قال الشاعر الأغريقي هوميروس أن كل العائلات السعيده تشبه بعضها بعضا ،
لأن السعادة لا تمنح و لا هي سر بل لها أصول و قواعد ثابتة ،
ولو بحثت وراء كل العائلات السعيدة ستجد أن كل الأسباب متشابهة.

كل واحد باستطاعته أن يحقق السعادة لذاته ولمن حوله ،
ولكن مفاتيح الوصول إليها قد تكون غامضة أو تائهة لدى البعض ،
لذا عليك البحث عنها حتى لا تستسلم لليأس أو الكآبة.

وتمكنت دراسة أمريكية لجامعة كاليفورنيا من رصد لمصدر السعادة
وتوصلت إلى أن الأحداث الإيجابية في حياة المرء تنعكس بشكل مباشر
على مستوى سعادته خلال أسابيع قليلة ،
ولتحقيق السعادة مطلوب من المرء أن يجلس مع نفسه مرة في الأسبوع على الأقل
ليقوم بتسجيل المواقف واللحظات التي شعر فيها بالسعادة خلال الأسبوع الذى مضي.

وأشار د. إيديلمان أحد المشاركين فى الدراسة إلى
" أن على المرء أن يتعلم فن الامتنان ، وهذا يتطلب تسجيل النقاط المضيئة في يومياته"
ويضيف :
"عندما تبحث ولا تجد لحظات من النوع السعيد فهذا خير دليل على أنك في حاجة إلى القيام بتغيير كبير في حياتك".

وحول هذا المعني يؤكد جون ديرمارتيني، مؤلف كتاب "هل تستطيع إحصاء النعم المسبغة عليك"
أن الأشخاص الشاكرين للجميل والمقرين بالإحسان يتمتعون بمزيد من الحيوية والطاقة،
ويشعرون بمزيد من التفاؤل، كما أنهم قلَّما يعانون من الضيق والتبرم من منغصات الحياة ومشاكلها".

البهجة من صناعتك

وفى كتاب "جدد حياتك"
أوضح الشيخ محمد الغزالي أن سعادة الإنسان أو شقاوته
أو قلقه أو سكينته تنبع من نفسه وحدها ، إنه هو الذي يعطي الحياة لونها البهيج
، أو المقبض ، كما يتلون السائل بلون الإناء الذي يحتويه
: ( فمن رضا فله الرضا ، ومن سخط فله السخط) الترمذي.

أي أن الأمر يخضع للاعتبار الشخصي
، فإن شئت جعلتها تطهيراً ورضيت وإن شئت جعلتها هلاكاً وسخطت ،
إن العمل الواحد بما يصاحبه من حال نفسي يتغير تقديره تغيراً كبيراً ،
وانظر إلى هاتين الآيتين وما تبرزانه من صفات الناس :

( وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )

(وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
سورة التوبة.

هؤلاء وأولئك يدفعون المال المطلوب ،
هؤلاء يتخذونه غرامة مؤذية مكروهة ، ويتمنون العنت لقابضيه ،
وأولئك يتخذونه زكاة محبوبة تطيب النفس بأدائها، وتطلب الدعاء الصالح بعد إتيائها ،
وشأن الحياة كلها لا تعدو هذا النطاق.

كوني أنتِ


وطرق د. عائض القرنى أبواب السعادة فى كتابه الشهير
"لاتحزن"
الذي أشار فيه إلى أن علي المرء ألا ينتظر شكرًا من أحد قائلاً :
"اعمل الخير لوجه الله، لأنك الفائز على كل حال، ثم لا يضرك غمط من غمطك،
ولا جحود من جحدك، وأحمد الله لأنك المحسن،
وهو المسيء واليد العليا خير من اليد السفلى
(إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً ) سورة الإنسان".

وأضاف الكاتب :
"إن هذا الخطاب لا يدعوك لترك الجميل، وعدم الإحسان للغير،
وإنما يوطنك على انتظار الجحود، والتنكر لهذا الجميل والإحسان،
(فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) سورة هود.

وعن حال من يفتقدون السعادة يقول د. عائض القرني ناصحاً
: "نفر من الناس تدور في نفوسهم حرب عالمية، وهم على فرش النوم،
فإذا وضعت الحرب أوزارها غنموا قرحة المعدة، وضغط الدم والسكري،
يحترقون مع الأحداث، يغضبون من غلاء الأسعار، يثورون لتأخر الأمطار،
يضجون لانخفاض سعر العملة، فهم في انزعاج دائم ، وقلب واصب (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) ،
ونصيحتي لك أن لا تحملي الكرة الأرضية على رأسك، دعي الأحداث على الأرض
ولا تضعيها في أمعائك، إن البعض عنده قلب كالإسفنجة يتشرب الشائعات والأراجيف،
ينزعج للتوافه، يهتز للواردات، ويضطرب لكل شيء، وهذا القلب كفيل أن يحطم صاحبه،
وأن يهدم كيان حامله." ، مضيفاً : ومن أجل شخصية سعيدة
لا تكوني إمعة فلا تتقمصي شخصية غيرك، ولا تذوبي في الآخرين،
إن هذا هو العذاب الدائم، وكثيرون هم الذين ينسون أنفسهم وأصواتهم وحركاتهم وكلامهم ومواهبهم،
وظروفهم لينصهروا في شخصيات الآخرين، فإذا التكلف والصلف، والاحتراق والإعدام للكيان وللذات.

من آدم إلى آخر الخليقة لم يتفق اثنان في صورة واحدة،
فلماذا يتفقون في المواهب والأخلاق ، "أنت شيء آخر لم يسبق لك في التاريخ مثيل،
ولن يأتي مثلك في الدنيا شبيه. انطبق على هيئتك وسجيتك
(قد علم كل أناس مشربهم) (ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات)
، كوني كما خلقتي لا تغيري صوتك، لا تبدلي نبرتك،
لا تخالفي مشيتك... إن الناس بطبائعهم أشبه بعالم الأشجار، حلو وحامض،
وطويل وقصير، وهكذا فليكونوا. فإن كنت كالموز فلا تتحولي إلى سفرجل؛
لأن جمالك وقيمتك أن تكوني موزًا.
إن اختلاف ألواننا وألسنتنا ومواهبنا وقدراتنا آية من آيات الباري فلا تجحد آياته".


عادات يومية


إذا نجحتِ فى التصالح مع نفسك ،
يمكنك الاستعانة ببعض الأمور الحياتية التى نصح بها جون ديرمارتيني مؤلف كتاب
"هل تستطيع إحصاء النعم المسبغة عليك"،
الأمر الذي يشعرك بالانتعاش والحيوية طوال اليوم :




* قبل النهوض من سريرك في الصباح ،
فكري ولو لثوان معدودة في أمر يشعركِ بالسرور والبهجة والأمان علي سبيل المثال
ضوء الشمس المتسلل عبر النافذة، أو اللحن الرخيم المنطلق من المذياع
، أو نحو ذلك من الأمور التي تجعلكِ تشعري بالسعادة،
إن هذا من شأنه أن يساعدكِ على أن تبدئي يومك بطريقة إيجابية مليئة بالتفاؤل والأمل المشرق ،
واتبعي نفس الطريقة عندما تذهبين إلى فراش النوم؛ وستكون ليلتك هانئة.

*تذكري الأشياء البسيطة ، فمن المؤكد أن الأشياء الكبيرة،
كالحصول على زيادة في الراتب أو اقتناء سيارة فارهة، تندرج تحت المنجزات الضخمة.

ولكن ماذا عن الأشياء اليومية التي تجعلك تشعرين بفرحة خاصة وتستمتعين بلحظات ذات مدلول ومغزى،
مثل ضحكة طفل صغير يقهقه في براءة، أو رشفة من كوب شاي؟
فلا تدعي مثل هذه الأشياء الصغيرة الساحرة تفلت منك في خضم المشاغل اليومية.

* قدري كل من حولك ، فقد أثبتت الدراسات أن الإعراب عن التقدير والعرفان للآخرين يجعل المرء أكثر تفاؤلاً
وقدرة على احتمال متاعب الحياة ليس لمجرد ساعات أو أيام وإنما لأسابيع.

* اكتبي ودوني بعض الملاحظات والخواطر ،
وما عليكِ إلا أن تسجلي يومياً بعض الأشياء التي تمت على ما يرام ومرَّت كما كنت تتمنى،
وستشعرين بمزيد من التفاؤل وستزيد احتمالات بلوغك لأهدافك المنشودة ،
إذا أمضيتي خمس دقائق فقط في تدوين الأشياء التي تمت كما كنا نتمنى.

وفى النهاية لا تنسي أن قراءة القرآن وذكر الله تعالي من أكثر الأمور التى تجعل الإنسان مطمئنا ومتفائلاً
، فالمؤمن لا يعرف الكآبة أو الحزن بل يتوكل على الله.