إذا كان التوازن في الشخصية والانسجام مع الذات يتطلب أن نتكيف مع قيم بيئتنا الاجتماعية، فمن نافلة القول أنك أنت الشخص الأول القادر على الحكم على قدراتك و التأثير على نفسيتك بطريقة إيجابية.
وبالتالي، فإنك تحتاج إلى تطوير القدرة على تقدير ذاتك بقيمتها العادلة، من أجل أن يُعترف بك في المحيط الاجتماعي الخاص بك.
حب الذات هو الباكورة الأولى لنمو ثقتــــك بنفســـك. إنه يؤثر على التصوُّر الذي يُنميه أفراد محيطك بخصوصك.
غير أنه، كغيره من ميكانزمات الشخصية، له جانب سلبي.
فقد يتطرف حب الذات المُبالغ فيه إلى إعجاب زائد عن اللازم، فيتحول بدالك إلى تشوه نفسي، يترجمه تضخم الأنا ومركزيتها (عبادة الذات)، وهذا المنحى غير السليم معروف باسم النرجسية.
هذا التشوه النفسي قد يتخذ شكل حالة مرضية، بما هو إفراط في تضخيم الذات، ومبالغة في اعتبارها. ليس هذا فحسب، بلهو ترجمة لعلاقة متوترة مع الآخر المُــتعالَـــى عليه، الذي يتم استصغاره ونفيه إلى حد كبير.
مدونة النجاح الذاتي تقترح عليكم في هذه المداخلة خارطة طريق لتحقيق حب ذات سليم دون أن يتجه إلى منحى غير مرغوب فيه.
1. معرفة كيفية احترام قدراتـــك ومؤهلاتــك الذاتية حتى تتطور في حياتك
تقدير ذاتك يبدأ من الوهلة التي تستيقـــظ فيها، فإن لم تستيقظ وأنت عــلى فكـــــرة أنــــك بخيـــر، وأنـــك تستحق السعادة والحياة المزدهرة، كـــن متيقـــنا أن حياتك قابلـــــة لأنْ تتحول إلى جحيــــم في أية لحظــــة.
إن حـــب الذات يتلخص في تقديرها والنظـــر بإيجابية إلى ما تتوفــــر عليه هــــذه الذات من قــدرات ومؤهلات. هو تلك الثقـــة التي تعامل بها ذاتك بشكل يومي.
السؤال الذي يخطر ببالك عزيزي القارئ الآن هو كيف بإمكانك تطوير حبك لذات؟
لماذا لا تبدأ بالإصغاء إلى ذاتك؟
حاول أن تقض بضع دقائق كل يوم في التساؤل حول الشكوك التي توجهها لذاتك. على ماذا تتأسس –أي الشكوك-؟ بهذا، تكون قد بدأت في رصد ما يعرقل حبك لذاتك، ومنه ستحاول التحرر من هذه الشكوك ومن انطباعاتك السيئة عن ذاتــك؟
2. تعزيز حبك لذاتك رهين بالممارسة العملية في حياتك اليومية.
إن تعزيز حبك لذاتك يتأسس على إرادة حقيقية ملموسة، تهدف إلى تطوير حياتك النفسية. بالتالي سيتعين عليك تنزيل هذه الإرادة في واقعك اليومي، والقيام بتغييرات جذرية حتى يتسنى لك التخلص من أفكارك السيئة عن ذاتك بالملموس.




هل تنظر إلى نفسك بأنك لست جميلا بما يكفي؟
حاول أن تقوم بإعادة نظــــر شمـــولية، والتي ستكون هي نقطــــة بــدايــة لحالة وعــــــي جــديـــدة بذاتك.
اقتــــن بـــدلة جديــــدة ليــكون لك مظهــرا جديـــــــــدا.
هل تشعر أحيانا بأن ثقافتـــــك محدودة؟
حاول أن تجلب كتبا وتبدأ في قراءتها… ابدأ بتعلم لغة جديدة… تسجل في دورة تكوينية أو دروس مسائية…
وفي هذا الإطار لا تهم حصيلة هذه النشاطات بقدر ما تهم المسلكية النفسية الحاصلة بعدها.
إن مجرد التفكير في العوامل التي تعيق حب الذات هو خطوة شديدة الأهمية باتجاه تحقيق ثقة عالية بالنفـــس.
اهتم بما حققته من إنجازات ناجحة وركز عليها لتعدل أفكارك المسبقــــة عن نفســـك لتستطيع مــواجهـــة التحديــــات الجديـــدة.
فحياتك ليست قائمـــة على الفشــــل والتعثرات حتى تجعلها تحدد شخصيتك في مجموعها، وبالتالي تنمو فيـــك نظــرة مهزوزة إليها.
حاول أيضا أن تكون محاطا قدر الإمكان بالأشخـــاص الذين يشعرون بوزن وجودك بجانبهم؛ كشريك حياتك، عائلتك، أصدقائك… أشخاص من شأن وجودك بجانبهم أن يجعلك تجد ذاتك وتحبها، بما يعبرون عنه من قيمتك عندهم، والراحة التي يتذوقونها بوجودك.
لكن هذه العملية يتعين أن تنبني على الواقعية.
الشعور بعدم الارتياح الذاتي والسعي إلى الكمال هي شروط متأصلة في الكائن البشري. وقليلون هم الناس الذين يشعرون بتحقيق الإشباع الذاتي، وبالرضا عن شخصهم.
يجب أن نكون مقتنعين بقابليتنا للتطور، ولكن هذا يتأسس في جزء كبير منه على الثقة التي نمنحها لذاتنا.
3. هل يمكن أن يقود حــــب الذات إلى حالة النرجسية
على عكس الناس الذين يشككون في قدراتهم، نجد أشخاصا يشعرون أن لهـــم أهمية كبيرة جدا في محيطهم. وإذا كانت الحدود التي تفصل بين الكاريزما والنرجسية حدودا دقيقة، فإنه على مستوى النتائج حيث يظهر الاختلاف.
إن النرجسية تقوم في الغالب من خلال إعجاب الشخص المفرط بجسده، وقلما تنبــني على النجاحـــــات المتوصل إليها عن طريق التجربــــة؟
إنها –أي النرجسية- تقوم على تضخيم مفرط لقيمة الشخص، والتقليــــل من أهمية الأفراد المحيطين بــــه في دائرته الاجتماعية.
والنرجسية في منشأها هي ترجمة لشعور بالنقص وعدم ملاقات الاعتراف من قبل المحيط الاجتماعي. وهكذا تُـجْــهز على العلاقة السليمة بالآخر.
وعمليا تتمظهر هذه النرجسية في الـنزوع إلى تـــرَصّد عيـــوب الآخـــر وعوراتـــه ؛ ومحاولــة وضعه في إطار ضئيـــل، وإحاطــته باللوم على الدوام.
وكلنا قـــد سبــق لنـــا أن صادفنــــا شخصــا يتصرف كمــا لــو كــان محــور الكــون، وتتجــلى فيــه علامات من يتسامى على النــاس ويحتقرهم.
لا شــك أنهــا صفة مدمرة…
4. كيــف تطـــور حب الذات مــن دون أن تسقـــط في شراك النرجسيـــة
حتـــى لا تجــد نفسك قــد تجاوزت ذلــك الخــط الفاصل بيـــن حـــب الذات والنرجسيــــة، يلـــزم أن تحافـــظ على واقعيتــك.
وإذا كان يتعين عليك تسليط الضوء علـــى قدراتك والتركيز على نجاحـــاتك، فإن تعثراتك وفشلك ينبغي أن تأخذ حصتها من الاهتمام لتساعدك على تطوير ذاتك والارتقاء بها وعدم تكرار نفس الأخطاء.
لا يمكن أن تنفصل عن دائرتك الاجتماعية وتتجاهلها.
لكن لا تتوقف بسلبية عند أحكام عناصر هذه الدائرة الاجتماعية بشأنك؛ ولا ينبغي أن يدفعك ذلك إلى الاعتقاد بأنك أعلــــى من الآخرين.
أن تحـــب شخصا مــا فهذا يعني أنك قد أحببـــت ذاتك قبل ذلــك، لكن لا يصح أن يتجاوز حب الذات حدود المعقول، حتى يظل في سكته الصحيحة التي تقـــود حتما إلى تحسيـــن نفسيتـــك.
أن تشتغل على ذاتـــك بتطوير حبها هــو هو مفتاح من مفاتيح الارتقاء بالــذات وتحصيــل السعادة المرجوة. على أن هذا الاشتغال على الذات والاهتمام بها لا يصح أن يتحول إلى هوس، يجعلك تقدمها على أي شيء آخر، حتى وإن كان في غاية الأهمية.
لا تنسى أن تقوم بتقييم مؤهلاتك الاجتماعية أيضا، فهي الأخرى تلعب دورا رياديا في تطويرك لذاتك، لأنك في نهاية المطاف تعيش في دائرة اجتماعية، لا مفر منها.
التوازن إذن مهم وضروري