عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 32
حديث الذات.. سر قوانا الخفية
حاول أن تتأمل حالتك المزاجية التي تعيشها هذه اللحظة، تأملها بتدبر.. بماذا تفكر؟ ماهو شعورك .. وكيف تصف حالتك الحالية؟ خذ نفسا عميقا وفكر بذلك لدقيقة واحدة..
من نعم الله عز وجل على بني البشر نعمة " الإدراك الذاتي" تلك التي تتيح للإنسان منا أن يتأمل وضعه وحاله، ويقف معها في صف مقابل متجرد عنها .. وكأن شخص آخر هو من يقوم بوصف هذه الحالة، ولاشك أن هذه النعمة العظيمة مما تميز بها بني البشر عن غيره من المخلوقات خاصة المخلوقات الذكية من الحيوانات والطيور.
وهذه الميزة تمنحنا القدرة على أن نتنحى جانبا عن ذاتنا ونتفحص حتى طريقة رؤيتنا لأنفسنا، وهذا يمنحنا قدرة أكبر على صياغة أنفسنا بشكل أفضل وأجمل، ولاينعكس تأثيره على سلوكياتنا وتوجهاتنا فحسب، بل حتى في رؤيتنا للآخرين.
و " حديث" الإنسان مع نفسه هو الواقع الشرارة الأولى التي تصنع ذواتنا فتجعلنا في مصاف المتفوقين المتقدمين، أو تبقينا في دائرة الركون والخمول، فأصواتنا الداخلية توجهنا في رغباتنا وطموحاتنا، ألم يحدث ذات يوم أن "سمعت" صوتين في داخلك.. أحدهما يحثك على الذهاب للمحاضرة والآخر يدعوك للبقاء؟ أو صوتا يذكرك بزيارة والديك وآخر يؤجل ذلك؟
وحديثنا مع ذواتنا .. ترى هل هو في غالبة باعث لنا للتقدم والتطور وإحسان الظن بالآخرين؟ أم هو عكس ذلك.. فيبقينا في دوائر الخمول والكسل ويقدم لنا الافتراضات السلبية؟
في دراسة أجرتها جامعة أمريكية في العام 1983م عن "التحدث مع الذات" توصلت إلى أن أكثر من 80% مما نحدث به أنفسنا هو سلبي وضد مصلحتنا، وأن هذه النسبة المرتفعة من الأحاديث السلبية تتسبب في أكثر من 75% من الأمراض التي تصيبنا بما فيها أمراض الضغط والسكر والنوبات القلبية وغيرها.. ذلك أن نصف المرض هو "وهم" الإصابة به..!!
ويذكر الدكتور شيد ستر في كتابه (ماذا تقول حينما تتحدث مع نفسك؟) أن حديثنا مع أنفسنا في الثماني عشرة سنة الأولى مع أعمارنا يقول لنا في أكثر 148 ألف مرة (لاتفعل..) بينما يستقبل من الرسائل الإيجابية في ذات الفترة الزمنية مالايتجاوز 400 رسالة إيجابية فقط..!! مفترضا أن الفرد نشأ في بيئة إيجابية إلى حد معقول..
وحديث الذات .. يمر بثلاثة صور رئيسية أولها وأكثرها خطورة هو (الإرهابي الداخلي) وهذه الصورة قد تجعل صاحبها فاقدا للأمل متقوقعا عند حدود معينة لايتخاطاها، موهما نفسه بعدم الكفاءة والعجز عن الفعل ومن عباراتها قول: ( أنا ضعيف ، أنا غير مقبول، لا أستطيع، حاولت ولم أنجح، لا أستطيع الحضور مبكرا) فهذه العبارات السلبية تساهم في (برمجة) حياة الشخص من خلال إرسالها لهذه العبارات السلبية نحو العقل الباطن ويؤدي تكرارها إلى اتخاذها قاعدة أساسية لايمكن البعد عنها أو الانفكاك من اسرها.
الصورة الثانية من صور حديث الذات هو ماتفعله كلمة (لكن) من مفعلو سلبي على صاحبها، كأن يقول " أريد أن انجح .. لكني لاأستطيع المذاكرة، أرغب بترك التدخين .. ولكن هذا صعب، أود أن ألقي كلمة أمام الحضور.. لكني أخاف أن أخطئ.." هذه العبارات وإن بدءت برغبة (إيجابية) بيد أن كلمة (لكن) قتلها .. وجعلت مايرسخ في العقل الباطن هو المفهوم السلبي وهو العجز وعدم القدرة.
الصورة الثالثة من صور حديثنا مع ذواتنا هي الصورة الأجمل والأفضل وهي ( التحدث الإيجابي) كالقول " أنا أستطيع، أنا قادر على الإبداع، أنا مرن ، لدي القدرة على التحدث أمام الجميع " وهذه الصورة من أفضل الصور .. وكما أسلفنا فهي تمثل النسبة القليلة من تعاملاتنا ومما لاشك فيه أنها سمة الناجحين والذين يشهد لهم بالعظمة والتفوق.
وقد عبر القرآن الكريم عن هذه الصور من حديث الإنسان مع ذاته وقسم (نفس) الإنسان إلى ثلاثة أقسام فهناك النفس المطمئنة " يا أيتها النفس المطمئنة" وهناك النفس الأمارة " إن النفس لأمارة بالسوء " وهناك النفس اللوامة " لا أقسم بالنفس اللوامة" وكل منها يقوم بدوره على الإنسان إن خيرا فخر وإن شرا فشر.
بقي أن أقول أن كل إنسان (قادر) على أن يصنع حياته من جديد ويرسم لها نمطا إيجابيا بأن يعاهد نفسه على أن يكون إيجابيا في تعاملاته مبتعدا عن الاحباطات الداخلية وصاما أذنيه عن صوته الداخلي الذي يوهمه أنه لايستطيع أن يحقق ما حققه الآخرين من نجاحات وتميز.
لنخوض تجربة بسيطة ..تبعد عنا "حديث النفس" السلبي، وترسخ في أذهاننا الأحاديث الإيجابية، وهذه الأمر سهل جدا ويملكه الجميع بشرط أن يتم تطبيقه بإيمان كبير ورغبة أكبر بإتمامه، ليقوم كل راغب بالتغيير بتدوين رسائل إيجابية في ورقة صغيرة يحملها في جيبة وليحرص على أن تبدأ كل رسالة بعبارة إيجابية كأنا استطيع.. أنا قادر وليبتعد عن التعبير السلبي كقوله " لا اريد أن أكون جاهلا" ذلك أن العقل الباطن يخزن الرسالة دون كلمة (لا)، وليحتفظ بتلك الورقة في جيبه وليكرر قراءتها بين كل فترة وأخرى، مهيئا نفسه من خلال إحساس عميق تتطلب خلوة وبيئة هادئة، ولو وطن نفسه على قراءة تلك الرسائل يوميا ولمدة شهر، مؤمنا بحاجته للتغيير وراغبا به فسيجد – بإذن الله – نتائج إيجابية تنعكس على واقعه في المستقبل.
المفضلات