عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
الذكاء العاطفي
فنحن بصدد رحلة استكشافية في عالم النفس البشرية "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" ، "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها"
وتزعم انك جرم صغير ××× وفيك انطوى العالم الأكبـر
نعرف ونقف عند بعض قوانين هذه النفس. فكما أن للآفاق قوانين عرف الإنسانُ بعضها، فان للنفس قوانين عرف الإنسان بعضها أو ظن ذلك . ونرتاد الجديدَ في عالم هذه النفس كما يرتاد الإنسانُ الجديد في عالم الآفاق ونقرأ شيئاً من أبجدياتها وكلماتها كما نقرأ كتاب الكون الضخـم .
ولقد جعل القرانُ شرط تغيير الله لما بقوم أن يغيروا ما بأنفسهم "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ، "قل هو من عند أنفسكم" ولا حظ أن تغيير الله يأتي عَقب تغيير القوم لما بأنفسهم.
وبالعلم يكشف الإنسان هذه القوانين في الآفاق وفي الأنفس "وقل رب زدني علماً" ، "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" ولا شك أن العلم المراد لا ينحصر في العلوم الشرعية بمعناها اليوم بل الأمر أوسع من ذلك واشمل.
والعقل – نعمة الله العظمى – مناط التكليف كما أن "معظم مصالح الدنيا ومفاسدها معروف بالعقل" ذكر ذلك العز بن عبد السلام في كتابه (قواعد الأحكام في مصالح الأنام) .. وهذا يشمل العقول كلها لا يختص بعقل دون عقل "والحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها" والبشرية على امتداد التاريخ والجغرافيا تتفق في الكثير وهو المشترك الإنساني .
واكتشاف قوانين أوسنن الآفاق والأنفس يحتاج إلى همم عالية وهنا انقل كلمة سطرها ابن الجوزي في صيد الخاطر تحت عنوان طلب معالي الأمور. يقول: "فينبغي للعاقل ان ينتهي إلى غاية ما يمكنه ، فلو كان يتصور للآدمي صعود السموات لرأيت أقبح النقائص رضاه بالأرض ولو كانت النبوة تحصل بالاجتهاد ، رأيت المقصر في تحصيلها في حضيض" .
وأخرى سطرها مصطفى صادق الرافعي في كتابه "وحي القلم" يقول: "وله قلب لا يتعب فيبلغ منزله إلا ابتدأ التعب ليبلغ منزلة أعلى منها , وله فكر كلما جهد فأدرك حقيقة كانت الحقيقية أن يجهد فيدرك غيرها . وقالت لي النفس: إن من فاق الناسَ بنفسه الكبيرة كانت عظمته في أن يفوق الكبيرة "
وإذا كانت النفوس كباراً ××× تعبت في مرادها الأجسام
كما أن اكتشاف هذه القوانين والسنن أو الأسباب والأقدار ندفع بها أقدارا وأسبابا أخرى لم نعرف كيف ندفعها من قبل ولقد ذكر إبن القيم في كتابه (مدارج السالكين) أن المسلم لا الذي يستسلم لأقدار الله بل يدفع أقدار الله بأقدار الله. يقول "والرجل من يكون منازعاً للقدر ، لا من يكون مستسلماً مع القدر ولا تتم مصالح العباد في معاشهم إلا بدفع الأقدار بعضها ببعض فكيف في معادهم" يدفع الأقدار التي انعقدت أسبابها ولما تقع ويدفع الأقدار التي وقعت ولا يزال الإنسان يكتشف المزيد من أقدار الله يدفع بها أخرى كان يظنها حتمية لا مفر منها. وإذا كان الله قد ذكر الكثير مما سيقع قبل الساعة كقدر من الأقدار التي لا ترد فانه طلب منا أن نأخذ بالأسباب الواقية كما ذكر هذا أبن تيميه في (اقتضاء الصراط المستقيم) ويذهب محمد إقبال إلى قول آخر فيقول في كتابه تجديد التفكير الديني في الاسلام "انك مخطئ تماماً في فهم القدر. إن عليك لا أن ترضى فحسب بقدر الله بل تطلب المزيد منه . فادع الله ان يحكم بقدر آخر إذا رمى قلبك بفعل قدر واحد فإنك اذا طلبت قدراً جديداً كان ذلك أمراً مشروعاً تماماً ، إذ لا نهاية لأقدار الله تعالى" بل يذهب جودت سعيد إلي ابعد من هذا عند حديثه عن الوجود السنني عندما ربط ما اخبر به النبي عليه السلام من فتن ستقع بما في الأنفس بمعنى أن المفتاح بأيدينا أن شئناً فتحنا الباب للفتن وأن شئناً أغلقناه .
أن هذا التفكير السنني يقتضي نوعاً جديداً من رؤية الأمور وعلاج المشكلات وفتح أبواب الفرص ففرق شاسع بين من يرى كل هذا خاضعاً لسنن وقوانين يمكن اكتشافها وبالتالي التعامل معها وبين من لا يري ذلك .
أن كل هذا لا يغني عن الدعاء والتوكل على الله عز وجل ولكن لا بد من الفهم السليم كما يقول ابن الجوزي في كتابه "تلبيس إبليس " : " وما هذا ألا بمثابة من بين قراحه (أي الأرض المخلاة للزرع ) وماء الساقية رفسة بمسحاة فأخذ يصلي صلاة الاستسقاء طلباً للمطر فانه لا يستحسن منه ذلك شرعاً ولا عقلاً " إن الله يلوم على العجز كما اخبر النبي عليه السلام وقال أيضا " احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز "
أن المستحيل ليس مستحيلاً واقعاً بل لأننا نراه – وفق أنماط معينه ومفاهيم محددة. قد لا نعلم أننا لا نعلم فنعيش وفق ما نعلم ويخفى علينا ما لا نعلم .. وخفاؤه علينا لا يعني عدم وجوده وأهميته . أن الإلف حجاب غليظ يحجب الكثير . وان الأنماط الذهنية تمنع الكثيرين من رؤية الامكانات والخيارات والبدائل .. بل قد ينكرون وجودها بل وفائدتها فيظنون أن ما وعوه هو كل ما يمكن أن يعيه الإنسان ولا شئ وراء هذا فيحجرون واسعاً .. فإذا أراد أحد الناس ارتياد الجديد بدأ التوجس وبدأت الريبة ووقع منهم "إنا وجدنا آباءنا على أمة" والمصيبة الأكبر أن هذا المرض مرض ألآبائية لا نتصور إصابتنا به لمجرد أن القران حكاه عن الكفار فشعرنا أننا بمعزل عن كل هذا . إن الموجود والذي يمكن أن نعيه أوسع مما نعيه فعلاً .
والاسلام يدعو أتباعه للاستفادة من الآخرين فيما ينفع في كافة مناحي الحياة المادية والمعنوية بل عظمة الإسلام تتمثل في هذا كما يقول الاستاذ العقاد في كتابه " الفلسفة القرآنية": " وفضيلة الاسلام الكبرى انه يفتح للمسلمين ابوابَ المعرفة ويحثهم على ولوجها والتقدم فيها وقبول كل مستحدث من العلوم على تقدم الزمن وتجدد ادوات الكشف ووسائل التعليم، وليست فضيلته الكبرى أنه يُقعدُهم عن الطلب وينهاهم عن التوسع في البحث والنظر لأنهم يعتقدون انهم حاصلون على جميع العلوم". والقرآن قد يشير إلى أمور في الاجتماع أو الفلك ولكن كما ذكر الأستاذ محمد المبارك في كتابه " بين الثقافتين الغربية والإسلامية": "ويحسن التنبيه إلى أن القرآن ليس كتاب كيمياء أو فلك فلم يقدم لهم القوانين كلها وإنما طلب من الإنسان استخدام عقله هنا ليستخرج السنن والقوانين لا ليجدها جاهزة في القرآن الكريم. وحسبُ القرآن أنه دعا إلى التفكير والسير في الأرض والسمع والبصر والفقه –أي الفهم- ولم يعيق عملية التفكير وإعمال العقل في كون الله جل وعلا." وقال :"في القرآن والحديث إشارات لعوامل التغيير وليس ذلك على سبيل الحصر ولا على طريقة البحث العلمي لأن ذلك متروك لتفكير البشر واجتهادهم. فالقرآن كتاب هداية لجمهرة الناس وليس مقصورا على الخاصة وهدفه هدايتهم وإرشادهم ودلالتهم. ولذلك يكفي أن يشير القرآن ويدل على أن الظلم والبطر والترف تسبب هلاك الأمم لتحصيل العبرة والفائدة العملية. ولكن على العالم الباحث أن يفتش فيما وراء كلمة الظلم من أنواع كالظلم السياسي والاستبداد والاستعلاء والظلم الاقتصادي والمالي....." بل قد يتفق وحي التجربة الانسانية الصادرة من فطرة سليمة ووحي السماء كما ذكر ذلك الشيخ الغزالي في "جدد حياتك". ولنا في رسولنا اسوة حسنة: " لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ، حتى ذكرت أنّ الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم"والغيلة بكسر الغين وفتح اللام أنّ يجامع الرجلُ المرأة وهي مرضع. والحديث أخرجه مسلم( جامع الأصول من أحاديث الرسول لابن الأثير/ دار الفكر/ج 11 ص 527). وأعجبني ما قاله ابن القيم في " زاد المعاد" الجزء الرابع أو الطب النبوي ، يقول ابن القيم في الطب النبوي ص 12: " وقد عُلم أنّ الأرواح متى قويت وقويت النفس والطبيعة تعاونا على دفع الداء وقهره......"
ويقول ص 116:"وتفريح نفس المريض وتطبيب قلبه وإدخال ما يسره عليه له تأثير عجيب في شفاء علته وخفتها فان الأرواح والقوى تقوى بذلك فتساعد الطبيعة على دفع المؤذي وقد شاهد الناس كثيرا من المرضى تنتعش قواه بعيادة من يحبونه ويعظمونه ورؤيتهم له......." . ويقول عند حديثه عن الطبيب الحاذق ص 144"هو الذي يراعي في علاجه عشرين أمرا:...................التاسع عشر:أن يستعمل أنواع العلاجات الطبيعية والإلهية والعلاج بالتخييل فان لحذاق الأطباء في التخييل أمورا عجيبة لا يصل إليها الدواء ، فالطبيب الحاذق يستعين على المرض بكل معين " والحكمة ضالة المؤمن.
برنامج الذكاء العاطفي رحلة في الممكنات الذهنية والعاطفية التي يستطيعها الإنسان ليرتقي بحياته ويفعلها.
المفضلات