أنماط الشخصيات في المنظمات (1)



(كل إضافة إلى المعرفة الحقيقية؛ هي إضافة إلى القدرة البشرية).

هوراثيو.

إن القراءة في أسرار النفس البشرية، وأنماط الشخصية الإنسانية، تضع إدارة أي منظمة أمام كنوز من المعرفة، تعطيها المفاتيح لحل كثير من مشاكل العمل المعقدة، وتختصر عليها طريق الاتصال بموظفيها.

وأهم من ذلك كله؛ أنها تؤهل الإدارة في أي مؤسسة لكي تكون أكثر دراية بحاجات موظفيها، ومن ثم تصبح أكثر قدرة على مساعدتهم، وتغييرهم للأفضل، بل تجعل بيئة العمل مثالية وعائلية، ولذا ما أجمل الحكمة التي تقول: (في ظل الظروف المثالية يفوز الشخص المحبوب، وحتى في ظل الظروف غير المثالية، يفوز الشخص المحبوب).

الأسئلة الأربعة:

يمكننا القول بأن الشخصية الإنسانية تتلخص في أربعة أنماط، كل نمط منها يجيب على سؤال من الأسئلة الأربعة التالية:

السؤال الأول: من أين يستمد الإنسان طاقته؟

السؤال الثاني: كيف يستقبل الإنسان المعلومات من الخارج؟

السؤال الثالث: كيف يتخذ الإنسان قراراته؟

السؤال الرابع: كيف ينظم الإنسان العالم من حوله؟

1. من أين يستمد الإنسان طاقته؟
وإما أن يستمد الإنسان طاقته من العالم الخارجي، وهذا النمط يسمى المنفتح على العالم، أو الاجتماعي (Extroverted)، ويرمز لها بالحرف (E)، أو يستمد تلك الطاقة من العالم الداخلي، فيسمى المنطوي على ذاته، أو الانطوائي (Introverted)، ويرمز لها بالحرف I)).
2. كيف يستقبل الإنسان المعلومات من الخارج؟
وهي إما أن تكون عن طريق حواسه الخمسة ويسمى حسي (Sensor)، ويرمز له بالحرف (S)أو عن طريق الحدس والتصور والخيال ويسمى حدسي (Intuitive)، ويرمز له بالحرف (N).
3. كيف يتخذ الإنسان قراراته؟
وهي إما أن تكون عن طريق العقل والمنطق ويسمى عقلاني، مفكر (Thinker)، ويرمز له بالحرف (T)، أو عن طريق العاطفة والقلب ويسمى عاطفي، مشاعري (Feeler)، ويرمز له بالحرف (F).
4. كيف ينظم الإنسان العالم من حوله؟
وهي إما عن طريق السيطرة على الأحداث والتحكم فيها ويسمى حكم، حاسم Judger))، ويرمز لها بالحرف (J)، أو عن طريق التفاعل مع الأحداث وترك الخيارات مفتوحة ويسمى تلقائي، مدرك بحواسه (Perceiver)، ويرمز له بالحرف (P).

يقول د. موسى الجويسر: (وجميع هذه الصفات تولد معنا جميعًا، ونحن ننميها أو نضعفها، ولدى كل منا ميل نحو صفة دون الأخرى، ولكن كلا الصفتين موجودتان داخل كل منا في كل وقت، مثلما أن لكل واحد منا يد يمنى ويد يسرى في كل وقت، ومن تداخل هذه الصفات تنتج شخصياتنا المختلفة).

وفي كل منظمة أو مؤسسة أو شركة أو هيئة، ستجد من يتصف بتلك السمات والأنماط المختلفة، والذي يهمنا الآن؛ هو كيفية استثمار فهم المدير للشخصية الإنسانية للإسراع من عملية الاتصال مع موظفيه.

ولذا سنقوم بعرض سريع لأهم المميزات والتحديات في كل صفة من الصفات، وكيفية استغلال المميزات، والتغلب على التحديات، وسنكتفي في هذه الحلقة بالإجابة على السؤالين الأول والثاني.

السؤال الأول: كيف يستمد الإنسان طاقته؟

أولًا ـ الاجتماعي (المنفتح على العالم)، أو (E):

صفاته الرئيسة:

كما هو واضح من اسمه، منفتح على العالم، شخصيته منفتحة على الآخرين، يحب التعارف، وتكوين الأصدقاء، ولذا تجد له أصدقاء كثيرين وشعبية واسعة بين الموظفين، يشعر بسعادة وهو في وسط الناس، وتكون طاقته في قمتها وهو بينهم، بينما يمل من الجلوس وحده، ولا يطيق ذلك، تجده هو الذي يبدأ بالكلام، ويبدأ بالتعرف على الآخرين.

مميزات عليك استغلالها:

1. سهولة التعرف عليه:
وتكوين علاقة قوية معه بمنتهى السرعة، فكما هو واضح، هو يحب التعارف، ويحب الانفتاح على الآخرين؛ ولذا بسهولة وبسرعة تستطيع تكوين علاقة قوية معه.
2. سهولة فهمه:
فهو منفتح، لا أسرار عنده، قد يحكي لك من أول مرة كل قصة حياته، وكل أسراره، وهذا بالطبع يساعدك على فهمه بسرعة.
تحديات يجب التغلب عليها:

1. شدة تأثره بالآخرين:
ولذا فغالبًا ما ستجد له زملاء في العمل أو خارجه يؤثرون فيه بشدة، وقد يكون تأثيرهم عليه سلبيًا، فينخفض إنتاجه أو يتأثر أداؤه، وهكذا حتى تتمكن من التأثير فيه؛ عليك بإبعاده عن تلك المؤثرات السيئة، وذلك بجذبه تدريجيًا من مجموعة عمل فعالة؛ حتى يتعود على هذه المجموعة ويتأثر بصفاتها مثل إتقان العمل وإنجاز الأهداف في وقتها.
2. سرعة تقلبه:
هذه شخصية شديدة التأثر بالعالم الخارجي، ولذا فمن سمات هذه الشخصية أنها متقلبة؛ ومن ثم تجده اليوم مجتهدًا في عمله، ثم تلقاه غدًا وهو لا يكاد ينجز أهداف يومه.
بدون تفاصيل:

1. انقله من مجموعات العمل قليلة النشاط إلى غيرها من مجموعات العمل النشيطة.
2. وفِّر له رعاية وإحاطة كاملة، خصوصًا في أول أيام عمله في مؤسستك أو شركتك.
ثانيًا ـ الانطوائي (المنطوي على ذاته) (I):

صفاته الرئيسة:

الهدوء الشديد، لا يتكلم إلا عندما يسأل، لا يبدأ التعارف على الناس، له زملاء قليلون جدًا، ويكره الزحام، قد يحضر مناسبة، ولا يشعر به أحد، يفضل الجلوس بمفرده، يشعر بطاقة أعلى للعمل والإنتاج وهو بمفرده، وينجز أكثر في هذه الحالة.

مميزات عليك استغلالها:

1. الاستقرار:
هذا الشخص مستقر بطبيعته، وهذا يعطيك أريحية في التعامل معه، وتأثره بالعالم الخارجي ليس قويًّا، وبالتالي تكون أكثر اطمئنانًا وارتياحًا وأنت تتعامل معه، ولا تشعر أن هناك مفاجآت من الممكن أن تحدث معه في أي لحظة.
2. أكثر ثباتًا:
قد يكون بطيئًا في الاستجابة لما تقول له؛ لكنه أكثر ثباتًا، والخطوة التي يخطوها؛ غالبًا لا يرجع فيها، تمامًا كما يوصف باللغة الإنجليزية: (Slow But Sure).
تحديات يجب التغلب عليها:

1. صعوبة فهمه:
إذ أن طبيعته المتحفظة؛ تجعله يحب أن يحتفظ بأسراره لنفسه، وأن تكون له أسرار وأمور خاصة به، وبالتالي سيكون من الصعب عليك فهمه بصورة واضحة قاطعة، وحتى تتمكن من التغلب على ذلك؛ تحتاج إلى فترة من بناء الثقة، وفترة من الاستماع والإنصات الفعال، حتى تفهمه بصورة واضحة.
2. صعوبة جذبه للاشتراك في فريق عمل جماعي:
فهو يفضل إنجاز العمل بمفرده، ومن الأمور المقترحة للتغلب على ذلك، أن تعرفه على بعض أفراد فريق عمله الجديد، ولكن بصورة فردية قبل المشاركة في العمل.
بدون تفاصيل:

1- احرص على التدرج معه، ولا تتعجل عليه، انتهج أسلوب: (Slow But Sure).
2- عرِّفه تدريجيًا على زملائه في فريق العمل؛ لتضمه بعد ذلك إليهم.
السؤال الثاني: كيف يستقبل الإنسان المعلومات من الخارج؟

أولًا ـ الحسي (S):

صفاته الرئيسة:

يتلقى المعلومات عن طريق الحواس الخمس، يصدق ما يراه، يريد أن يحس بالمعلومات، يريد أن يمسك بالأشياء بيديه، ينشغل بالجزئيات دون الكليات، يفكر تحت قدميه، لا ينظر إلى الأمام.

كيف تتعامل معه؟

1. حينما تقنعه؛ حدِّثه دائمًا عن الفوائد أو الآلام في اللحظة الحالية، وعن الآثار المترتبة على الفعل في الوقت الحاضر.
2. أعطه المعلومات بصورة تفصيلية، بحيث تجعله كأنه يراها، ويشعر بها.
ثانيًا ـ الحدسي (N):

صفاته الرئيسة:

يتلقى المعلومات عن طريق الحدس والتصور والخيال، تجده كثير التخيل، ينظر دائمًا إلى الأمام، ينشغل بالكليات وبالصورة العامة، يعشق الابتكار والإبداع، ويأتي بالأفكار الجديدة.

كيف تتعامل معه؟

1. حينما تقنعه؛ تحدث معه عن آثار ذلك العمل في المستقبل، وعن الصورة المستقبلية المتوقعة.
2. أحيانًا يميل إلى الفلسفة والنقاش أكثر من اللازم، وعدم تحويل الكلام إلى واقع عملي، وفي هذه الحالة؛ حوِّل الكلام إلى الواقع العملي وركز معه على كيفية تطبيقه.
وختامًا:

هكذا نكون قد أجبنا عن السؤالين الأول والثاني، وهما كيف يستمد الإنسان طاقته؟ وكيف يدرك الإنسان العالم من حوله؟ ويتبقى لنا سؤالين في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، ولكن في الختام تذكر دائمًا قول ديل كارنيجي: (القدرة على الاتصال هي التي تطلق الطاقات داخل الناس، وتحوِّل الأفكار العظيمة إلى أفعال).

أهم المراجع:

1. البرمجة اللغوية العصبية وفن الاتصال اللامحدود، د.إبراهيم الفقي.
2. أسرار النفس البشرية، د.موسى الجويسر.
3. اكتشف القائد الذي بداخلك، ديل كارنيجي.
4. لليوم أهميته، جون سي ماكسويل.