العجز النفسى.. آلام جسدية غير مفهومة الأسباب






العلاقة بين الجسم والنفس وثيقة جداً وتبادلية فى الوقت نفسه، فكلاهما يؤثر فى الآخر ويتأثر به فى الصحة والمرض، لأن الطاقة الحيوية العضوية للجسد يمكن أن تتحول إلى طاقة نفسية وبصورة جزئية فتساعد على رفع القدرة الذهنية..
ويؤكد الدكتور يسرى عبد المحسن أستاذ ورئيس قسم الطب النفسى بجامعة القاهرة أنه على نفس المستوى يمكن للطاقة النفسية المعنوية أن تتحول إلى طاقة جسدية، حيث تنعكس حالة المزاج العام على أعضاء الجسم وأجهزته وتظهر فى صورة القدرة والمرونة العضلية والنشاط فى الأجهزة الحيوية كالقلب والدورة الدموية وحالة التنفس، وكذلك الهضم والحالة الجنسية إلى جانب نضارة الجلد، وهناك مرض نفسى لا يظهر إلا فى صورة أوجاع جسمية متنقلة فى مواضعها وشدتها، وهذه الأوجاع تظهر منذ لحظة الاستيقاظ من النوم وتستمر طوال النهار إلى جانب الشعور العام بالإعياء والخمول والتعب لأقل مجهود..


وهذا المرض أكثر شيوعاً بين النساء مقارنة بالرجال، وفى الصيف والربيع أكثر من الشتاء والخريف، لكنه يتأثر بحرارة الجو أو الرطوبة بقدر ما يتأثر بالحالة النفسية والمعنوية للفرد، والتى لا يعرف عنها أى شئ ولا يستطيع الربط بينها وبين هذه الآلام والأوجاع المتنقلة فى أنحاء الجسم، خاصة فى الظهر والعمود الفقرى وربما الكتفين والرقبة مع الصداع فى مؤخرة الرأس.




وأضاف الدكتور يسرى عبد المحسن أن الأبحاث العلمية كانت تفسر هذه الآلام سابقاً بأنها نوع من الروماتيزم الذى يصيب العضلات، لكن فى حقيقة الأمر لم يستجب المرض للعقاقير المضادة للالتهابات العصبية العضلية أو العقاقير المضادة للروماتيزم من المسكنات والتى لا تحتوى الكورتيزون، ومع تقدم البحث العلمى ثبت أخيراً أن هذه الحالات المرضية المعروفة باسم (اضطرابات الجسدنة).. بمعنى اضطرابات الجسد، نتيجة الصراع النفسى والانهيار النفسى غير الظاهر، وهى تعبير غير مباشر ومؤشر غير معلن عن حالة اكتئاب وقلق نفسى أو عن شعور بالإحباط والعجز، بحيث لا يريد المريض الاعتراف بهذا العجز النفسى.


وأثبتت الأبحاث العلمية أن نسبة المرض قد تصل إلى 45% من بين المرضى النفسيين بين سن 40 إلى 65 عاماً، ومشكلة هذا المرض أن المريض يظل يسعى إلى معرفة سبب حالته بكثرة التردد على أطباء الباطنة ويمر بمراحل متعددة من الأبحاث والتحاليل والأشعات ولكن دون جدوى، ويترتب على ذلك حالة من المضاعفات كأعراض الخوف والوهم من احتمالات الإصابة بأمراض خطيرة وتسيطر على ذهنه فكرة أن ما يعانيه ولم يكتشف الأطباء سببه إنما هو أحد الأمراض المستعصية أو الخطيرة كالسرطان، وهنا يدخل المريض فى متاهات الهواجس الوسواسية التى تؤرقه وتدفعه للعزلة وربما إهمال العمل والاستسلام لحالة الاكتئاب والشعور بأن دوره فى الحياة يكاد يكون قد انتهى.




العلاج..




وأشار الدكتور يسرى أن علاج هذه الحالات يحتاج إلى وعى جيد وإدراك سليم من جانب الأطباء بضرورة الاكتشاف المبكر وتوصيف الحالة منذ البداية دون اللجوء إلى التخبط العشوائى وإرهاق المريض بكثرة الفحوص بلا داع، ثم الاهتمام بعلاج الحالة النفسية، التى هى سبب هذه الأوجاع الجسدية، بمضادات الاكتئاب الجديدة مع بعض المهدئات، والتى تعمل على استرخاء العضلات، ويساعد ذلك جلسات العلاج التحليلية النفسية للخروج من دائرة الصراع والإحباط النفسي وجلسات العلاج الطبيعى التى تساعد على تنشيط الجسم.




كيف يؤثر المرض العضوى على النفس؟




أكد الدكتور خليل فاضل، استشارى الطب النفسى، أنه من المعروف أن اضطرابات "السيكوسوماتيك" أو (النفس جسدية) هى تلك التى تضطرب فيها وظائف أعضاء معينة نتيجة اضطرابات وتوترات نفسية، مما يؤدى إلى ظهور أعراض عضوية كالقولون العصبى والصداع وارتفاع الضغط وغيرها، إلا أن الاضطرابات النفسية التى تحدث كنتيجة للإصابة بمرض عضوى أكثرها تعقيداً تلك الأمراض التى تحدث فى نفس المنطقة الجغرافية التى يشترك فيها الجسد مع النفس وهى المخ.. حيث هناك ما يسمى بمتلازمة أعراض اضطرابات المخ العضوية، ومنشأ المرض فى هذه الحالة يكون عضوياً والظاهر نفسياً.. وهى عكس حالة (الجسدنة)، حيث يكون المنشأ نفسياً والعرض عضوياً.




وأضاف الدكتور خليل فاضل أن أهم الخصائص المسجلة للمرضى النفسيين المصابين باضطرابات عضوية وظيفية هى وجود تاريخ مرضى للإصابة بالتوتر والقلق وسلوك غير عادى، عادة يبدأ فى مرحلة الطفولة أو المراهقة، وأعراض كثيرة يشكو منها المريض وعادة ما تصيب أعضاء كثيرة فى جسمه، وإقرار المريض بأعراض غير عادية يصعب على الطبيب الباطنى التعامل معها، وتاريخ مرضى سابق باستجابة غير عادية أو الفشل للاستجابة للعلاج، وتاريخ حافل بزيارات أطباء فى مختلف التخصصات، وفشل فى الانتظام فى علاج ما أو فى اتباع تعليمات الطبيب، وعدم قلق بشأن خطورة أعراض معينة..




وتبدأ الأعراض وتزيد عند التعرض لظروف حياتية سلبية أو قاسية، والحصول على بعض المكاسب الثانوية نتيجة الشكوى من الأعراض كالحصول على اهتمام وعطف وحنان أكثر من الأسرة.