شكل الوعى الكوني
هناك القليل من البشر ممن وصلوا إلى أعلى شكل للوعى الكوني وهؤلاء الأفراد من الأقدمين في العالم. فعندما ندرك معنى الوعى الكوني والغموض الذي يكتنفه فإننا نكتشف أن هذا الوعى قد كان رسالة ما في حياة فرد مثل بعض الرسل أو بوذا و غيرة الكثير من المستنيرزن. وذلك حتى يتولوا مسئولية عملية التنوير في عمر معين وللمساعدة في تحسين وعى العالم.


وللانتقال للمرحلة الإلهية الكونية، يجب على الفرد أن يعتمد على الحدس بدلاً من السببية. والحدس هو أهم سمة من سمات الفرد الروحي. ويمكن تنميته، وهذا الحدس يخدمك. إذا ما أنت خدمته. وكما عرضت يعد التأمل إحدى الطرق لتنمية الحدس. فيجب أن نكون على دراية بالعالم الداخلي وأن نوجه وعينا نحوه. وما نبحث عنه هو الوعى الروحي الدائم وليس الوعى الروحي (المؤقت) والذي يجعلنا نتذكره أوقات الصلاة فقط وننساه باقي الأوقات.


ويشير بيوك إلى أن إن مستقبل الجنس البشرى به أمل كبير لأن بذرة الوعى الكوني قد زرعت في العديد من الأفراد وكلما نبتت هذه البذرة سيفهم العديد من الناس هذه الحالة الكونية إلى أن يأتي. وقت ويفهم معظم الناس ماهية الكون ويعرفون أن الله معهم وأن العالم محكوم بقوانين يجب عليهم طاعتها. وسيعلمون أن طاعة هذه القوانين الإلهية من أجل فائدتهم، فكل فعل سيصبح فعلاً لله وكل روح ستعرف وتشعر بالخلود وكل يوم نعيشه سيكون من أجل هذا الخلود وان العالم بكل الخير الذي فيا ينتمى له للأبد. وكل فرد سيعرف أن الاعتداء على قوانين الله لن بنفع وسيحاول كل فرد أن يكيف حياته مع الواقع والسعادة التي ستعم كل مكان.

إن الوعى الكوني يأتي للشخص الذي يتعلم المبادئ الروحية العليا التي تحكم الحياة ويعرف القوانين ويدركها. إن معرفة القوانين الكونية وعدم معايشتها وتطبيقها لن يرفعك لمرتبة أعلى، فيجب عليك طاعتها.
ربما تكون لديك رغبة عظمى في اكتساب الوعى الكوني ولكن إذا كانت قوة إرادتك ضعيفة فلن تحصل على شيء. ومن الممكن تدريب الإرادة، ويجب تدريبها مرات عديدة حتى تصبح عادة طبيعية قادرة على أداء أفضل شيء للذات. إن التفاني يعتبر من أهم العوامل المؤثرة على هذا الأمر، فعندما يكون الفرد مريداً الطريق الأعلى فيجب أن يكون مطيعاً لما يطلب منه، وكلمة مريدا تأتى من كلمة الإرادة النفسية والتي تعنى تدريب العقل أو الشخصية حتى يتم تدريب الإرادة وكلما قل الوقت الذي ندرب فيه العقل، قل الوقت الذي ندرب فيه الإرادة ولكن معظم الناس لديهم كسل فينصرفون لمشاهدة التلفاز بدلاً من تشغيل خلايا عقولهم. فهم لا يريدون التخلص من الأسلوب السلبى للحياة ومثل هذا النمط من الأشخاص أن يصل للتنوير.


لقد أمضى بوذا على سبيل المثال ستة أعوام في الغابات يتأمل ويحصل على التنوير ويصل للرؤية والبصيرة الذاتية الكونية، ولقد قال بوذا نفسه إنه كانت هناك ساعات يتغلب فيها ظلام الغابة عليه وعلى ما وضعه لنفسه. فعندما يبحث الإنسان عن التنوير مستعينا في ذلك بعقله فقط فإنه يصل إليه. ولكن هناك الكثيرين ممن يرغبون في الوصول للوعى الكوني ولكن من الذي لديه شجاعة بوذا في مواجهة المخاوف والوحدة.


يجب علينا أن ندرك أن الروح محددة بالحيز الذي تعبر عن نفسها من خلاله. فمثلاً نجد أنها محددة بثكل أكبر في طائر صغير عما هي عليه في بشر. إن الطاقة الخلاقة التي تملأ الكون يكون تعبيرها عن نفسها من خلالنا، وتعتمد على ظروف الأجساد التي تعبر عنها. فمثلاً إذا وجدنا مقطوعة موسيقية تم تأليفها وتلحينها وعزفها بشكل جيد وعرضت في الإذاعة من خلال سماعات جيدة وميكروفونات ممتازة وأجهزة صوتية جيدة فإنها تخرج للمستمع بشكل جيد. وعلى العكس فإذا كانت الأجهزة سيئة فإن تلك القطعة الموسيقية الرائعة تخرج بصورة سيئة. والأمر كذلك بالنسبة لنا، فالطاقة الخلاقة في الكون طاقة جيدة أصلا ولكن تعتمد عند خروجها على الأجساد، التي من خلالها، ومن خلال الظروف المحيطة بها وبالتدريب على الوصول لأنفسنا الداخلية فإننا نستطيع التواصل مع الكون ورب الكون العظيم وهذا أفضل تعبير عن الروح وهذه هي مهمتنا كبشر. ويشير دكتور فليت إلى هذا الأمر قائلاً ويبدو أن هناك وقتاً ما نتعب فيه من تفاعلاتنا الخارجية نحاول فيه الرجوع للعالم الداخلي والوصول لحل لمشكلات الحياة. نحاول البحث عن الحقائق فيبدأ وعينا في البحث داخلنا، وعند استمراره في البحث ندرك نظام هذا الكون. ونصبح على وعى بالقوة العظمى التي تحكم الكون وتحكم كل شيء ومع تعمقنا في هذا الأمر، نحاول أن نتعلم ونعرف أكثر عن الكون. ولا يستمر العالم المادي في جذب انتباهنا بعد ما دخل هذا الشيء الجديد في حياتنا وهو الرغبة في الوصول للعالم الداخلي الروحي وبعدها ندخل الطريق المؤدى للوعى الكوني.


وندخل في حياة جديدة ونبدأ في التشبع بكل ما نستطيع تشبعه. وندرس ونتأمل ونجد أثناء ذلك جزءاً من الحقيقة، ثم يتكون لدينا الكثير من الأجزاء التي تتجمع كالكنز مثل طفل صغير يُركب لعبة الصور القطعة، وبعدها نجد الحقيقة العظمى وهى أن الكون محدد بقوانين كونية تحكمه وتداوم على استمراره.


والآن لنا أن نسأل ما في هذه القوانين؟ ثم نبحث ونبحث لنعرفها. واذا استمررنا في البحث عن الإجابة بإصرار مستعينين في ذلك بما ورد في الأديان السماوية وآراء الفلاسفة، سنصل عندئذ إلى حقيقة النظام الكوني. ثم نقبض على البادئ الخالدة لقانون الطبيعة، وكلما نعرف عنهم الكثير والكثير، نصبح على وعى بالشيء الجديد الذي دخل حياتنا وهو إدراك الواحد. وعندئذ نترقى تلقائياً نحو الطريق ´ الأعلى والدخول لرحلة الوعى الكوني.
عندئذ يصبح هذا فو هدفنا، الهدف الذي نكافح جميعاً من أجله سواء كنا على دراية بذلك أم لا.