكثر أهمية.
خصص وقتاً للعمل في كتابك: لا تدع ذلك للظروف وإلا فإنك لن تجد هذا الوقت أبداً، خصص وقتاً ولو كان قليلاً فإن الجبال من الحصى، المهم أن يكون ذلك بانتظام فخير الأعمال أدومها وإن قلَّ.
قدّر الوقت المناسب لإنهاء كتابك: احسب الكمية التي تكتبها في الساعة، واحسب الوقت المتاح لك للكتابة يومياً أو أسبوعياً لتتمكن من وضع تصور للوقت الذي يمكنك أن تنتهي فيه من كتابك، وأضف إلى هذا الوقت من (30% : 50%) وقتاً زائداً تحسباً لأي ظروف طارقة، وبصفة عامة فإن الوقت الذي يستغرقه تأليف الكتاب يتوقف على عدة عوامل منها: اجتهادك، والوقت الذي تخصصه للعمل فيه، ومعدل إنجازك في هذا الوقت، وحجم الكتاب.
اختر مكاناً مريحاً للكتابة: يتميز بإضاءة مناسبة وتهوية جيدة، خالياً من المشتتات، واجلس جلسة يكون جسمك فيها مرتاحاً.


ثامناً: راجع


اكتب مسودتك الأولى.
اترك هذه المسودة فترة كافية تستطيع بعدها عندما تراجعها أن تنظر إليها نظرة متجددة، ومن زاوية مختلفة اقرأها وراجعها وعدل فيها كما تشاء.
اتركها فترة وعد إليها مرة أخرى لتراجعها وتنقحها، كرر ذلك طالما مازلت تشعر أن هناك ضرورة لذلك.
اطلب من شخص تثق فيه أن يقرأ هذه المسودة، وانصت إلى تعليقاته، سوف يخبرك الحقيقة بشأن الأجزاء الجيدة في كتابك والأجزاء الأقل جودة، وبناءاً على ذلك قُم بالمراجعات والتعديلات اللازمة.
عندما تشعر أنك مستعد لنشر كتابك اتركه مرة أخرى أسبوعاً أو بضعة أسابيع بحيث ترجع إليه بنظرة متجددة.
هنئ نفسك لقد انتهيت من تأليف كتابك.



وأخيراً، ثق بنفسك وقدراتك حتى تستطيع التغلب على الأفكار السلبية التي سوف تحدثك بها نفسك في كثير من الأحيان عن جدوى ما تقوم به ومدى جودته، وهل سيباع الكتاب أم لا؟ وعن تقصيرك في حق أهلك وأصدقائك وكأن انشغالك بالكتاب هو السبب الوحيد لذلك، وكأنك قبل الشروع في الكتاب لم تكن مقصراً. الصدق مع النفس والمثابرة من أهم الصفات التي يجب أن تتحلى بهما، كذلك حتى تستطيع أن تواجه التبريرات التي ستقدمها لنفسك حتى تتهرب من الكتابة.


تأليف كتاب أمر في غاية السهولة، وما صعوبة الأمر إلا فكرة كونتها أذهاننا دون وعي منا. وبعد ما توقن بسهولة الأمر ستقبل على التأليف حتى تدمنه.