المبادرة وقوة الشخصية
مواجهة المأساة

لاحظ كيف مَارس هذا المدير " الوعي الذاتي" في نفس اللحظة التي سمع فيها بالحادث المأساوي، لأنه كان بإمكانه ملاحظة تدخله عبر التجربة بأكملها، مكنته قيادته المؤثرة من مسايرة الواقع، ومن مواكبة ما يستجد من متطلبات بقدر كبير من العناية والتعاطف. إنني مدير بإحدى المدارس، وذات مساء، وقبل موعد خروج المدرسة بساعة واحدة فقط، جرت طفلة تبلغ من العمر ست سنوات من ملعب المدرسة إلى الشارع، حيث صدمتها عربة نقل وقتلتها، وكمدير للمدرسة، لم يكن بحوزتي أي نص أو كُتيب يخبرني عن الكيفية التي أتصرف بها في مثل هذه المواقف، وكان أول ما تبادر إلى ذهني بينما أنا ذاهب تجاه الحادث (العادة الأولى: تحلَّ بروح المبادرة). وعندما وصلت لموقع الحادث، وجدت هناك صحيفاً صغير السن.
كان ذلك الصحفي يلتقط بعض الصور للواقعة، ويسأل الأطفال بعض الأسئلة التي تثير مشاعر أي إنسان، لم أكن أريده أن يفعل ذلك، لذلك طلبت منه أن يُغادر المكان. أعرف أن البعض قد يقول: إن كل إنسان لديه الحق في رؤية هذه الصور بارزة في صحيفة المساء، لكننا قد فقدنا طفلاً، ولم أكن أريد لمسألة وفاة هذا الطفل أن تتحول إلى تقرير موجه للجمهور. لقد فقد الأولاد بالمدرسة والروضة أحد الأصدقاء، نحن بحاجة لمتسع من الوقت كي يستطيع المجتمع تقبل هذه الخسارة، ومن ثمَّ شاركت بتعليقاتي، وبما أصدر الشهود من بيانات بإحدى الصحف المحلية، والتي كانت أكثر حساسية لطبيعة هذا الموقف العاطفي. في ذلك المساء، كان عليَّ أن أرى جثة تلك الطفلة على الطريق (وقد طاردتني الكوابيس لعدة أسابيع بعدها). وبعد ذلك، كان عليَّ أن أذهب بصحبة خفير الطريق لنُخبر والدي الطفلة بما وقع لها، وأدركت أن الناس بحاجة لتمكينهم من التحدث عن تلك التجربة بطريقة متعاطفة، فاجتمعت بالعاملين بصفة شخصية؛ لنتحدث عن المأساة، فقمنا بصياغة خطاب على الفور، لنُرسله لآباء الطلاب الذين يبلغون 550 طالباً في نفس اليوم.. وأخبرناهم أننا قد مررنا بحادث مروع، وبذلك فقد " يتفضلوا بتفهم الموقف إذا ما عاد أطفالهم محزونين إلى البيت" . وفي وقت لاحق في ذلك المساء، استدعيت المشرفين الذين هم في الخدمة، والذين شهدوا الحادث إلى مكتبي، وأخذنا أقولهم هناك، وقد كانوا بالفعل تحت ضغط عصبي شديد، ومراعاة ذلك على وجه السرعة يعني أن ليس عليهم استرجاع ذلك بأكمله مرة ثانية في اليوم التالي.
وجمعنا فريقاً من المستشارين والوزراء في تلك الليلة؛ ليُقدموا المشورة والنصائح للطلاب والمدرسين، وفي الصباح التالي، كان كل هؤلاء المتمرسين موجودين بالمكتبة، وقمنا بعقد جلسة رسمية كما قمنا بتحديد مواعيد لثلاث جلسات استخلاص معلومات مع العاملين بالمدرسة: لقد كنا غاية في المبادرة عندما قمنا بتزويد كل فصل بمستشار يكون موجوداً به على الدوام، كي يتعامل مع أحزان وآلام الطلاب التي ترتبت على تلك الحادثة المروعة. قال لي أحد أعضاء مجلس إدارة المدرسة:
إنه كان يجب اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المنطقة، وضدي أنا أيضاً بصفة شخصية، وأخبرته أنني على استعداد تحمل هذه المسؤولية، إذا ما حدث ذلك، لكنه لم يحدث، وأخُبرني ذلك العضو بعد ذلك أنه كان شديد الاندهاش بالطريقة التي تناولت بها هذا الحدث، لدرجة أنه ذهب لشراء كتاب العادات السبع؛ ليعرف كيف تعلمت التعامل مع مثل هذه المواقف، وبدلاً من التأثر بتلك المأساة، تصرفنا حيالها، وكان كل ما قمت به في هذين اليومين قد تم؛ لأنني كنت أريد إحكام السيطرة على ما كان يُعتبر موتاً مُدمراً، وما قد يُشكل ضرراً مُدمراً للمجتمع، وأعتقد أن تصرفنا بسرعة وبهدوء هدأ من مخاوف كثيرة، وبدأت القلوب في معالجة الأمر بأكمله بصورة أسرع مما يتوقع حدوثه.

هناك وقت مناسب لإشراك الآخرين في أمرٍ ما، ووقت آخر لإحكام السيطرة على الموقف بكل بساطة، هذا المدير أحكم السيطرة على نفسه، ثم بعد ذلك بدأ يُسيطر على الموقف، فالمبادرة بالتصرف وبأسلوب ملؤه الحكمة والرحمة في الأزمات، يدفع الناس للاتفاق معك، فهم يريدون التوجيه والقيادة والراحة والمساعدة؛ حيث إن قوة الظروف وعمق أحزانهم قد أضعفاهم، وقد يُلهمك تقديرك للموقف أن تتوقف عن الإنصات، وأن تتصرف في الموقف بكل بساطة، وفي بعض الأحيان يأتي " التمتع بروح المبادرة" بمعنى انك اخترت ألا تتصرف في الموقف، وأحياناً يعني مساندة مشاعرك لقيمك وفعل ما هو صحيح، في كل الحالات، سواء أكنت ستتصرف أم لا، فإن كل استجابة تتطلب مبادرة وقوة شخصية.