◄الناس تستغرق 40% من وقتها في الإنصات وكثيرون لا يجيدونه، لم أجد أسهل مجهوداً ولا أفعل تأثيراً في تملك قلوب الناس من الإنصات إليهم، فعندما تشعر بالضيق من أمر ما أو تكاد تطير فرحاً إلى من تتجه؟

بالتأكيد إلى من يحسن الإنصات إليك، حتى وإن اختلف الفارق السني أو الفكري أو العمري مع من يحسن الإنصات فإنك ستفضله على غيره، تذكر أيّة تجربة أليمة أو سعيدة جدّاً، هل تذكر أنك استغرقت وقتاً طويلاً لمعرفة من تقولها له، بالتأكيد لا أفسمه يأتيك ببرهة، بنظرة فاحصة على أصدقائنا الذين نودهم نجد أنهم يشتركون في صفة الإنصات إلينا ولذلك نحبهم.
* دراسة علمية:
أظهرت دراسة علمية على مهارات الاتصال بين الناس أنّ الناس يستغرقون ما نسبته 75% من يومهم في الإنصات والتحدث فقط، 40% للإنصات و35% للتحدث، بينما يقضي 16% من أوقاتهم في القراءة و9% في الكتابة، وهو ما يؤكد أنّ الإنصات يحتل النصيب الأسد من أنشطتنا اليومية، وبالرغم من أنّه ليس هناك اعتبار يذكر لتدريس مادة الإنصات في دول عديدة كمادة أساسية للتعلم مقارنة بالقراءة والكآبة والتحدث إلا أننا نحظى بعدد لا بأس به من المنصتين في هذه الكرة الأرضية الجميلة ويشترك هؤلاء بمحبتنا لهم لعوامل عديدة.

- لماذا يُحَبُ المنصتُ؟
يحب الناس المنصت لأنّه المغناطيس الذي يلجأ إليه الناس لتفريغ همومهم وأحزانهم وحتى أفراحهم، فهو الذي يشعرهم في كنفه بالاحتضان والتقدير، فما أجمل أن نرى أذناً صاغية بهدوء ووقار لشخص يكاد يضيع بالغضب أو الحزن ذرعاً، إنّها خدمة جليلة يقدمها إلينا من دون مقابل مادي.
ويحب المنصت لقلة أخطاء لسانه، فمقارنة بعشاق التحدث فإنّه أقل عرضة لزلة اللسان وأقل تصادماً معهم سواء في النقاشات أو المشادات الكلامية وغيرها، المنصت يفضل حبس لسان ويرسل أذنيه إلى عالم المتحدثين الصاخب.
المنصت لا يعرف من بين الحضور إلا عندما تكتشفه أعين المتحدثين وهو منزوٍ في هدوء وتقرب فتتابعه بحرص، علماً بأنّه لم ينطق ببنت شفة، وذلك دليل على أنّ المنصت شخصية لا تقل أهمية في المجالس عن كثيري الأسئلة والمتحدثين، فإنصاته يشعرهم بالقبول والمتابعة، كيف ترى مجلساً تتحدث فيه ولا أحد ينصت إليك! ويزود الإنصات المنصت بمعلومات كثيرة، فكلما زاد إنصاته زادت معلوماته وبالتالي حاجة الناس إليه والأنس بوجوده.
كما يندر أن يجابه دخول المنصت إلى مجلس ما بالاشمئزاز أو التأفف فهو يحمل رصيداً يكاد يكون خالياً من الصدامات أو الأحقاد في المجالس التي يذهب إليها، لقلة حديثة، وصدق القائل "لست حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك"، والمنصت ليس كما يتصوره البعض قليل الأصحاب، فهو معروف بإنصاته لكل ما تأتي به ألسنة جلسائه، ويكفيه ذلك فخراً.

- كيف تكون منصتاً جيِّداً؟
1- الإنصات بالعينين!
أن تكون منصتاً جيِّداً ليس معناه أن تنصت بأذنيك فقط، وإنما بعينيك أيضاً! هذه ليست دعابة فقد أثبتت دراسات عديدة أن تتبع المنصتين لأعين المتحدثين يزيد الفئة الأولى تركيزاً ومتابعة ويزيد الثانية راحة أكثر في الحديث، في مجتمعاتنا الشرقية يعود أطفالنا على عدم النظر إلى عيني الكبار، حيث يعتبرونها نوعاً من أنواع عدم الاحترام، وفي الحقيقة هي نظرية ليست صحيحة.
2- المقاطعة:
لا تقاطع أبداً، بل انتظر لحين انتهاء محدثيك فذلك من شأنه تعويدهم على أسلوبك والذي سيكون سبباً في ارتياحهم عند التحدث إليك، وجذباً لك بنقل التعلم إليهم.
3- التفاعل والتمثيل:
تفاعل مع ما يقال بصدق ومن دون تمثيل، وتذكر أن هناك أناساً كثيرين لديهم من الفطنة والبداهة ما قد يفوق توقعاتك، مرة أخرى، لا تتصنع المتابعة فرائحتها يسهل على أي شخص التعرف عليها مما قد يفسد عليك جميع محاولاتك.
4- الوقت والمكان:
إنّ اختيار الوقت والمكان هما في غاية الأهمية، فكيف يراد من شخصٍ ما أن ينصت وهو مستغرق في متابعة برنامج تلفزيوني محبب لديه أو مستغرق في عمل يدوي ما أو أن يكون على وشك الخروج من منزله أو مكتبه، فمن يريد إنصاتاً يرضيه ليختر الوقت والمكان المناسبين، حتى توصل المعلومة إليه بالشكل الصحيح دون غموض.
5- صفات المنصت الذي يقدم بإنصاته مهارة التعلم: أن يكون مصغياً إلى ما يقوله القائل، حاضر القلب، قليل الالتفات إلى الجوانب متحرزاً عن النظر إلى وجوه المستمعين وما يظهر عليهم من أحوال الوجد، مشتغلاً بنفسه ومراعاة قلبه، ومراقبة ما يفتح الله تعالى له من رحمته في سره، متحفظاً عن حركة تشوش على أصحابه، يكون ساكن الظاهر هادئ الأطراف، متحفظاً عن التنحنج والتثاؤب، ويجلس مطرقاً رأسه كجلوسه في فكر، ويدعو إلى الحذر من التصنع والتكلف والمراءاة، أثناء الإنصات وأن يكون ساكتاً عن النطق في أثناء القول بكل ما عنه بد، فإن غلبه الوجد وحركه بغير اختيار فهو فيه معذور غير مذموم، داعياً إياه إلى الرجوع إلى هدوئه وسكونه وهو ينصت.
فقيل: إذا جالست الجاهل فأنصت له، فإن في إنصاتك للجاهل زيادة في الحلم، وإذا جالست العلماء فأنصت لهم، فإن في إنصاتك للعلماء زيادة في العلم.►