عندما فقدت محفظتي!


في أحد أيام الشهر الفضيل وبينما أنا أتهيأ للذهاب للإفطار مع والدي حفظه الله
تفقدت جيوبي كإجراء روتيني للتأكد من وجود الجوال والمفاتيح والمحفظة .
وبالفعل كان الجوال والمفاتيح في مكانهما المعتاد
أما المحفظة فلم يكن لها أثر !
أعدت الكرة مرة أخرى وبالغت في التحسس ..
فعادت إلي يدي خاسئة وهي حسيرة ..فليس للمحفظة وجود !!
بحثت عنها على مكتبي .. وبين الأرفف...قرب سريري..
.في سيارتي.. ..هنا وهناك...لارجعٌ ولا اثرُ....
أعلنت حالة الطوارئ في البيت .. طفق الجميعُ يبحث بتفانٍ وإخلاص ..
ولكن الجهود لم تثمر و المساعي لم تفلح !
أشياء كثيرة غاية في الأهمية تختبئ داخل تلك المحفظة..
.بطاقة الأحوال..الرخصة.... بطاقة العمل..
.بطاقات الصراف...بطاقات الفيزا...
...مبلغ مالي كبير...
يالله ..لقد حدث مالم يهجس في الضمير ولم يسبق به الفكر!!
لقد فقدت المحفظة وفي وقت حرج !
العيدُ على الأبواب و الدوائر الحكومية في إجازة طويلة والبنوك مغلقة!
وهناك مصاريفٌ وارتباطات...ماذا عساي أن افعل؟!
(خالد....باقي عشر دقائق على الآذان)
كان هذا صوت زوجتي يذكرني بموعد الإفطار! .
.لبست غترتي ومشيت بخطواتٍ متثاقلة فقد أعنتني الأمرُ وشق علي
ومعه أكلني التفكير فجعلني بطلاً في رواية القلق وأحد غطارفة الهم ..
حتى ظننت في لحظة أن لا أحد قد أصيب بمثل مصيبتي!!
ولسان حالي يقول:


لا حُزنَ إلا أراه دون ما أجدُ
وهل كمن فقدت عيناي مفتقدُ؟


ركبت سيارتي وماهي إلا دقائق حتى وصلت إلى بيت والدي ..
ولم ادر والله كيف وصلت و لا أي طريق سلكت!
دلفت للمنزل ألقيت السلام على والدي وقبلت رأسيهما ولم نلبث حتى نادى المؤذن..
أكلت تمرة وشرب فنجانا من القهوة..
ثم استأذنت و استعجلت الذهاب للمسجد..
أريد أنسى مشكلتي وانفصل عنها و لو لدقائق ..
وبعد أن أنهيت صلاتي وبينما أنا في الطريق ..
وإذا بجملة أفكار كنت قرأتها للأديب الراحل (محمود تيمور)
تهجم علي وتستوطن تفكيري وتبلور لي قاعدة مذهلة !
ومعها كأنني انتبهت من هجعتي واستيقظت من رقدتي!
وجدتها .. قاعدة ..من كلمة واحدة فقط!!
لقد ساعدتني كثيرا على تجاوز المحنة وتفتيت الهم ..
لقد توصلت إلى الترياقِ الشافي من الألم
والبلسم المداوي من القلق..بكلمة واحدة فقط!
سنودع معها الحيرة ونفارق الاضطراب !
كلمة واحدة يأمن بعدها السرب ويهدأ الجأش ويسكن الروع..
وجدتها نعم وجدتها ..كلمة واحد فقط!
ندخل بها قصور السعادة ..وننسف أركان الحزن
أيها المحزون ويا أيها المكلوم دونك الحبل الذي سألقيه عليك فتشبث به..
لعل الله يسر لك درب السكينة على يدي!
يا صريع الحزن لاتقلق سأدلك على واحة الطمأنينة..
بكلمة واحدة لن ترهقك من أمرك عسرا ,ولن تلقى منها عنت..
وأطمئنك فلامال يدفع ولاجهد يبذل!
كلمة واحدة ستضمد بها جراحك وتستعيد معها ابتسامتك ..
ستعرف بعدها الراحة وتذوق طعم الدعة وسيطمئن جنبك إلى مضجع
هي كلمة اهديها لك ..لا لبس ولا اشتباه ..
فهي ليست سفسطة فيلسوف ولا خزعبلات كاهن ولا جعجعات متشدق!
كلمةٌ واضحة المعالم ظاهرة الرسم..
كلمةٌ واحدة أسديها لك وأصبها في عقلك !!
فهي علاج ناجع وملاذ أمين..
ستحملك من السقطات وتقيلك من العثرات..


ستدمر قيودَ القلق وتطلق النفوس من عقال الأسر
والآن كأني بك قد نشرت أذنيك مشرئباً بعنقك ..
متأهباً متواثب النظرات على أحرفي لتقع عيناك على تلك الكلمة..


حسنا سأنثر بين يديك تلك الكلمة السحرية ورودا وأزهارا تعبق بها حياتك وتشرق بها شمس فرحك


وستتضاءل معها الأزمات وتتصاغر المصائب ومعها يبرد الغليل
و يتسع الفضاء ويهدأ الشعور وتسكن الروح
والكلمة المعنية هي (تخيل)! نعم تخيل!
لعل ذهولا قد أصابك قارئي العزيز !
وكأني بك تقول كيف لكلمة واحدة تفعل الأعاجيب وتنقذ من الورطات وتسري الهموم؟!
هل تراني مبالغا أو واهما؟...
هل نازعك شكٌ في تلك جدوى الكلمة ؟


أمهلني يارعاك الله قليلا قبل أن تقبل أو ترد ,
حتى اُجلي الأمور وابسط لك المعاني واخرج كلمتي من ظلمات الغموض ,




واليك قصتي مع كلمة( تخيل):
•مع موجة الهم التي غمرتني وطيور القلق التي صدحت فوق راسي عند فقدي محفظتي
تخيلت أنني كنت أقود سيارتي بصحبة احد صغاري و حدث أن توقفت عند
إحدى المحلات وترجلت منها تاركا المحرك في وضع التشغيل وعندما قضيت حاجتي وعدت كانت
المفاجأة! لقد سرقت سيارتي وفقدت معها فلذة كبدي !!
تخيلت أن هذا وقع وهو أمر كثير الحدوث!
فصغرت عندي مصيبة المحفظة بل وتلاشت تماما قياسا بهذا الحدث الذي حفظني الله منه!


مشاهد من الحياة:
• زوجة كثيرة الضجر من سهر زوجها الدائم قد ضاقت ذرعا بقلة جلوسه في البيت حتى ظنت أن هذا الأمر لايبقى معه تأسي ولا ترجو معه سلوة!
أقول لها تخيلي أن هذا الزوج تأخر ذات يوم عليك وطال انتظاره وإذا بنعييه يأتيك مع بزوغ الفجر
فأصبح في غياب دائم وبعدٍ أزلي وعندها ستتذوقين الم الفقد و مرارة الثكل ..
أليس حالك الآن أجدى وأهون؟!


مشهد ثان:
• فتاة قد تأخر زواجها وقد ركض العمر وسار قطاره فضاقت النفس.وجفت العين عن لذيذ الرقاد.
أقول لها:تخيلي انك قد تزوجت شخصا وبعد شهور انكشف لك ستره وبان
ماخفي منه واتضح أنه مدمن للمخدرات يتعاطاها ليله ونهاره ,قد جعلت منه بقايا رجل
لاحول له ولا قوة يسومك سوء العذاب مصبحا ممسي !
أيهما أحب إليك وارغب أن تعيشي مكرمة معززة في بيت اهلك؟ أو العيش تحت ظل ذلك الرجل؟


مشهد ثالث:
• ابن ٌ قد سمت فيه الآمال وعلت إليه الأماني , ساءك منه ضعف عنايته بدراسته وشيء من تمرده فنفضت يديك منه معتقدا أن الرجاء قد خاب فيه
• أقول له تخيل انك رزقت بابن قد أصيب في عقله وغدا مجنونا يهيم على وجهه في الطرقات قد بلغ مبلغ الرجال ولا يملك من الفهم شيئ
• فأي الحالين أحب إليك؟


وقفة :
لا يظنن ظان أنني أدعو بإستراتيجية (تخيل) للقعود والرضا بالدون؟
ولا يستدركن على مستدرك بأنني أحرض على ثقافة الاستسلام والخنوع؟
وأنا اعلم أن هذا لايليق بمسلم بل و يخرجه من مربع الأحياء إلى مربع الجمادات!
ولكن ببساطة فإن آلية الفكرة هي العمل على حفظ الاتزان وضبط
التفكير فالعقل كما هو معلوم في حال محاصرة الشدائد يتعطل وترتج منافذه وتلك
الإستراتيجية قمينة بحفظ التوازن وتقوية ملكة التفكير ومهارة حل المشكلات ,
وإنما تسهل مواجهة غوائل الدهر ونوائب الأيام إذا كان العقل في
فسحة من أمره لم تستخفه المصيبة ولم تكدر بحاره دلاء القلق والهم


أخي أختي القارئ
لاهوت بك القدم لم يكن قولي هذ دعابة متظرف أطلب من ورائه التخفيف والترفيه عن المكلومي إذا كانت الافتراضات والتخمينات ستعينك على سقم يعتري وهم يضني وشكوى تضر وبها ستتخلص من واقع مؤلم إستراتيجية ستحلق بك إلى عوالم جديدة نسجتها فكرة (الإغضاء والتغافل المحمود ) تتسامى بها وترتفع عن أمواج الألم المطبقة عليك ..جربها وانزلها منزلة إحدى بنيات الأفكار فإن استحسنتها ووجدت لها في روحك موطنا وعقلك موضعا فامسك بمعروف وإلا فسرح بإحسان ولا تثريب


ومضة قلم:
لا يهم العالم أن تبتسم أو لا تبتسم! فابتسم أفضل لك