موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
ذروة القلق ,,,,
هي حالة شعورية تحوي كل معنىً للضيق ... يصاحبها تغيرات فسيولوجية توجِد غاية الألم ... فمن تسارع كبير في وتيرة نبض القلب إلى برود في الأطراف إلى إحساس بالغثيان إلى كره للحياة , يعيش الفرد هذه الحالة عاجزاً عن السيطرة ... ومع أنها _ أي هذه الحالة _ لا تتجاوز اللحظة ( جزء من الثانية ) إلى أنها كما يُحِس المرء تعادل أو تفوق في زمنها كل سنينِ عمُرِه .
بالطبع ألمها لا يُعادله ألم , فوجع المرأة زمن الولادة كونه أكبر ما يمكن أن نصِف به قمة الألم , يتكيف معه جسدها ويُعايشه على الرغم من فظاعته ... كذا أنواع الأمراض تتكيف معها الأجساد وتُعايشها ... ولكن هذه اللحظة _ أي ذروة القلق _ ليس بمقدور الجسد غير إلغائِه فوراً , ذلك أنه وباعتقادي لو تجاوزت اللحظة لكانت النتيجة الموت حتماً .
ولكي تتضح ماهية هذه الحالة , سأذكر أمثلة شائعة , ولكن ما يهمني هنا هو أن تستحضر أخي القارىء الكريم كامل إحساسك كي تتمكن من فهم المقصود , فجُل مطلبي منك أن ترى الحالة بكل وضوح , وهذا لن يتم دون استشعارك لها من خلال وصفي :
المثال الأول /
(اليوم انتهت امتحانات السنة , وبعد غد النتيجة ) الزمن الفاصل بين هذه اللحظة ولحظة معرفتك بالنتيجة , ستكون في قلق يرتفع مستواه مع تقدم الوقت . وإليك هذه الوقفات مقرونة بدرجة مئوية تُبين مستوى القلق :
_ غداً أول اليوم , مستوى القلق ( 30 % )
_ غداً منتصف اليوم , مستوى القلق ( 40 % )
_ غداً آخر اليوم , مستوى القلق ( 50 % )
_ حين تصحو من النوم يوم النتيجة , مستوى القلق ( 70 % )
_ حين تخرج من المنزل متوجهاً للمدرسة , مستوى القلق ( 80 % )
_ حين تصل للمدرسة , مستوى القلق ( 90 % )
_ حين ترى لوحة النتائج , مستوى القلق ( 95 % )
_ حين تشاهد قائمة صفك , مستوى القلق ( 98 % )
_ حين تقع عينك على أسم زميلك السابق لك في مقعد الجلوس , مستوى القلق ( 100 % ) وهي ذروة القلق ... هي اللحظة التي تشعر فيها بأقسى وأعظم مظاهر الضيق والألم . حتى أنك من فرط قوة وقعها ( كما أشرنا سابقاً ) تُلغيها فوراً بالتسليم وعدم الاهتمام بالنتيجة بتاتاً ( وهذا يدور في بحر أجزاء أجزاء الثانية ) .
المثال الآخر /
( ظهرت عليك أعراض غريبة , وبعد أن شخّص الطبيب وضعك , قال : أشك في حالتك ومن الضروري أن تقوم بتحليل لنرى هل أنت مُصاب بمرض نقص المناعة المكتسبة < الإيدز > أم لا ) .
بعد أن يُسحب الدم , وتمر بالعديد من الوقفات :
_ تُقبل على المختبر بصحبة طبيبك , مستوى القلق ( 90 % )
_ حين تقع يد طبيبك على نتيجتك , مستوى القلق ( 95 % )
_ حين يطّلع عليها , مستوى القلق ( 98 % )
_ لحظة إلتفاته إليك , مستوى القلق ( 100 % ) وهي ذروة القلق .
أرجوا أن يكون المقصود بذروة القلق قد أتضح الآن جلياً ... كما وأتمنى أن تكون أخي الكريم مستشعراً بكل جوارحك لهذه الحالة , وقد تتذكر موقفاً عشت فيه ذروة قلق .
والآن ... قم باقتطاع هذه اللحظة , وذلك بحذف ما قبلها وما بعدها , لتبقى هي خالصة . ثم :
( قف لثوان وتأمل هذه الحالة قبل أن تُكمل القِراءة )
• هذه الحالة تحكمها ثلاث محكات :
1_ مدتها
.وهي كما ذكرنا لا تتجاوز اللحظة . وإلا كان المصير إلى الوفاة حتماً ( كما أعتقد ) , وبذا فهي قصيرة للغاية .
2_ طبيعة النتيجة المنتظرة .
وفي المثال الأول كانت النتيجة المنتظرة حصاد عام كامل من الجهد والتعب , وفي الثاني كانت تقرير الإصابة بمرض مُهلك .
ولو أمعنا النظر قليلاً لهذه النتائج المنتظرة لأدركنا أنها وعلى الرغم من خطورتها لا تستحق التعرض لتعنيك تلك اللحظة وعذابها ... فإن جاءت النتيجة عكس ما يسرنا فلن تنتهي الحياة ولا تزال هناك فرصة للتعويض لاحقاً , وحتى لو كانت النتيجة مصيرية كما في المثال الثاني , فالتشاؤم لن يتجاوز توقع الموت بعد فترة طويلة , وهذا مصير لا بد منه سواء بمرض أو بدون , فضلاً عن كونه قدر مكتوب لا مناص منه .
3_ ظروف الموقف .
بالطبع ستكون في المثالين طبيعية ومُريحة , فالأجواء لن تكون سيئة في المدرسة ولا في المستشفى .
وبعد هذا أرفع الستار عن مشهدٍ يبين بوضوح كم نحن تائهين غافلين نعيش على آمال تعكس الضياع بكل تفاصيله , كيف لا والتّذكر والتّفكر والتّدبر لدينا لم يصل لأهوال يوم عظيم !!!
يومٌ تُدَكُ فيه الأرض دكاً دكا وتُنسف الجبال نسفا , وتنشق السماء وتُكور الشمس وتتناثر النجوم وتتصادم الكواكب , وتُسجّر البحار ... يوضع الميزان ويأتي فيه ربنا والمَلَكُ صفاً صفا .
يومٌ تتقطع فيه نياط القلوب وتتفطر الأفئدة وتشخص الأبصار .
يومٌ ذروة القلق فيه لا يوازيها ذروة ... فمدتها خمسون ألف سنة , نقف على صعيدٍ لا يفصله عن الشمس سوى ميل , والنتيجة حاسمة إما نعيم وإما جحيم .
((( فمدتها خمسون ألف سنة , نقف على صعيدٍ لا يفصله عن الشمس سوى ميل , والنتيجة حاسمة إما نعيم وإما جحيم .)))
يومٌ به أقسم العظيم من فوق سبع سماوات وتوعد :
( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ) [إبراهيم:48] .
( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم *يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) [الحج:2].
( يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار * اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب )[غافر:16].
( يومئذ تُعرضون لا تخفى منكم خافية ) ] الحاقة : 18 [
( يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل إمرىٍ منهم يومئذ شأن يغنيه )[عبس:34-37].
( يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة * قلوب يومئذ واجفة * أبصارها خاشعة )[النازعات:6-9].
هو يوم الدين ويوم البعث , يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله .
هي القارعة ... الحاقة ... الغاشية ... الزلزلة .
( القارعة * ما القارعة * وما أدراك ما القارعة * يوم يكون الناس كالفراش المبثوث * وتكون الجبال كالعهن المنفوش * فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية ) [القارعة:1- 9].
اسمع يا ذا الفؤاد قول العزيز الجبار :
( كلا إنها كلمة هو قائلها ومن وراءه برزخ إلى يوم يبعثون * فإذا نُفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ) [المؤمنون:100- 103].
وأي خسارة
أسألكم بالله , ما حجم هذه الحياة بجانب هذا اليوم ... أنعيش ستون سبعون ثمانون تسعون أو ألف سنة حتى ... كم تعادل أمام هذه الأهوال ؟!!!
المفضلات